اخر الاخبار

رغم مضي قرابة عشر سنوات على بداية المشكلة، لازالت معاناة النازحين داخل الوطن مستمرة، تخف حدتها في بعض المناطق وتشتد في مناطق أخرى، فيما تتبدد كل يوم الوعود الحكومية السخية بإغلاق هذا الملف سريعاً.

فمع حلول عام 2023، ومرور ست سنوات على هزيمة داعش وتحرير المناطق التي خضعت لهيمنتها، كان هناك ما لا يقل عن مليون مواطن، يعيش في مخيمات النزوح، وفق تقارير برنامج الأمم المتحدة للتنمية، التي دعت مراراً إلى إعادة دمج هؤلاء المواطنين في المجتمع، وإبعاد نظرات الريبة في التعامل معهم، كخطوة رئيسية للخلاص من التطرف وتعزيز الإستقرار، معتبرة التلكؤ في ذلك سبباً لعدم الوصول لسلام مستتب وتنمية مستدامة.

مآسي الإرهاب

لقد فّر ستة ملايين عراقي، كما هو معروف، من ديارهم بين عامي 2014 و2017، حين سيطر مقاتلو داعش على 40 بالمائة من مساحة البلاد، وعاشوا على الأغلب في المخيمات، معتمدين على المساعدات الإنسانية، قبل أن يتمكن 78 بالمائة منهم لاحقاً من العودة إلى ديارهم، فيما لاتزال البقية تعاني من ظروف حياتية معقدة، خاصة في فصل الشتاء، بسبب نقص وسائل التدفئة والوقود والفراش والأغطية والملابس وشحة الغذاء، لاسيما بعد انسحاب المنظمات الدولية والفرق التطوعية التي كانت تخفف من هذه المعاناة.

ورغم وعود الحكومة ووزيرة الهجرة فيها مراراً، بإغلاق جميع مخيمات النازحين في المحافظات باستثناء التي أقيمت في إقليم كردستان، وخاصة خلال الأشهر الستة الأولى من العام 2023، وذلك في إطار تنفيذ البرنامج الحكومي، فإن شيئاً جاداً لم يتحقق حتى الأن، بل وتشير تقارير المنظمة الدولية للهجرة، على وجود تهديد بطرد بعض العائدين لأسباب لوجستية كالنزاع على ملكية الأرض التي عادوا إليها او لعدم حل مشاكل الثأر العشائري معهم أو لتخصيص اراضي العشوائيات الجديدة التي أنشأوها، لإقامة مدارس أو طرق، حيث تعود ملكيتها لوزارات ودوائر حكومية.

ولهذا بات هذا الملف ذا تأثير سلبي على التنمية، في ظل انقسامات مجتمعية أو جروح لم تلتئم بعد، يمكن أن توفر بيئة مناسبة لنمو التطرف، خاصة حين تفتقر هذه المجتمعات للكرامة والأمن والخدمات الاجتماعية الضرورية، ولنظام تعليمي وصحي مناسب وكفؤء، وحين تعاني شبيبتها ونسائها من البطالة والعزلة.

نزوح جديد

وإلى جانب الإرهاب كسبب للنزوح، أكدت المنظمة الدولية للهجرة على أن عدد العائلات التي نزحت من مناطقها بسبب أزمة الجفاف والتدهور البيئي في 12 محافظة عراقية، بلغ 21 ألفاً و798 عائلة تتألف من 130 ألفاً و788 فرداً لغاية 15 أيلول 2023. وأوضحت المنظمة، أن من بين العائلات 9 آلاف و934 عائلة نزحت داخل محافظاتها وتشكل نسبة 49 بالمائة، وتصدرت ذي قار المحافظات من حيث النزوح بـ 7 آلاف و890 عائلة، فيما حلت بغداد في المرتبة الأخيرة بـ 19 عائلة. وشكل سكان المدن نسبة 74 بالمائة من مجموع النازحين.

وفي تشرين الأول الماضي، ذكرت وزارة البيئة العراقية بان 68 ألف أسرة من مناطق الأهوار قد نزحت بسبب شح المياه والتصحر وتقلص الأراضي الزراعية، مما أدى لفقدانهم سبل العيش بعد أن كانوا معتمدين على الزراعة وتربية الجاموس وصيد الأسماك والطيور. وبينت الوزارة بأن هؤلاء النازحين اضطروا إلى إنشاء عشوائيات على أعتاب مدن تعاني من نقص كبير بالخدمات، مما قد يؤدي إلى الكثير من المشاكل الاجتماعية، وارتفاع معدلات الفقر وحالات تعاطي المخدرات والعصابات المنظمة، بل واحتمالية استقطابهم للمجاميع الإرهابية.

إعادة ودمج وتأهيل

وكان ملف العراقيين في معسكر الهول السوري للاجئين، من أكثر الملفات صعوبة على الحل، بسبب تقدير السلطات لوجود صلات شبه مؤكدة للكثير من هؤلاء مع تنظيم داعش الإرهابي، ولافتقادهم للوثائق العراقية الأساسية مثل بطاقات الهوية أو عقود الزواج، ولمكان مناسب للعيش، ودخل يضمن مستلزمات الحياة، إضافة إلى صعوبة الفرز بين من نبذ الإرهاب منهم وبين من ما زال متمسكاً بإيديولوجيته، مما يجعل عملية دمجهم ثانية في المجتمع أمراً معقداً، بسبب حاجة القوات الأمنية لفترات من أجل التدقيق، ومنع داعش من إعادة تنظيم صفوفة الممزقة عبر تجنيد هؤلاء.

فساد وفهلوة سياسية

وبات ملف النزوح، كما يبدو، أداة للترويج السياسي، حيث يستخدمه المتنفذون، إما لإغداق الوعود بقرب حل المشكلة، او للظهور بمظهر “ولي الدم” الذي يريد الإقتصاص من هؤلاء المغلوبين على أمرهم. هذا وفيما تتهم لجنة الهجرة والمهجرين في البرلمان العراقي، الحكومة على فشلها في إدارة ملف النازحين في العراق، وتعّد بمتابعة موضوع إعادتهم لديارهم وتقديم الدعم المادي لهم في مطلع العام القادم، تؤكد وزارة الهجرة ذات الوعود، التي لم يعد يثق بها كثيرون، لاسيما بعد أن كشفت لجنة النزاهة النيابية، في آب الماضي، عن وجود ملفات فساد كبيرة داخل الوزارة، وأنها قد تكون أكثر الوزارات فسادًا داخل الكابينة الحكومية، حيث تم الإستيلاء على أموال المساعدات المخصصة للنازحين لأغراض شخصية وحزبية وبأساليب ملتوية، أدت إلى وصول المساعدات بكميات أقل وبنوعية متدنية، مشيرة إلى أنه ورغم ما رصد من أموال طائلة للمساعدات، فأن ما يصل من مواد للنازح لا تتجاوز قيمتها 10 آلاف دينار عراقي.

محنة الإيزيديين

وشهد العام 2023 أيضاً، الذكرى التاسعة للمجزرة التي إرتكبتها عصابات داعش الإرهابية ضد الإيزيديين، والتي أعادت إلى الأذهان الحاجة لتأكيد الإحترام الكامل لتنوع العراق الإثني والديني، والإلتزام بحماية وتحسين وضع المجتمعات الضعيفة فيه، ومنها المجتمع الإيزيدي الذي ما زال يواجه تحديات كبيرة، كمنع النازحين من العودة إلى ديارهم، لا سيما في سنجار، وغياب الخدمات الاجتماعية الأساسية، وعدم توفر الأمن في ظل شيوع خطاب الكراهية. 

كما أعادت المناسبة التذكير بأهمية تنفيذ اتفاق سنجار وإعادة الخدمات المدنية الأساسية إلى المنطقة وتعيين 2500 من أفراد الأمن المحلي كما ورد في الإتفاق، وتنفيذ قانون الناجيات الإيزيديات ومرسوم ملكية الإيزيديين للأراضي، الذين أقرتهما الحكومة، إضافة إلى ضمان تمتع الجميع بحقوقهم المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وضمان وصولهم إلى الخدمات الأساسية، والبحث عن المفقودين، وتوفير الدعم المادي والنفسي والاجتماعي والفرص الأكاديمية والاقتصادية للضحايا.

ملف المفقودين

وارتبط مع محنة النازحين ملف المفقودين والمختفين قسرياً، الذي يعتبر فاعلاً في العراق لأكثر من خمسة عقود، حيث بات يُعتقد بأن المفقودين والمغيبين صاروا مجرد أرقام تتداولها الأحداث ووسائل الإعلام دون أن تُتخذ أي إجراءات ملموسة وواضحة للكشف عن مصيرهم، مما يبعث شعوراً متزايداً باليأس لدى عائلاتهم.

وفيما تطالب تلك العوائل بالكشف عن مصير أبنائها وتزويدها بمعلومات عنهم، وإكمال التحقيق مع من هو متهم منهم بمخالفة القانون، كالتعاون مع الإرهاب مثلاً، وإطلاق سراح الإبرياء منهم، يشير المراقبون إلى ضرورة الانتباه إلى التأثيرات السلبية المحتملة لهذه المشكلة المزمنة على السلم الأهلي.

على الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم والحكومات المحلية ان تُقدم على معالجة ما خلّفته الحرب ضد داعش ومنظمات الإرهاب الاخرى، وفترات انتعاش روح البغضاء والطائفية. ومن ذلك السعي الحثيث إلى إعمار المدن المخربة، وإعادة الحياة الطبيعية اليها، وإرجاع النازحين من مخيمات البؤس والفاقة والجوع والمرض والبرد القارس والحر اللاهب إلى مدنهم وقراهم. كذلك الكشف عن مصير كافة المختفين قسرا والمخطوفين والمغيبين، وإطلاق سبيل من بقي منهم على قيد الحياة فورا.

من التقرير السياسي الذي اقره المؤتمر 11 لحزبنا الشيوعي العراقي 2021