اخر الاخبار

هناك تناسب طردي بين التلوث وأمراض السرطان؛ ففي ظل  تفشي ملوثات مختلفة في البيئة العراقية، فإن إحصائيات الـ Cancer تتصاعد بصمت، فبالرغم من أن حالات الشفاء ترتفع بشكل لا بأس به في العالم الغربي، لكن أساليب المعالجة في العراق، لا تتجاوز ضوابط لعبة القمار: على الأغلب يكون هو المنتصر.

والسرطان، مصطلح طبّي يشمل مجموعة واسعة من الأمراض التي تتميز بنموّ غير طبيعي للخلايا التي لديها القدرة على اختراق الأنسجة وتدميرها في جميع أنحاء الجسم.

وطبقا لرأي الأطباء، فإن هناك عوامل عديدة تزيد من احتمالية الإصابة بالمرض، وتشمل: التدخين، شرب الكحول، البيئة المعيشية، المواد الكيماوية.

ويضاف الى ذلك، مخلفات المصانع والمستشفيات التي تلوث المياه ومخلفات الشركات النفطية: ففي البصرة وحدها تصل الإصابات الى 24 ألف مصاب، يتوفّون لشدة المواد الكيماوية في المحافظة.

قبل العام 1990 لم يكن المرض منتشرا بشكل ملحوظ في العراق، لكن مع اجتياح النظام الديكتاتوري الكويت في شهر آب من العام ذاته، بدأت تبرز إحصائيات متنامية، وقد بلغت نسبا مخيفة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003، بسبب تفاقم مشاكل التلوث البيئي لا سيما في المحافظات الجنوبية.

ومع تدهور القطاع الصحي بالبلاد، يعاني مرضى السرطان نقص المختبرات وشح الادوية، وارتفاع أسعار العلاج، التي لا تناسب ذوي الدخول المحدودة، الذين يواجهون الموت بسبب ذلك.

إحصائية رسمية 

وفي تصريح للمتحدث باسم وزارة الصحة، سيف البدر، قال إن “المعدل السنوي للإصابة بمرض السرطان في العراق يبلغ 2500 حالة إصابة، بينها 20 في المائة إصابات بسرطان الثدي، وقد حصدت البصرة أعلى نسب الإصابة بالسرطان بين عامَي 2015 و2017، لكنه ارتفع بنسبة تصل إلى 200 في المائة تقريباً خلال 2018”.

أين إجراءات السلامة؟ 

ويؤكد الدكتور زيد شبيب ـ يعمل في مستشفى الفرات الأوسط التخصصي للأورام في محافظة النجف ـ لـ”طريق الشعب”، ان “هناك  تحديات كبيرة تواجه مريض السرطان، تتمثل بنقص الادوية ونوعيتها، وقلة الكوادر المتخصصة بهذا الجانب”، لافتا الى انه من الضروري ان تكون هناك كوادر متدربة من اجل الحفاظ على سلامة المريض وامن الكوادر أنفسهم، حيث ان اغلب المراكز تفتقر لإجراءات السلامة التي تحمي الأطباء، الذين يتعاملون مع مواد كيماوية خطرة تصيب الفرد بالسرطان، اذا ما لامست الجسم او تشبع الجسم بها.

ويشير شبيب الى أسباب عديدة تقف وراء المرض منها جينية ووراثية، لكنه يعتقد ان تفشيه في العراق يعود لـ”أسباب بيئية صحية تبدأ من استيراد المواد الغذائية والأدوية منتهية الصلاحية، إضافة الى تلوث المياه، وآلية تخلص المعامل والمستشفيات من نفاياتها”.

واجبات الدولة 

الصيدلانية ريم الزبيدي، مصابة بمرض سرطان الدم النخاعي المزمن، تقول ان “من أهم مفاصل الرعاية الطبية هي مساعدة مريض السرطان على الحفاظ على رطوبة الجسم والانسجة العضلية، ومكافحة الجفاف وتقوية المناعة ومكافحة بعض الاعراض الجانبية التي قد يواجهها المريض أثناء العلاج الكيماوي مثل التعب والضعف العام”، مردفة “هذه المفاصل لن تجدها في المستشفيات”.

وتضيف الزبيدي لـ”طريق الشعب”، أن من اهم احتياجات مريض السرطان، بسبب ما يتعرض له من ألم بالعلاج، هو وجود خدمات رعاية طبية ليس فقط في المستشفيات بل وحتى في المنزل اسوة ببقية الدول المتقدمة.

رعاية نفسية

وتلفت الزبيدي الى ان “اكثر احتياجات مرضى السرطان هو حضور جلسات او حلقات للرعاية النفسية، تتضمن تبادل التجارب ولحظات الفشل والانتصار والانتكاسات. هذه الجلسات مهمة ليس فقط للمريض، بل حتى لذويه، إذ نجد في خارج العراق، يُطلب من ذوي المريض الحضور لغرض الاطلاع والتوعية في كيفية التعامل مع مرضاهم، وواجب على الدولة والجهات المعنية وحتى القطاع الخاص توفير هذه الخدمات للمرضى بشكل مجاني”.

وتشكو الزبيدي عدم توفر أجهزة البت سكان (Pet scan) بشكل يتناسب مع اعداد مرضى السرطان، والذي يوفر فحوصا اساسية وضرورية لمرضى السرطان.

وتشير ايضا الى ان “هناك نتائج خاطئة وتشخيصا غير صحيح، وهذا ما يدفع المرضى الى السفر لبيروت او تركيا او الهند، للحصول على فحوصات طبية دقيقة”.

وتنبه الزبيدي الى ان “هناك مرضى لا يمتلكون المال الكافي لغرض الفحص والعلاج والرعاية، وبالتالي تنتهي هذه الحالات بالموت المريض”.

5 أشهر للتشخيص!

تقول الشابة نور حسين، وهي ابنة أحد مرضى السرطان، الذين فقدوا حياتهم، بسبب تخلف القطاع الصحي بالبلد.

وتضيف حسين في حديث لـ”طريق الشعب”، ان “الكوادر الطبية تتأخر في عملية التشخيص، لاكثر من خمسة أشهر، فقط لاكتشاف في ما إذا كان الورم خبيثا او حميدا. وفي هذه المدة ربما تتفاقم حالة المريض ويصل مرحلة سيئة”.

وتشير الى ان مدينة الطب تتوافر على جهاز واحد فقط للفحص، بينما هناك مئات المرضى ينتظرون دورهم للتشخيص، الامر الذي يجعلنا نضطر الى الذهاب للمركز الألماني، وهو المركز الوحيد بالعراق، ولا يوجد غيره. يراجعونه حتى مرضى المحافظات”.

وتفيد بأن “التحليل في المركز الالماني يكلف 750 ألف دينار”.وكان والد نور قد أصيب بنزف دموي، واستلزمت حالته إجراء عملية تشخيصية لأخذ عينة من الورم، لكنه عند الحجز في القطاع الحكومي بمدينة الطب، أخبروه بأن عليه الانتظار ثلاثة أشهر، بينما كانت حالته الصحية سيئة جدا، ولم تنفع مناشدات عائلته في أن تجد حلا مريحا لمعيلها.

اضطر والد نور لإجراء عملية جراحية في مستشفى التمريض الخاص، كلفته 2 مليون دينار، الى 250 الف دينار، كلفة زراعة الورم، وبقيت العينة في مختبر المستشفى لأكثر من شهر، ولم تظهر نتيجته “بسبب أن العينة التي اخذها الطبيب كانت صغيرة”، تقول نور.

وتضيف، انهم اضطروا مجددا الى “اجراء تحليل ثان في مختبر اهلي”. وما بين التشخيص والمعالجات اليائسة كانت النتيجة واحدة: الموت.

تتمنى نور الشفاء لجميع مرضى السرطان، وتأمل أن تهتم الحكومة بمعالجتهم بشكل مجاني، وأن تقوم بفتح عدد من المختبرات في جميع المحافظات.

عرض مقالات: