اخر الاخبار

أثار القرار الذي أصدرته وزارة التربية قبل أسابيع بإغلاق ممثلياتها ومدارسها للنازحين داخل مناطق اقليم كردستان، موجة من التظاهرات الغاضبة والدعوات الى العدول عنه، لما له من آثار سلبية تحرم  آلاف الطلبة من حق التعلم.

وقال العديد من النازحين في هذه المناطق، أن القرار يحمل في طياته أبعادا سياسية، كما أنه سيؤدي بالطلبة إلى مصير مجهول، مؤكدين أن اعادتهم الى مناطقهم لا يجب أن تكون قسرية أو كواقع حال، انما هناك متطلبات كثيرة ما زالت غير متوفرة، فضلا عن حق المواطن بحرية السكن والتنقل.

هل القرار مناسب الآن؟

التقت “طريق الشعب” عددا من المواطنين الذين سيطالهم ضرر كبير من تنفيذ هذا القرار مطلع تموز المقبل،.

وما زال مئات الآلاف من المدنيين يعانون بسبب النزوح ويدفعون ضريبة قاسية بعد اجتياح الإرهاب لمناطقهم وسيطرته على مساحات واسعة من البلاد، في لحظات مأساوية أسفرت عن استشهاد واصابة اعداد هائلة من العراقيين، مقابل إفلات المتسببين بهذا السقوط المدوي من العدالة.

وانتقل الكثير من المواطنين بسبب تلك الأحداث الدامية الى مناطق إقليم كردستان واستقروا فيها بحثا عن حياة آمنة، وما زال الآلاف منهم يقطنون خيام النازحين ويقاسون تقلبات المناخ والعوز والحرمان من أبسط الحقوق.

وجاء قرار وزارة التربية الأخير ليزيد من هموم النازحين وقلقهم، حيث تؤكد العوائل أنه يهدد حوالي 150 – 210 ألف طالب داخل الإقليم وقرابة 4000 شخص من الكوادر التدريسية والإدارية.

تقول علياء باسم (مواطنة من أهالي الموصل)، أنها فقدت زوجها بسبب الإرهاب وتركت مدينتها لتستقر منذ ثمانية أعوام في أربيل، مؤكدة رفضها العودة إلى منطقتها المتضررة بسبب شعورها بعدم الأمان والاستقرار.

وتصف عليا وهي أم لطالب في الصف الثاني المتوسط، هذا القرار بانه “مجحف” بحق الطلبة والتلاميذ والموظفين، مبينة أن العوائل سوف “تتظاهر مجددا ولن تكف عن ذلك حتى يتم ايقاف هذا القرار الجائر الذي اتخذ دون تقديم تفسيرات وأسباب منطقية”، لافتة إلى أن “إعادة المواطنين قسرا ستحطم الحياة التي بنوها بصعوبة بعد الحرمان والعنف، علما أن من يسكن الخيام لا يملك أي حلول تذكر وهو رهينة الأمزجة السياسية والتوافقات المؤسفة”.

أما مروان ليث (نازح من أهالي صلاح الدين) يسكن حاليا في دهوك، فيقول أنه لن يفرط باستقرار عائلته وأطفاله بعد أحداث دامية خرجوا منها باعجوبة.

ويؤكد ليث، أن الممثليات والمدارس مفتوحة منذ قرابة 9 سنوات وعندما تحاول وزارة الهجرة أو وزارة التربية اغلاقها فعليهما التفكير بأحوال النازحين ومصيرهم عند ارجاعهم رغما عنهم الى مناطقهم المنكوبة، والأخذ بنظر الاعتبار أوضاعهم داخل الخيام وخارجها ومحاولة توفير الحلول لهم، لا التعامل معهم بهذه الطريقة”.

ويعتقد المتحدث، أن هذا القرار يمثل انتهاكا فظّا لحقهم الدستوري بالعيش واختيار السكن والتنقل بحرية داخل البلاد، وزجهم مجددا بدوامة مربكة طمعا في مكاسب سياسية او منجزات وهمية، نظرا لاقتراب الانتخابات النيابية، مبينا أن الكثير من مناطقهم غير مؤهلة بسبب الدمار وسطوة المليشيات والتناحرات السياسية، أو صعوبة كسب الرزق وظروف العيش الآمن.

ويشدد على أن العودة تتطلب إيجاد بيئة مناسبة للجوانب الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، وفي مقدمتها أيضا البنى التحتية، وهذه الأخرى لم تنضج بعد.

تناقض في التصريحات

وتتضارب الأرقام الحكومية بشأن أعداد النازحين مع تلك التي تقدمها المنظمات الانسانية والدولية.

وتقول وزارة الهجرة، إن المتبقي من النازحين هو 32 ألف عائلة موزعة على أربعة وعشرين مخيما، وبواقع 154 ألف نازح تقريبا في دهوك وأربيل والسليمانية، بينما تطرح أضعاف هذه الأرقام ولا تنحسر عند الذين يسكنون الخيام فقط، فهنالك نزوح داخلي له أبعاده ومشاكله الاجتماعية والسياسية أيضا.

ومن اللافت للنظر، أن وزارة الهجرة والمهجرين، وعلى لسان وكيلها كريم النوري، أعلنت مطلع العام الحالي أنها ستغلق ملف النازحين وستعيدهم الى مناطقهم بحلول حزيران المقبل، ليعقبه تصريح جديد من وزارة التربية بالاستعداد لاغلاق مدارسها وممثليتها في الاقليم مع بداية تموز القادم، وهو ما يراه مواطنون نيّة مسبقة لفرض الأمر كواقع حال يُجبر عليه النازحون.

ويعتقد أحد التدريسيين في مدارس النازحين داخل الإقليم، أن قرار التربية سياسي ولا علاقة له بالأوضاع الأمنية داخل المناطق المحررة، وهو لا ينفصل عن محاولة انهاء ظاهرة النزوح بشكل قسري لما للملف من اعتبارات معنوية وسياسية قبل اجراء الانتخابات النيابية، لكنه سيتحول الى عقاب جماعي بحق الآلاف.

ويتحدث التدريسي الذي رفض الكشف عن اسمه خوفا من العقوبات، أن ذوي الطلبة غاضبون وسيجدون انفسهم مع تطبيق هذا القرار مجبرين على حرمان اولادهم من المدارس مقابل العيش باستقرار، منوها بعدم وجود حاجة للحكومة في اتخاذ هذا القرار، معتبرا حديث التربية عن وجود اعداد فائضة من الكوادر في الممثليات ليس بالحجة البينة، ويمكن تدقيق ذلك واعادة توزيع الكوادر بشكل عادل ومنصف وبما يمليه الضمير الانساني والنظر في مصلحة النازحين والمقيمين العرب قبل كل شيء.

خيارات صعبة

وترى وعود شكري (أم لطالبة في المرحلة المتوسطة في محافظة السليمانية) انها ستكون مع هذا القرار مجبرة على خيارين: إما ترك ابنتها الدراسة والعودة الى بيجي، أو الالتحاق بالمدارس غير العربية، وهذا مستحيل.

وتقول شكري أنها غير مستعدة للعودة الى سكنها الاصلي لأن البنى التحتية ما زالت متهالكة هناك، الى جانب المشاكل الاجتماعية التي لم تحل.

وتضيف شكري، أنها لن تسمح بهدم استقرار عائلتها داخل السليمانية بسبب قرار حكومي “غير مدروس”، مشددة على احتفاظها بحقها بالسكن والتنقل بالحرية.

وعلى الرغم من عمليات التحرير، لكن هناك مناطق كاملة ما زال أهلها غير قادرين على العودة لأسباب أمنية وعشائرية مثل جرف الصخر، سليمان بيك، يثرب، عزيز بلد، بيجي، السعدية وأطراف جلولاء وغيرها.

موقف غير مدروس

وتعليقا على ذلك، يقول سكرتير اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق، أيوب محسن، إن قرار الوزارة “غير مدروس”، وجاء في وقت معقد، حيث أن النازحين يأملون العودة، لكن ظروف تحقيق ذلك غير متوفرة.

ويضيف محسن، أن ملف اعادة النازحين لا يتعلق بوزارة التربية وحدها، بل بأطراف عديدة، منها وزارات الهجرة والداخلية والدفاع ومجلس الوزراء والعديد من المؤسسات والجهات الرسمية، فضلا عن ضرورة ايجاد رؤية وطنية حقيقية لانصاف هؤلاء المتضررين وانتشالهم من واقعهم المأساوي.

ويشدد سكرتير الاتحاد على أن القانون يكفل حرية التنقل والسكن والتعلم، ولا يمكن حرمان آلاف الطلبة من ذلك بهذه الطريقة، علما أن هناك مشكلة أخرى مع اغلاق هذه المدارس، تتعلق بمصير العرب الساكنين في مناطق الإقليم من غير النازحين.

ودعا محسن إلى التريث بهذا القرار والعمل على ايجاد مساحة مريحة تتوفر فيها كل متطلبات العودة، فالأهالي يتمنون العودة الى بيوتهم لو كان هذا ممكنا، لكن ليس على حساب أمنهم واستقرارهم.

هل انتهى ملف إعادة الإعمار؟

ويعتبر ملف إعادة الإعمار في العراق من أبرز الملفات العالقة منذ سنوات بسبب التناحرات السياسية، كما وجهت اتهامات لأطراف متنفذة لقيامها بسرقة الاعانات والمساعدات التي كان من المفترض أن تكون من نصيب النازحين.

تقول وزارة الصحة أن الحرب دمّرت عشرات المستشفيات في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين، أما ما يتعلق بأعداد المنازل فتشير التقديرات الى أن الحرب تسبّبت في تدمير ما يقرب من 250 ألف منزل، بما يعادل 7.5 مليارات دولار، في حين أشارت تقارير حكومية إلى أن أعداد المنازل المدمرة لم تتجاوز 150 ألفا.

وبحسب وزارة التخطيط، فإن عدد الوحدات الاقتصادية الحكومية المتضررة من الحرب يقدر بـ 8457 وحدة، لتشمل مختلف القطاعات الاقتصادية الحكومية في قطاعات النفط والكهرباء والتعليم والصحة والنقل والمستشفيات وغيرها.

ويدعو مراقبون الجهات الحكومية إلى إنجاز عمليات إعادة الإعمار وإزالة آثار الحرب وتعويض المتضررين قبل اعادة النازحين بهذه الطريقة او الحديث عن انهاء هذا الملف.

عرض مقالات: