اخر الاخبار

صار من المستحيل على من يمر قرب ضفاف نهر ديالى وسط مدينة بعقوبة استنشاق النسيم العليل نفسه الذي كان يستنشقه قبل سنوات. فالروائح الكريهة العطنة باتت تتصاعد مع الهواء وتخيّم على أجواء المكان، والحشرات المؤذية تتطاير أسرابا في محيط النهر وتغزو المناطق القريبة منه.. هذا ما حصل بعد أن طاولت الأزمة المائية الأخيرة سر حياة بساتين “أم البرتقال”، والذي سبق ان حوّلته الحكومة والأهالي إلى مصب لمياه الصرف الصحي ومكب للنفايات!

ولم يتوقف هذا التلوّث الشديد عند نهر ديالى، إنما امتد إلى الأنهر المتفرعة منه، وفي مقدمتها نهر خريسان، الذي يعد شريان الحياة في مدينة بعقوبة ويؤمّن المياه لأكثر من ربع مليون نسمة من سكانها.

أما أكتاف النهر وضفافه، فهي الأخرى لم تسلم من التلوّث. إذ تحوّلت إلى مكبات للنفايات، ما زاد الطين بلة!

وينبع نهر ديالى عند جبال زاكروس، من نهرين فرعيين أحدهما في الجانب الإيراني والآخر في الجانب العراقي. ويمر النهر بمحافظتي السليمانية وديالى، ويصب في نهر دجلة جنوبي بغداد. 

تلوّث طبيعي وآخر بشري

تنقسم أسباب تلوث نهر ديالى إلى طبيعية وبشرية. فالأولى مرتبطة بالتغيرات المناخية خلال السنوات الأخيرة. أما الأسباب البشرية فتتمثل في قلة الإطلاقات المائية، وقيام دوائر حكومية ومؤسسات أهلية ومواطنين برمي مياه الصرف الصحي والنفايات في النهر. فهناك نحو 15 أنبوبا مثبتة على ضفاف نهري ديالى وخريسان في مناطق مختلفة، تصب مياه صرف صحي قادمة من مؤسسات ومطاعم وأحياء سكنية – حسب ما تنقله وكالة أنباء “شفق نيوز” عن مصدر حكومي محلي.

ووفقا لمديرية بيئة ديالى، فإن مياه نهر ديالى رديئة ونسبة التلوّث فيها تفوق الـ60 في المائة.

وكان قائم مقام بعقوبة عبدالله الحيالي، قد أفاد في حديث صحفي إبان آب العام الماضي، بأن نهر ديالى يواجه تحديات كبيرة ابرزها قلة الاطلاقات المائية من سدة الصدور شمالي قضاء المقدادية، مؤكدا أن “من 70 إلى80 في المائة من مياه النهر الحالية تأتي من المبازل وتصريفات المجاري. وهذا امر كارثي له سلبياته الخطيرة”.

ولفت إلى ان “التلوّث وصل في النهر إلى الذروة”.

مياهه تشبه مياه المبازل!

الباحث في الشأن البيئي يوسف سعدي، يقول في حديث صحفي ان “مياه نهر ديالى اقتربت نوعيتها من نوعية مياه المبازل جراء الجفاف وقلة الإطلاقات المائية، فضلاً عن رمي مخلفات الصرف الصحي والنفايات في النهر”.

ويضيف قائلا أن “مؤشر جودة المياه في العراق تنازلي ويبدأ بالانخفاض كلما اتجهنا من الشمال إلى الجنوب”، لافتا إلى ان “قلة الإطلاقات المائية تساهم بشكل كبير في زيادة معدلات التلوث. في حين ان للإطلاقات المائية القوية دورا كبيرا في تنظيف الأنهار”.

ويرى سعدي أن “معالجة تلوث المياه في نهري ديالى وخريسان وغيرهما، تتطلب إجراءات حكومية تتمثل في رفع التجاوزات ومنع رمي النفايات والمخلفات في الأنهار، ومراقبة نوعية المياه وفقا لنظام صيانة الأنهر العمومية في العراق”.

أمراض معوية

من جانبه، يقول المتحدث باسم دائرة صحة ديالى فارس العزاوي، أن “تلوث مياه الأنهر بات يخلف أضراراً جانبية، ويتسبب في إصابة المئات من السكان بالأمراض، لا سيما المعوية والباطنية”، مبينا في حديث صحفي أن “مستشفيات بعقوبة تستقبل حالات مرضية مختلفة ناتجة عن تلوث المياه. لذلك يتطلب من الجهات المعنية إيجاد الحلول اللازمة للحد من معدلات هذا التلوث”.

نفقات تثقل الكواهل

الناشط في قضايا البيئة والمناخ مصطفى جبار، يلفت في حديث صحفي إلى ان “تلوث المياه في ديالى منع السكان من شربها بشكل نهائي. إذ اقتصر استخدامهم لها على أغراض الغسيل فقط، وفي بعض الأحيان لا تصلح تلك المياه للغسيل حتى، نتيجة رائحتها الكريهة وعكورتها”.

ويشير إلى أن “المواطنين باتوا يتحملون نفقات إضافية تثقل كواهلهم. إذ يضطرون إلى شراء مياه الشرب المفلترة للحفاظ على سلامتهم من الأمراض الباطنية وأمراض الكلى. وهذه النفقات تضاف إلى رسوم الكهرباء واشتراك المولدات الأهلية، وغيرها”.

ويؤكد أن “العائلة متوسطة الدخل والتي يبلغ عدد أفرادها 4 أشخاص، صارت تخصص قرابة 25 إلى 50 ألف دينار شهرياً لشراء الماء من معامل ومحطات التنقية”.

توقف محطة مجاري بعقوبة

إلى ذلك، يقول قائم مقام بعقوبة عبد الله الحيالي، أن “نسب التلوث ترتفع يوماً بعد آخر في أنهر محافظة ديالى”، مشيرا في حديث صحفي إلى ان “هناك مطاعم تقوم بالتجاوز على نهر خريسان عبر تصريف مخلفاتها فيه، ناهيك عن مياه الصرف الصحي والنفايات التي ترمى في هذا النهر وبقية الأنهار”.

ويلفت إلى أن “بقاء ارتفاع معدلات التلوث في نهر ديالى، سببه عدم تشغيل محطة معالجة المجاري في شرق بعقوبة. لذلك يتم رمي مخلفات الصرف الصحي في النهر دون معالجة”، موضحا أن “دائرته بحثت مع مديرية المجاري أسباب عدم تشغيل المحطة، فتبيّن ان ذلك يعود لعدم وصول ماء كافٍ لتشغيلها”.

ويدعو الحيالي إلى “ضرورة رفع التجاوزات عن نهر خريسان، مع وضع خطة لمنع رمي النفايات فيه، ومحاسبة المخالفين. وذلك بهدف تحسين نوعية مياهه والحد من معدلات تلوثها، التي باتت تشكل خطورة كبيرة على صحة السكان”.

وتعتمد مدينة بعقوبة على نهر خريسان كمصدر رئيس لتغذية محطات الإسالة. فيما تتزود بقية المناطق بالمياه عبر نهر ديالى وعدد من الجداول الإروائية، كالخالص والروز.