اخر الاخبار

وفقا لأرقام صادرة عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن الفرد العراقي يهدر نحو 120 كيلوغراماً من الطعام سنوياً، وإن إجمالي الهدر السنوي للمواطنين يصل إلى نحو 5 ملايين طن، ما يجعل العراق في المقدمة بين أكثر البلدان هدراً للطعام في العالم. وتشكل العادات والتقاليد الموروثة السبب الرئيس لهذا الهدر. إذ ان معظم العراقيين – حسب ما يرى متابعون - يفضلون تحضير كميات طعام أكبر من الحاجة عند تناولهم وجباتهم داخل المنازل أو في المطاعم.

وتشكل النفايات العضوية (وأهمها بقايا الطعام)، النسبة الأكبر من النفايات المنزلية المطروحة في العراق، والتي تعد أحد عوامل التلوّث البيئي البارزة، نظرا لما تخلّفه من روائح كريهة وغازات سامة، فضلا عن كونها تصبح ملاذا للحشرات والجراثيم والبكتريا الناقلة للأمراض وللحيوانات السائبة. في حين لا تجري معالجة هذه النفايات بالطرق العلمية.

موائد المناسبات

يقول سهيل حردان، وهو شيف متخصص في إعداد الطعام للمناسبات الاجتماعية الكبيرة، انه “في العراق، لا يتم إعداد الطعام للولائم وفقا لكميات دقيقة محسوبة. لذا لن يتجنب صاحب الوليمة مشكلة الطعام الفائض والهدر الكبير”.

ويضيف في حديث صحفي قائلا: “يخبرني أشخاص يطلبون مني أن أجهّز موائد كبيرة لإحياء مناسباتهم الاجتماعية، بأنهم يريدون أن تفوق كميات الطعام حاجة العدد المتوقع للحاضرين. لذلك نجهز أحيانا ضعف الحاجة أو أكثر”.

فيما يعزو عبد السلام المحمداوي، وهو أحد وجهاء قبيلة البو محمد في بغداد، سبب إعداد طعام أكثر من الحاجة في المناسبات إلى “عادات لا يمكن تجاوزها، رغم أننا ندرك جيداً أضرارها وسلبياتها”.

ويؤكد في حديث صحفي أن “العائلات التي تعد طعاماً كثيراً في ولائمها تحاول قدر الإمكان تجنب رمي الفائض. إذ توزعه على الفقراء. كما ترمي ما يزيد على الحاجة في أماكن مفتوحة كي تأكله الطيور، أو في النهر لتأكله الأسماك”.

وتسعى جهات رسمية إلى وضع حدّ لهدر الطعام. ففي آب الماضي دعت وزارة التخطيط إلى تشريع قانون خاص بمكافحة هدر الطعام، وتشجيع إعادة توزيعه وتدويره والتبرع به.

ملايين الدنانير تُطبخ وتُهدر!

حارث الغريري، وهو من سكان قرية في قضاء أبو غريب غربي بغداد، يتحدث عن وليمة أقامتها عائلته في زفاف شقيقه.

ويقول في حديث صحفي أنه “كان المتوقع أن يحضر نحو 300 شخص. لكن جرى إعداد طعام لأكثر من ألف شخص، فكان الطعام المتبقي في القدور الكبيرة، أكثر مما تناوله الحاضرون”، مؤكدا أن “تكلفة الطعام كانت كبيرة جداً، وقد خففها قليلاً امتلاك عائلتي أكثر من 200 رأس غنم و27 بقرة. إذ استهلكت الوليمة ثورين و50 رأس غنم. وقد كلّف الطعام عائلتي 20 مليون دينار”!

وينوّه الغريري إلى أنه “نعلم جيداً اننا نتصرف بشكل خاطئ، لكننا اعتدنا على هذه التقاليد، وعلى توزيع فائض الطعام على العائلات الفقيرة في القرى، وتقديم الطعام الذي يستعاد من الموائد، وهو بكميات كبيرة، إلى الدواب والطيور والأسماك. نعلم جيداً أضرار إعداد طعام يتجاوز الحاجة، وأنه من الضروري عدم الإسراف، لكن العادات المتوارثة أقوى منا، ولطالما قررنا الابتعاد عنها وحاولنا تغييرها، إلا انه من الصعب أن نفعل ذلك”.

قلة الوعي

من جانبه، يرى الباحث الاجتماعي فراس العيسى، أن “قلة الوعي تشكل السبب الرئيس لاستمرار ظاهرة هدر الطعام في العراق، إلى جانب العادات الاجتماعية الموروثة التي تشجع على تقديم كميات كبيرة في المناسبات، حتى إذا حصل هدر كبير”، موضحا في حديث صحفي أن “هدر الطعام يحصل غالبا في الأرياف والمناطق المعروفة بالتزامها بالعادات القبلية. إذ يرى الناس هناك أنه من المعيب أن يقدموا وجبات طعام لا تفيض عن حاجة المدعويين”!

ويرى العيسى أن “المجتمع يحتاج إلى التوعية بالأضرار الاقتصادية والبيئية الناجمة عن هدر الطعام”، مستدركا “لكن ذلك لا يعني أن من يهدرون الطعام هم فقط من الطبقة ذات التعليم المحدود، إنما العكس، فكثيرون ممن يقومون بذلك، يكونون من ذوي مقامات ومراكز اجتماعية مهمة، بينهم ضباط وأطباء ووجهاء، لكن العادات القبلية تسيطر عليهم ما يجعلهم يحتاجون بدورهم إلى توعية”.

اضرار اقتصادية وبيئية

يؤثر هدر الطعام سلباً في الاقتصاد والبيئة، في وقت يعتبر فيه اقتصاد العراق هشّاً - حسب ما ورد في تقرير صادر أخيرا عن البنك الدولي، صنّف اقتصاد البلد بأنه “ريعي يعتمد على موارد النفط”. فيما وصف البيئة العراقية بأنها “كارثية نتيجة تزايد مستويات التصحر والجفاف، وعدم اتخاذ إجراءات تساعد في تحسين البيئة وتعالج مشكلاتها”.

ويقول الخبير البيئي أحمد عباس، أن “الطعام، عند رميه في المكبات يتحلل وينتج عنه غاز الميثان الذي يعتبر أحد الغازات الدفيئة المساهمة في تغيّر المناخ”.

ويتابع في حديث صحفي قوله ان “إنتاج الطعام يستهلك موارد طبيعية ضخمة مثل الماء والأراضي الزراعية والطاقة، وبالتالي عندما يهدر الطعام تهدر هذه الموارد أيضاً. والتخلص من الطعام بطرق غير ملائمة، يلوّث المياه والتربة، ما يؤثر في البيئة المحيطة ويضر بالتنوع البيولوجي”.

ويلفت عباس إلى ان “الاستهلاك المفرط للطعام يزيد الضغط على الأراضي الزراعية المنتجة للمحاصيل. ولأن إنتاج الطعام يعتمد بشكل كبير على المياه، سيؤدي هدره إلى استنزاف المياه التي استُخدمت في إنتاجه، وأيضاً الأموال التي أنفقت على إنتاجه ونقله وتخزينه”.

ويعتبر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن “هدر الأغذية له آثار بيئية واجتماعية واقتصادية كبيرة. وعلى سبيل المثال، في وقت لا يزال فيه العمل المناخي متأخراً عن الركب، ترتبط ما بين 8 و10 في المائة من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية بالأغذية التي لا يتم استهلاكها”.