اخر الاخبار

انتشرت في السنوات الأخيرة، ظاهرة بيع البحوث العلمية في دكاكين صغيرة وعبر منصات التواصل الاجتماعي. ويستهدف هذا النشاط طلبة الدراسات العليا بشكل أساسي، فيما يحذر أكاديميون من خطورة هذه الظاهرة على المستوى العلمي في البلاد، خاصة مع حصول “سُراق” البحوث على مناصب تعليمية!

المال مقابل الشهادة

وقال الأستاذ الجامعي عمار العيثاوي، إن غالبية طلبة الدراسات العليا ليس لديهم تركيز جاد على البحث العلمي، بقدر مساعيهم لتحسين وضعهم المعيشي عبر الحصول على شهادات عليا”، مضيفا “لقد لاحظنا زيادة في عدد الطلبة الذين يلتحقون ببرامج الدراسات العليا في بلدان مثل تركيا وإيران خلال السنوات الأخيرة. ويبدو أن الغالبية العظمى منهم يعملون في القطاع الحكومي؛ حيث يسعون لتحسين رواتبهم وظروفهم المعيشية، من دون الاهتمام بتقديم إسهامات علمية مميزة”.

وأضاف العيثاوي لـ”طريق الشعب”، إن “الغاية المادية جعلت غالبية الطلبة يلجؤون إلى الطرق السهلة: إيجاد شخص يبيع البحوث”. ويرجع سبب انتشار الظاهرة خلال السنوات الأخيرة إلى عدة عوامل، منها “البيئة الأكاديمية والجامعية التي تفتقر فيها بعض الجامعات إلى الرصانة الأكاديمية، وتشهد حالات فساد وقبول رشاوى مقابل قبول البحوث “المسروقة والركيكة”.

وإلى جانب ذلك، يعاني الطلبة من نقص في التوجيه الأكاديمي والإشراف العلمي، ما يؤدي إلى تخصيص الوقت والجهد لمواضيع غير هادفة أو غير متخصصة، طبقا للعيثاوي.

ويشير إلى، أن “أسعار البحوث ليست باهضة، لكنها معيبة اخلاقيا وعلميا”.

ولحل هذه المشكلة، يقترح العيثاوي على وزارات التعليم العالي تشجيع البحث العلمي المحلي وتوفير الدعم المالي والموارد للباحثين والتدريسيين. كما يجب تحسين جودة التعليم العالي بشكل عام، وتوجيه الطلبة نحو مساراتهم المهنية بشكل أكثر فعالية، إذ يؤكد أن الوزارة تهمل الجزء المتعلق بالبحوث العلمية.

ويحذر المتحدث من تفاقم هذه الظاهرة؛ اذ يجدها تهدد المستوى العلمي في البلاد. ويقول إن “سرّاق البحوث أصبحوا أساتذة جامعيين، ويأخذون على عاتقهم نقل المعرفة، وهم لا يملكون أي أداة علمية”.

وطالب العيثاوي بتوفير المزيد من الدعم للباحثين في نشر أبحاثهم وتحقيق النتائج، والاهتمام بالبحوث المحلية. كما يجب على الجامعات والمؤسسات البحثية تعزيز الأخلاقيات البحثية والعلمية، وتقديم الدعم والتوجيه للطلاب والباحثين الجدد لتطوير مهاراتهم وأخلاقياتهم في مجال البحث العلمي.

غياب الدعم

في السياق ذاته، يقول أستاذ في جامعة التكنولوجيا حيدر ناصر، إنّ “الغاية الأسمى للجامعات والمؤسسات التعليمية هي تعزيز البحث العلمي والإبداع والمساهمة في تطوير المجتمع بشكل عام، وليس فقط تحسين وضع الموظفين المعيشي”. ويضيف، أنّ “مواقع التواصل الاجتماعي تتضمن العشرات من العروض الخاصة بانشاء ومنح بحوث علمية مقابل مبلغ مالي”.

ويضيف خلال حديث مع “طريق الشعب”، أن “المؤسسات العلمية في العراق تركز شكلياً (أين سينشر البحث العلمي؟)، متجاهلة الهدف من البحث. كما لا توفر أي دعم للباحث او الطالب؛ حيث يضطر الكثير من الطلبة إلى تحمل تكاليف عالية مقابل نشر البحوث في منصات عالمية رصينة. وهذا يقودنا إلى مشكلة أخرى تتمثل بعدم قدرة العديد من الباحثين على نشر بحوثهم بسبب عدم قدرتهم على تغطيتها ماديا، بالرغم من امتلاكهم المؤهلات العلمية”.

ويتابع قائلاً: إنّ “الأجيال الحالية لا تتعب نفسها إنّما تميل الى أي طريقة سهلة، وأصبحت الشهادة وسيلة للتفاخر بين الناس، دون أي نتيجة ملموسة”.

من جانبه، يستغرب ناصر من غض النظر عن المكاتب التي تبيع وتنشر البحوث، مؤكداً أنها تشكل تهديداً لمستوى العلمي في البلاد.

عقوبات

وبالحديث عن الجانب القانوني، يقول مصطفى البياتي: إنّ “الدستور العراقي يتضمن قانوناً خاصاً يتحدث عن حماية حق المؤلف (رقم ٣ لسنة ١٩٧١)، يتكون من ٥٣ مادة، منها مادة واحدة معلقة”.

ويضيف خلال حديثه مع “طريق الشعب”، أن القانون يتيح للمؤلف عند وقع التعدي على حق من حقوقه المقررة بمقتضى احكام هذا القانون الحق بتعويض مناسب. ويؤخذ بالاعتبار المنزلة الثقافية للمؤلف والقيمة الادبية والعلمية والفنية للمصنف ومدى الفائدة التي حصل عليها المعتدي من استغلال المصنف.

ويوضح، أن العقوبات المفروضة تصل إلى “١٠ مليون دينار عراقي، وفي حالة تكرار الانتهاك وتعرض الشخص للادانة للمرة الثانية، تصل العقوبة إلى خمس سنوات في السجن بالإضافة إلى غرامة مالية لا تقل عن ١٠٠ مليون دينار عراقي”.

وحثّ البياتي الشرائح العلمية على التوجه نحو المحاكم وردع أي شخص يحاول سرقة بحوثهم، مشيراً إلى أهمية عدم التساهل أو تجاهل السكوت في مواجهة هذه الظاهرة، وبدلاً من ذلك يجب مواجهة المسؤولين بشكل شخصي لغرض الحد من انتشارها.

عرض مقالات: