اخر الاخبار

يعد ملف عمالة الأطفال من الملفات المنسية الى جانب ملفات أخرى؛ فقد نسي المتحكمون بمقدّرات البلد وقراره السياسي، نتيجة لنهجهم الخاطئ في إدارة البلد، ظاهرة عمالة الأطفال، فكانت النتيجة: أطفالا بأعمار صغيرة يكدحون في سوق العمل، أو يجولون بالتقاطعات طلبا للمعونة، في سبيل توفير لقمة عيش عوائلهم، بينما اقرانهم يمرحون وينعمون بطفولة هانئة وسعيدة.

وتتضارب الأرقام والإحصائيات لكنها تشترك في حقيقة واحدة كونها مفزعة، مثيرة للاسى، وقد سبق أن قدّرت منظمة اليونسيف التابعة للأمم المتحدة، حجم عمالة الأطفال في العراق بنحو المليون طفل، في حين أكدت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عدم وجود إحصائيات تقيس حجم الظاهرة بدقة.

ويكشف عدم امتلاك الوزارة إحصائيات دقيقة تعكس حجم الظاهرة، ومدى عدم اهتمام المنظومة السياسية بالطفل العراقي، والحرص على كفالة حقوقه.

واليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال، هو يوم دشنته منظمة العمل الدولية لتركيز الاهتمام على مدى انتشار ظاهرة عمل الأطفال في العالم، وتعزيز الجهود للقضاء عليها، وتُقام هذه الاحتفالية في يوم 12 حزيران من كل عام منذ 2002. وأنشأت منظمة العمل الدولية هذه الاحتفالية في عام 2002 وتُقام سنويًا منذ ذلك الحين؛ وجاءت هذه الاحتفالية بتحفيز من التصديقات على اتفاقية 138 لمنظمة العمل الدولية بشأن الحد الأدنى لسن التشغيل واتفاقية 182 لمنظمة العمل الدولية بشأن أشكال عمل الأطفال.

شعار هذا العام

“الحماية الاجتماعية الشاملة لإنهاء عمل الأطفال” بهذه الكلمات، تم إطلاق شعار اليوم العالمي ضد الأطفال لعام 2022، بهدف الحد من عمل الأطفال ومكافحته في جميع أنحاء العالم مرة واحدة وإلى الأبد.

ودعت منظمة العمل إلى زيادة الاستثمار في أنظمة الحماية والخطط لبناء أسس قوية، للحماية الاجتماعية وحماية الأطفال من العمالة.

ووصل عدد الأطفال العاملين إلى حوالي 168 مليون طفل في جميع أنحاء العالم.

بينما اهداف هذا اليوم هي: القضاء التام على ظاهرة عمالة الأطفال، وإلغاء جميع الممارسات الشبيهة بالرق مثل بيع الأطفال والاتجار بهم، كذلك وضع حد لعمل الأطفال القسري الذي يندرج تحت عنوان القنانة، ومنع الأطفال من العمل لأسباب غير أخلاقية، إضافة الى منعهم من الانخراط في أنشطة غير قانونية مثل بيع المخدرات، او القيام بأي عمل يضر بصحة الطفل وسلامته وأخلاقه.

مخالفات واضحة وصريحة

وقال عضو المفوضية العليا لحقوق الانسان فاضل الغراوي: ان “عمالة الأطفال من أخطر الظواهر التي يمر بها الطفل العراقي، وبشكل احصائي ولفترة السنوات الثلاثة لغاية هذه السنة أشرت الكثير من الظواهر الخطرة لعمالة الأطفال واستخدامهم في الاعمال الشاقة.

وأشار الغراوي في حديث خصّ به “طريق الشعب”، الى ان “الاعمار التي تم تأشيرها للأطفال في سوق العمل صغيرة، ويخالف هذا الامر بشكل واضح وصريح اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، وأيضا قانون العمل الذي حظر عمالة الأطفال ومنعها، الا ان ذلك لم يمنع الكثير من اصحاب المهن والحرف والمعامل والمصانع من تشغيل يد عاملة دون اعمار خط العمل”.

وبين الغراوي ان هناك انتهاكات خطيرة “يتعرض لها الأطفال في سوق العمل، سواء بما يتعلق بزيادة ساعات العمل، او نوعية العمل الذي يقومون به والانتهاكات التي تتعلق باستخدام العنف والتنمر، وتسربهم من المدارس ودخولهم الى سوق العمل وسد احتياجات عوائلهم الاقتصادية وهذا يعد انتهاكا للحقوق الخاصة بالأطفال”.

السياسات الحكومية

وقال سكرتير اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق ايوب عبد الحسين، ان نسب التسرب من المدارس مرتفعة جدا، نتيجة لتفشي ظاهرة عمالة الاطفال بشكل كبير.

وعزا السبب في حديثه لـ “طريق الشعب”، الى “تردي الوضع السياسي والامني، وبالدرجة الاساس تدهور الوضع الاقتصادي للعوائل، ما دفع الاطفال ممن هم في سن الدراسة الى هجرة مدارسهم، ودخول سوق العمل، لإعانة عوائلهم على تجاوز الظروف المعيشية التي تفاقمت وتتفاقم يوما بعد اخر”.

وقال سكرتير الاتحاد ان “نسبة الملتحقين بالمدارس الابتدائية بلغت 94 في المائة حسب الاحصائيات الصادرة عن وزارة التخطيط، بمعنى ان هناك 6 في المائة هم بالأساس غير ملتحقين بالمدرسة، وموجودون في سوق العمل. ويضاف الى هذا الرقم ما يزيد على 131 ألف طفل متسرب من المدارس الابتدائية، وايضا اشارت ذات الوزارة الى ان اقل من نصف مليون طفل تركوا المقاعد الدراسية وهم في سن العمالة. ونحن نعتقد ان هذا الرقم غير دقيق وانه يصل الى مليون طفل”.

نعيش بكرامة ونضحي!

ويقول الطفل حسن سجاد البالغ من العمر (11) عاما لـ “طريق الشعب”، انه اضطر الى ترك مقاعد الدراسة، والعمل في التقاطعات، وبإشغال متعددة: “ففي بعض الأوقات ابيع المناديل، والان مع ارتفاع درجات الحرارة ابيع الماء البارد”، مشيرا الى انه مجبر على العمل “هذا هو التزامي تجاه والدتي واخوتي، فهم يتطلعون اليّ ولا معيل لنا سواي. نعم، هناك صعوبات ومشقة لكن يجب ان نعيش بكرامة ونضحي”.

غياب البنى والامكانيات

الى ذلك، قالت مسؤول الهيئة الإدارية لمنظمة النجدة الشعبية، هناء حمود انه “في السنوات الأخيرة، استفحلت ظاهرة عمالة الاطفال. نجد في مناطق محددة في العديد من المحافظات بجانب المدرسة، العربات والستوتات الخاصة بالأطفال او الأولاد الذين يعملون بها بعد المدرسة”، مضيفة ان “هناك اطفالا يتركون الدراسة اصلا حتى يتوجهوا الى العمل”.

وعن القوانين العراقية بهذا الصدد، بيّنت حمود لـ “طريق الشعب”، انه “لدينا قانون رعاية الأحداث. على سبيل المثال هذا القانون يحاسب الأطفال الذين يعملون بالمهن التي تمسّ كرامة الانسان مثل البيع عند اشارات المرور وصبغ الأحذية، لكنه غير مفعل بشكل صحيح”.

وحمّلت الناشطة المدنية المشرّع العراقي “المسؤولية مناصفة مع المنفذ، لان غالبية ما مررنا به هو بسبب قرارات سياسية خاطئة، تقع على عاتق المنفذ والمشرع؛ فالمنفذ لم ينفذ القانون ويحمي الأطفال، في حين المشرع لم يشرع قوانين تحمي هذه الشريحة، ولا قوانين تمكن الاسر من ان تعيش بكرامة دون الحاجة الى عمل اطفالها”.

مسؤولية مشتركة

على صعيد ذي صلة، قالت رئيس منظمة شمس بغداد الثقافية بلقيس الزاملي: ان “الكثير من الاطفال الذين يدخلون سوق العمل هم من الايتام، الذين تضرروا بسبب العمليات الارهابية والحروب والتهجير وفقدوا آباءهم؛ فمن الطبيعي ان تنتشر هذه الظاهرة لأنها لم تجد متابعة ووقفة جدية من قبل الحكومات، فنجد الطفل يعمل في اماكن يكون العمل فيها شاقا ولا يناسب عمره، ولا يستطيع هو تحملها، لكنه تصدى لمسؤولية والده، فأصبح مضطرا للعمل لإعانة اسرته”.

وذكرت الزاملي في حديثها لـ “طريق الشعب”، “قدمنا دراسات كمنظمات مجتمع مدني الى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ووجدنا فيها حلولا، لكن ما زالت عمالة الاطفال مستمرة وقائمة، بشكل ينافي ما نصت عليه الاتفاقيات الدولية لحقوق الطفل التي وقع عليها العراق”.

عرض مقالات: