اخر الاخبار

داخل غرف ضيقة متهالكة، تتكدس أعداد كبيرة من التلاميذ في مدرسة ابتدائية وحيدة في “قرية العيثة” غربي ديالى، ما يُعبر عن حالها البائس المتردي وحمّاماتها المشيدة من دون أسقف، والإهمال الذي يلم بقطاع التعليم في بلد عانى طويلا ويلات الحروب والإرهاب والفقر ومختلف الأزمات.

وتطرح هذه المدرسة نموذجا لمدارس كثيرة منتشرة في البلاد، تعاني تهالك بناها التحتية وحرمانها من أبسط الخدمات، واكتظاظها بالتلاميذ وفق دوامات مزدوجة وثلاثية، فضلا عن نقص كوادرها التدريسية واثاثها.

وتنقل وكالات أنباء عن مدير مدرسة “قرية العيثة”، عدي عبد الله، قوله انه “عندما تهطل الأمطار نعطل الدوام. إذ تتساقط المياه على التلاميذ عبر السقوف، وهي عبارة عن جذوع نخيل مغطاة بالقش وقطع النايلون. لذا نخشى أن تنهار السقوف على الصغار”.

وحصل خلال السنوات الأخيرة ان تساقطت أجزاء من سقوف مباني مدرسية متهالكة، بعضها أسفر عن إصابات بين التلاميذ والكوادر التعليمية. وهذا يأتي بفعل إهمال تلك المباني وعدم إدامتها، أو إعادة بنائها.

 بنية تحتية متهالكة

وعلى الرغم  من ثرواته النفطية الهائلة، يعاني العراق تهالك بناه التحتية جراء الحروب والنزاعات والإهمال والفساد المستشري في مؤسساته، ما ينسحب أيضاً على نظامه التعليمي الذي كان في الماضي الأفضل في المنطقة - وفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف).

وتفتقر صفوف مدرسة “قرية العيثة” ومعظم مدارس البلاد، إلى التدفئة خلال فصل الشتاء. وهناك صفوف نوافذها بلا زجاج، ما يجبر المعلمين على إغلاقها بألواح خشبية أو قطع كرتون لمنع تسرب الهواء البارد ومياه الأمطار!

أما الخدمات، فهي ضعيفة غالبا. وفي المدرسة المذكورة، لا يوجد سوى حمّامين بلا سقوف، ومغسلة واحدة يستخدمها 200 تلميذ – حسب مدير المدرسة.

ولا يختلف هذا الحال كثيراً عما في بقية أنحاء البلاد. حيث تعمل المدارس في دوامات عدة لاستيعاب أكبر عدد ممكن من التلاميذ. كما تنتشر المدارس الطينية والكرفانية. لذلك ترى السلطات ان العراق بحاجة إلى 8 آلاف مدرسة.

مدرسة وسط أرض زراعية

في “ناحية بني سعد” بمحافظة ديالى، أغلقت السلطات عام 2011 “مدرسة التفوّق” لبناء أخرى حديثة، لكن المشروع لم ينفذ حتى الآن، ما دفع أولياء أمور التلاميذ بالتعاون مع إدارة المدرسة إلى استئجار مبنى صغير وسط أرض زراعية وتحويله إلى مدرسة، ومنذ ذلك الحين يدفع الأهالي إيجاراً سنوياً لصاحب المزرعة!

في حديث صحفي، يقول معلم الرياضيات أحمد لطيف ان “المكان يغطيه الغبار، وعندما تسقط الأمطار تمتلئ الأرض بالأوحال. أما في الصيف فهناك عقارب وأفاع”، مضيفا ان “مدرستنا تقع في بستان. وهي لا تصلح حتى لتربية الدجاج”!

ويتكدس تلاميذ المدرسة الابتدائية في ست غرف، ثلاث منها تولى كلفة بنائها المعلمون وعائلات التلاميذ بدعم من أهالي القرية. أما جرس المدرسة فهو حديدة صدئة مثبتة بأسلاك على نخلة!

ويلفت لطيف إلى ان “تلاميذ المدارس لديهم حصة في نفط البلاد” - في إشارة إلى عائدات الدولة الكبيرة من الموارد النفطية – مستدركا “لكن التلميذ لا يحصل على حقوقه، وحتى والديه، لم يحصلا على حقوقهما من قبل”!

 إخفاق حكومي

وفقا لتقرير صادر عن “يونيسف”، فإن “أعواما من الصراع أعجزت قدرة الحكومة العراقية على تقديم خدمات تعليمية جيدة للجميع. فقد أدى العنف والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والنزوح الجماعي للأطفال والأسر إلى تعطيل تقديم الخدمات التعليمية، وباتت واحدة من بين كل مدرستين بحاجة إلى إعادة تأهيل، وتراجع عدد الأساتذة المؤهلين. فيما أخفقت الحكومات المتعاقبة في تخصيص موازنة تكفي للنهوض بقطاع التعليم”. وفي تقرير صدر عام 2021 حذر البنك الدولي من أن “أوجه القصور الكبيرة في قطاع التربية على جميع المستويات أدت إلى ارتفاع البطالة بين الشباب، والتباين الكبير بين المهارات ومتطلبات سوق العمل وانخفاض المشاركة في قوة العمل”، معتبراً أنها جميعاً عوامل “تعرقل النمو الاقتصادي في العراق”.

ورغم ترحيب البنك الدولي بالإستراتيجية الوطنية الهادفة إلى زيادة مخصصات التعليم في الموازنة العامة من 10 إلى 16 في المائة بحلول عام 2031، واعتباره إياها بأنها “خطوة أساس”، إلا أنه شدد على أن القطاع التعليمي بحاجة إلى مزيد من الاستثمارات لتلبية حاجات البلاد الكبيرة من الموارد البشرية.

 هل فعلا ان الأولوية للنظام التعليمي؟!

يقول المتحدث باسم وزارة التربية كريم السيد، ان هناك “أكثر من 12 مليون طالب في عموم المحافظات”.

ويوضح في حديث صحفي أنه “لا تتوافر في كثير من المدارس مستلزمات البيئة السليمة من ساحات وصحيات ومختبرات ومسارح”. لكنه يؤكد أن “النظام التعليمي بات أولوية للحكومة”، مشيراً إلى مشروع لبناء ألف مدرسة بالشراكة مع شركات صينية بحلول عام 2025. لكن الأوضاع على حالها في كثير من مدارس البلاد، فضلا عن مدارس ناحية بني سعد – وفق ما تنقله وكالات أنباء عن سائق شاحنة من أبناء الناحية. إذ يقول: “ناشدنا وناشدنا، فجاءت لجان وعادت لجان ولم نستفد منها أي شيء”!

 التعليم الخاص

في ظل الإهمال الذي يعانيه القطاع التعليمي الرسمي، يزداد الاقبال بشكل كبير على المدارس الخاصة التي باتت تنتشر في أنحاء البلاد، وإن كانت كلفتها تفوق أحياناً قدرة الأهالي المادية. ولم يجد وسام (44 سنة)، وهو موظف حكومي، خياراً سوى نقل ابنته إلى مدرسة خاصة في بغداد، لتوفير أفضل تعليم لها. ورغم راتبه المحدود، بات يدفع سنوياً مليون دينار للمدرسة.

يقول في حديث صحفي ان “المدرسة الخاصة نظيفة وصفوفها مجهزة بتبريد ووسائل راحة، كما أن مستوى التدريس فيها جيد”، متسائلا: “ماذا أفعل؟ هل أترك ابنتي في مدرستها الحكومية؟ كان في صفها أكثر من 40 تلميذاً”!