اخر الاخبار

تشهد المدن العراقية الرئيسة، لا سيما بغداد، تصاعدا مخيفا في أعداد المتسولين. إذ ينتشر هؤلاء، أطفالا وكبارا ومن كلا الجنسين، في التقاطعات الرئيسة والفرعية

والأسواق، وحتى في الأحياء السكنية.

وكانت هذه الظاهرة قد برزت بشكل واضح خلال سنوات ما بعد 2003، وازداد بروزها بعد 2014 تزامنا مع ارتفاع أعداد الأيتام والأرامل والمشردين ابان فترة إرهاب داعش، ولاحقا بفعل تزايد جيوش العاطلين عن العمل، في وقت بلغت فيه نسبة الفقر في البلاد 25 في المائة من عدد السكان – حسب آخر إحصائية لوزارة التخطيط، وربما أكثر من ذلك حسب الكثيرين من المتابعين!

ولا يقتصر التسول في العراق على أناس عراقيين، فهناك أعداد كبيرة من المتسولين تحمل جنسيات مختلفة، عربية وحتى أجنبية، وهؤلاء ينتشرون غالبا في مناطق السياحة الدينية.

وفيما يرى البعض أن التسول حالة اضطرارية سببها العوز والفقر المدقع الذي يجبر الناس على الاستجداء في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية قاسية وإهمال للشرائح الفقيرة، يرى بعض آخر أن التسول تحوّل اليوم إلى تجارة مربحة، تديرها شبكات ومافيات.

لا إحصائية دقيقة

يقول الناطق الرسمي باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، أنه “لم تسجل حتى الآن إحصائيات دقيقة لعدد المتسولين في عموم البلاد، إلا أن من المؤكد أن هؤلاء يشكلون اعدادا لا يستهان بها”، مبينا في حديث صحفي أن “غياب الدور الرقابي ادى إلى انتشار تلك الظاهرة يومياً ليلاً ونهاراً. ولذلك لم تستطع اية جهة حكومية إجراء احصائية نهائية لأعداد المتسولين”.

العوز يقتل الطفولة

الفتاة ايمان محمد، وهي تبلغ من العمر 10 سنوات، اضطرت منذ أكثر من عامين إلى التسول في أحد تقاطعات بغداد، بعد أن غادرت مقاعد الدراسة.

تقول إيمان في حديث صحفي: “انا اكبر أخوتي، وابي رجل مقعد وعاجز عن العمل، وامي كبيرة في السن. اخرج الى الشارع وأطلب المساعدة من المارة كي أجمع المال لشراء الطعام لأخوتي الصغار. فانا المعيلة الوحيدة لعائلتي الفقيرة”.

وتضيف أنها اضطرت إلى ترك المدرسة لعدم القدرة على تحمل تكاليف الدراسة ومستلزماتها.

وقد أجبر الفقر الكثير من العائلات على حرمان أبنائها من الدراسة، خاصة في ظل عدم توفير الحكومة المستلزمات الدراسية التي كانت توزع مجانا على التلاميذ، والتي يضطر أولياء الأمور اليوم إلى شرائها بمبالغ باهظة، تضاف إلى المصاريف اليومية للتلميذ وأجور نقله.

معونات شهرية

من جانبه، يكشف المتحدث الرسمي باسم دائرة الرعاية الاجتماعية، نجم الربيعي، عن إمكانية تقديم معونات مالية للعائلات المتعففة ومساعدتها ومحاولة الرفع عن كاهلها أعباء الحياة الاقتصادية الصعبة”، مضيفا في حديث صحفي أن “هذه المعونات سوف تصرف لكل عائلة لا تملك مردودا ماليا دائما، وذلك في حال استحصال التخصيص المالي لها”.  وأشار إلى أن “هذه المعونات ستساهم في الحد من التسول”.

إجراءات صارمة

يؤكد الضابط حسين الاعظمي، من شرطة نجدة بغداد - فرع الرصافة، أن القوات الأمنية بصدد محاسبة المتسولين المنتشرين في الشوارع الرئيسة والأماكن العامة “لأن هؤلاء يعكسون صورة سيئة عن المجتمع”.  ويلفت في حديث صحفي إلى أن “هناك الكثير من المتسولين ليسوا بحاجة لهذه المساعدة، الا انهم يعملون ضمن شبكات خاصة لجني اموال طائلة وسريعة”، كاشفا عن “تنفيذ عملية ملاحقة لأكبر عصابة تسول في العاصمة، والقبض عليها، بعد أن كانت تجند أطفالا قاصرين وتدفعهم للعمل لصالحها كمتسولين مقابل منحهم لقمة العيش”.

ظاهرة كارثية

إلى ذلك، يصف الباحث في علم الاجتماع د. سيف الناصر، التسوّل بأنه “ظاهرة كارثية”.

ويقول في حديث صحفي، أنه “في ظل التطور، وفي بلد يمتلك كما هائلا من الموارد الطبيعية والثروات والخيرات، التي بإمكانها تأمين العيش الرغيد للشعب، لا نزال نعاني وجود طبقات فقيرة وتحت خط الفقر اضطر الكثيرون من أبنائها إلى امتهان التسول”.

ويرى الناصر أن للتسول تأثيرا سلبيا على الحالة النفسية لمزاوليه “كونه يجعل الإنسان عديم الشخصية وضعيفا ومبتذلا ومهانا”.

وللحد من استفحال هذه “الظاهرة الكارثية”، مثلما يصفها الناصر، يتطلب من الحكومة الإسراع في تأمين فرص عمل للمواطنين، خاصة الطبقات الفقيرة والمعدمة، مع تقديم العون المالي بانتظام للعائلات التي لا تمتلك معيلا، ولشريحة ذوي الاحتياجات الخاصة. وبعدها لن تكون هناك ذريعة للمتسولين في امتهان هذه المهنة المذلة، ولا يحق لهم الاعتراض في حال منعوا من مزاولتها وحوسبوا قانونيا!