اخر الاخبار

يواجه النظام الضريبي في العراق تحديات جمّة، تتجسد في بنيته المتهالكة وما يعانيه من مشاكل كبيرة في جوانبه الإدارية والقانونية والمالية، ما ادى إلى انخفاض نسبة مساهمته الحقيقية في الإيرادات العامة للدولة، خاصة في ظل ما يسببه الفساد في جباية الضرائب من عدم دخول الإيرادات الى خزينة الدولة، وحدوث تهرب ضريبي كبير

مورد مالي مهم

وتعد الضريبة، كما هو معروف، من أهم ركائز السياسة الاقتصادية لمختلف دول العالم، ومورداً مالياً مهماً يلعب دوراً أساسياً في تمويل الخدمات العامة كالصحة والتعليم واستدامة البنية التحتية، ويسهم في توفير الموارد لتنفيذ سياسات الحكومة وبرامجها، خاصة في البلدان التي تمتلك نظاماً ضريبياً سليماً، وخاضعاً للتحديث المستمر ومتسماً بالعدالة.

الحد من الفساد

وقال رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، الأحد الماضي، في كلمة له بالمؤتمر الثاني للخطة الوطنية لحقوق الانسان: إن الإصلاح الضريبي يمثل رسالة مهمة إلى المستثمرين الأجانب والشركات، وأن الحكومة جادة في ترميم بيئة ممارسة الأعمال.

واضاف، انه «برغم الصعوبات على المستوى المتوسط والبعيد، لكننا سنصل إلى مرحلة يشعر فيها المنتج والمستهلك والمستثمر بحالة من القبول والرضا، بعد تحقيق العدالة»، معرباً عن امله في «دعم توصيات المؤتمر للتشريعات والبنى التحتية، واعتماد نظام محوكم ومؤتمن يقضي على حالة الابتزاز».

نظام قديم

ويؤكد المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء، د. مظهر محمد صالح، أن النظام الضريبي في العراق بات نظاماً قديماً جداً، ويشكل ـ في ظل النظام الاداري الضعيف ـ مشكلة تستدعي إصلاحاً عاجلاً.

ويضيف صالح في تصريح خص به «طريق الشعب»، ان «مشكلة الاقتصادات الريعية تكمن في الهروب من الضريبة بشكل عام، حيث هناك معادلتان في الضريبة؛ الاولى تسمى الضريبة السالبة وهو ما تدفعه الدولة من اعانات لمختلف القطاعات كالفقراء والرعاية الاجتماعية ودعم الوقود والبطاقة التموينية. ويشكل هذا الدعم المباشر وغير المباشر حوالي 16 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي. ويفترض ان تقابل الضريبة السالبة وتعادلها ضريبة موجبة، تشكل هي الاخرى 16 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي للمكلفين ممن يحققون دخلاً كبيراً».

ويشير الى انه «بموجب العقد الاجتماعي فالمواطن الذي يحقق دخلاً عالياً، يتنازل عن جزء من دخله لمصلحة المجتمع، الاّ أن الحصيلة الضريبية في العراق من الناتج المحلي الاجمالي لا تشكل سوى 2 في المائة وربما اقل، ولهذا فغياب التعادل بين الضريبتين السالبة والموجبة، أي بين ما تدفعه الدولة من دعم وما تتحصل عليه من أصحاب الدخول العالية والملكيات (المكلفين)، يعني وجود ما نسميه التهرب الضريبي».

عبء على الدولة

وأضاف صالح، ان «نسبة التهرب الضريبي عالية جداً في البلاد، فالموظفون من أصحاب الدخول المعروفة يدفعون الضريبة، بينما يعتبر نشاط السوق ـ الذي تبلغ نسبته 65 في المائة ـ غير معّرف امام الضرائب، ولا يدفع هؤلاء ـ كمكلفين بموجب العقد الاجتماعي ـ أية حقوق ضريبية. وعليه صار هذا الجهاز عبئاً على الدولة، ولن تتمكن هذه المنظومة من تحقيق المراد منها، ما لم يتم إصلاحها إصلاحاً جذرياً، سواء من ناحية الإدارة او التحصيل او التعرف إلى دخول المكلفين بالضريبة بشكل صحيح وغيرها».

وفي ختام حديثه، يؤكد صالح ان «الإصلاح الضريبي سيحقق لنا مورداً اقتصادياً كبيراً، مع أهمية ان تكون هناك عدالة ضريبية، فمن غير المعقول ان الموظف الصغير يدفع الضريبة، بينما هناك شخص دخله عالٍ يتهرب، ولا أحد يستطيع الوصول له».

تهرّب ضريبي ممنهج

من جانبه، قال الباحث في الشأن الاقتصادي احمد عيد: ان النظام الضريبي هو أحد أهم ركائز السياسة المالية للبلدان، ومورد مالي دوري مهم للحياة الاقتصادية في أي بلد، إلا أنه يواجه في العراق الكثير من التحديات، ويعاني من مشاكل كبيرة، منوهاً بان «جباية الإيرادات المتحققة من التعاملات الضريبية في العراق متخلفة، ولا ترقى لمستوى الإدارة الحقيقية، وهناك عمليات ممنهجة للتهرب الضريبي تساهم بها جهات متنفذة، والحكومة غير قادرة للأسف على إصلاح منظومتها الضريبية، التي باتت احد الملفات الشائكة أمام تطبيق وتنفيذ الجباية بشكل علمي ومهني عادل».

وأضاف عيد في حديثه مع «طريق الشعب»، انه «على مدار عقود، كانت عوائد الضرائب تكاد تكون شبه معدومة في العراق، لكن المشكلة تفاقمت مع الغزو الأمريكي في عام 2003 حيث أدت الصراعات السياسية وعمليات الفساد وضعف الرقابة إلى تهميش دور الضرائب كمورد للدخل إلى جانب إيرادات النفط، حتى بات التهرب الضريبي ظاهرة عامة في جميع مفاصل العمل وفي القطاعين العام والخاص».

سبل النهوض بالواقع الضريبي

ونوه الباحث بان «التشريعات والقوانين الضريبية النافذة في العراق، صدرت في أزمان متعددة وتختلف إجراءات تطبيقها مع اختلاف الأنظمة السياسية، ووفق فكر وأيدولوجية النظام الحاكم. وهذه الصورة النمطية منعت تأسيس هيكلية عامة لنظام ضرائب حديث ومتطور».

وأكد عيد، أن ظاهرة المحاصصة الحزبية والإدارة غير الكفوءة «اثرت سلباً على عملية تطبيق السياسة الضريبية في العراق، فضلاً عن كثرة الإعفاءات الضريبية وتبويب منافذ الأموال وعدم كفاءة الهيئة العامة للضرائب، إضافة الى ضعف إدارتها للعمل الضريبي وانتشار الفساد فيها».

ورهن عيد النهوض بالواقع الضريبي العراقي بـ»العمل على إجراء إصلاحات إدارية شاملة للهيئة العامة للضرائب التي تُدار اليوم حزبياً، بعيداً عن المهنية والكفاءة، والعمل على تطوير قدرات الكوادر الضريبية، بالإضافة إلى اعادة صياغة قانون النظام الضريبي وتفعيل الأساليب الحديثة في الجباية، من خلال تفعيل الرقم الضريبي للمكلف، وتفعيل نظام الرقابة والحوكمة على أداء عمل الهيئة ومراقبة كوادرها».

وخلص الى القول: إن «اهم عوامل النهوض بهذا المورد المالي المهم، هو اعتماد انظمة تكنولوجية حديثة ومتطورة وأتمتة البيانات والمعلومات وتحديثها بشكل دوري مستمر».