اخر الاخبار

على إثر أزمة المياه المتواصلة وعزوف أعداد كبيرة من صيادي الأسماك عن مزاولة المهنة بعد أن أصبحت غير مجدية، واجهت حرفة صناعة الزوارق الخشبية في العراق، تراجعا حادا، ما يهدد باندثارها.

وتعتبر صناعة الزوارق من الصناعات القديمة في بلاد الرافدين. وقد ازدهرت في الستينيات حتى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي. لكن أزمة المياه التي تشهدها البلاد اليوم، اضطرت الكثيرين من صناع القوارب وصيادي الأسماك، إلى ترك مهنهم التي ورثها معظمهم عن الآباء والأجداد، ليبدأوا البحث عن مهن أخرى لا تعتمد على توفر المياه، يؤمّنون بواسطتها قوت عائلاتهم، ما جعلهم يلتحقون بركب المزارعين، أبرز المتأثرين بالأزمة المائية والتغيّر المناخي.

في حديث صحفي، يقول أبو سجاد (50 عاماً)، وهو صانع زوارق في محافظة النجف، أن “الطلب على مصنوعاتنا من الأبلام والكعد، كان مرتفعا في السابق، لكن اليوم، وبسبب شح المياه في الأنهر، وتوقف عمل الكثيرين من الصيادين، ضعف الطلب على الزوارق، خاصة من سكان المحافظات الجنوبية، الأمر الذي يهدد مهنتنا بالاندثار”.

أما صياد السمك أبو علي (40 عاما)، أيضا من النجف، فهو لم يترك مهنته، شأن صانع الزوارق أبو سجاد، لكن تفاقم الأزمة قد يدفعه إلى تركها قريبا، بالرغم من اعتزازه بهذه الصنعة التي ورثها عن والده وجده. 

يقول أبو علي في حديث صحفي أن “الصيد تراجع كثيرا مقارنة بالسنوات السابقة، نتيجة انحسار المياه، الأمر الذي قد يضطرني إلى ترك المهنة والبحث عن عمل آخر”.

إلى ذلك، يتفق الخبيران في مجال المياه، تحسين الموسوي وعادل المختار، على أن مهنة صيد الأسماك، لا سيما في الأهوار، تضررت كثيرا نتيجة أزمة المياه.

ويوضحان في حديث صحفي، أن “حركة المشحوف في الأهوار، سواء للصيد أم للتنقل، باتت صعبة، خاصة بعد تحوّل بعض المسطحات المائية إلى برك صغيرة”.

ولم تتأثر حرفة صناعة الزوارق الخشبية بأزمة المياه وحسب، فمنذ تسعينيات القرن الماضي بدأت هذه الحرفة تتراجع بعد شيوع الزوارق المصنوعة من الصفيح أو الفيبر كلاس، والتي يفضلها الصيادون نظرا لخفة وزنها وسرعتها. 

وعن ذلك يقول صانع القوارب الخشبية في منطقة الكريمات ببغداد، عباس عبد الكريم، أنه “منذ العام 1990 بدأت صناعة القوارب الخشبية تتراجع شيئا فشيئا، وذلك لأسباب عدة، يقف في مقدمتها ارتفاع أسعار الخشب، لا سيما خشب الصاج الذي تصنع منه. إضافة إلى ذلك أن الكثيرين من أصحاب المهنة وخبرائها الكبار، أما غادروا الحياة أو تركوا العمل بسبب تقدم السن”، مشيرا في حديث صحفي سابق إلى أن “القوارب المصنوعة من المعادن والفيبر كلاس، أصبحت منافسا قويا للقوارب الخشبية”.

وكان أستاذ التاريخ في الجامعة العراقية ببغداد، د. دحام السعدي، قد أفاد في حديث صحفي سابق بأن “صناعة القوارب الخشبية في العراق على صلة وثيقة بتوفر المياه في نهري دجلة والفرات”، لافتا إلى أن “هذه الحرفة التراثية التي ارتبطت بتاريخ العراق الموغل في القدم، تواجه اليوم خطر الاندثار. وعلى الرغم من أن بعض صناع القوارب في بغداد ومدن الوسط والجنوب لا يزالون يحاولون المحافظة على مهنتهم، إلا أن أعدادهم تتراجع يوما بعد آخر”.

ودعا د. السعدي الجهات المعنية بالتراث، إلى دعم أصحاب هذه الحرفة، للمحافظة على جزء مهم من تراث وادي الرافدين.