اخر الاخبار

يحرص العراقيون على خلق أجواء مميزة للعيد في كل عام، من خلال الحفاظ على الطقوس المتوارثة الخاصة بهذه المناسبة، وبينها شراء ملابس جديدة للاطفال، وتهيئة حلويات، وتبادل الزيارات وتوزيع عيديات على الأطفال، لكن هذه الطقوس تتوقف كل عام على وضع البلد الذي أرهقته الحروب والأزمات السياسية والاقتصادية، ما يضطر عائلات إلى اختصارها بحسب قدرتها على مواكبتها.

وهذا العيد لم تكن الأسواق كعادتها في كل عام. فعلى الرغم من زخم الناس المقبلين عليها، إلا أن هناك حالة من الركود الملحوظ وقلة في التبضع.

وتتعدد أسباب هذه الحالة، لكن أهمها هو ارتفاع أسعار المواد والسلع، والانخفاض الكبير في القدرة الشرائية لدى المواطن.

وشكّل هذا العيد تحدياً جديداً للفقراء ومحدودي الدخل، بسبب اتساع آفة البطالة، وعدم إقرار قانون الموازنة رغم انقضاء الثلث الأول من السنة، فضلاً عن عدم ثبات الأسعار وتذبذب سعر صرف الدولار في السوق الموازي.

الإقبال على الشراء ضعيف جدا

وبينما اعتادت غالبية العائلات في عموم البلاد خلال الأيام الأخيرة من رمضان على توفير متطلبات العيد وتجهيزاته المختلفة التي يفترض أن تجلب الفرح والبهجة، يؤكد أمجد الرفيعي، وهو صاحب محل لبيع المواد الغذائية في سوق الشورجة، ان “الإقبال على الشراء ضعيف هذا العيد مقارنة بالأعياد السابقة”، مبينا في حديث صحفي أن “الأمر لا ينحصر في المواد الغذائية والمواد المستخدمة في صنع الحلويات والمعجنات، بل حتى الملابس وألعاب الأطفال التي تراجع الطلب عليها بنسبة تصل إلى نحو 50 في المائة”.

ويتابع قوله: “قيّد الغلاء حركة الشراء لدى غالبية العائلات، وجعل قسما منها يعيش في حرمان كامل. ومنذ صعود سعر الدولار وغلاء الأسعار خلال الشهور الأخيرة الماضية، انهكت العائلات ماديا بشكل كبير، ما أدى إلى تقصيرها في شراء متطلبات رمضان والعيد”.

هل التجار سبب الغلاء؟

مواطنون كثيرون يشكون عبر وسائل الإعلام من مواصلة ارتفاع الأسعار، خاصة قبل العيد، مشيرين إلى أن هناك مبالغة في أسعار الملابس والحلويات والمواد الغذائية، بالرغم من إعلان الحكومة خفض سعر صرف الدولار، ومتابعة الأسواق.

ويحمّل المواطن ناظم كامل، التجار مسؤولية الغلاء “فهؤلاء يستغلون حاجة العائلات، التي اعتادت على شراء الملابس والمواد الغذائية والمُعجنات استعداداً للعيد”.

ويوضح في حديث صحفي، أن “سعر صرف الدولار مقابل الدينار انخفض نسبياً منذ نحو 3 أسابيع في السوق الموازي، إلا أن ارتفاع أسعار السلع والمواد ما زال ينهك جيوب المواطنين، خاصة الموظفون وأصحاب الدخل المحدود أو من لا يملكون مصادر دخل ثابتة”.

ويطالب كامل الجهات الحكومية والرقابية بضرورة التدخل السريع ووضع حد لما يعتبره “استغلال التجار” خلال فترة العيد، وهو ما يزيد العبء على المواطنين ويثقل كواهلهم ويحرمهم من طقوسهم المعتادة خلال هذه الأيام.

غلاء اللحوم

من جانبه، يقول المواطن عاطف العزاوي، أن “أسعار لحوم الأغنام والأبقار والدواجن هي الأخرى شهدت ارتفاعا كبيرا. حيث تجاوز سعر كيلوغرام لحم الغنم 20 ألف دينار، في حين كان سعره في مطلع العام الجاري أقل من 16 ألفا”.

ويؤكد في حديث صحفي، أن “السوق أصبحت في حالة اضطراب مستمر، في ظل عدم وجود أي رقابة أو جهود حكومية للحد من هذا الارتفاع الكبير في الأسعار”، مبيناً أن “هناك الكثير من التجار استغلوا هذه الأزمة بهدف التلاعب بمستويات الأسعار وتحقيق أكبر قدر من الأرباح على حساب المواطنين الفقراء”.

أما المواطنة أم محمد، فتقول أنه “لا تكتمل فرحة العيد إلا برؤية الأطفال فرحين. فهم لا يشعرون بأجواء العيد إلا عبر شراء ملابس جديدة وألعاب. ونحن كأولياء أمور نوفر بعض الأموال طوال العام لتلبية متطلبات العيد، لكن الغلاء الفاحش الذي تشهده الأسواق حالياً أرهقنا كثيراً، ولم يترك لنا ما يكفي من موارد لتلبية هذه الاحتياجات”.

وتضيف في حديث صحفي قائلة: “قلصنا شراء احتياجات كثيرة، ولم نستطع أن نلبي إلا بعض احتياجات الأطفال من ملابس بسيطة ولعب قليلة، فما يهمنا جداً هو ألا يشعروا بحرمان، وهذا ما نحاول أن نفعله بكل ما أوتينا من جهد”.

تجار: الغلاء ليس بأيدينا!

يؤكد تجار ان ارتفاع الأسعار ليس بأيديهم، وانهم يواجهون مشكلات كبيرة تتعلق بانخفاض القدرة الشرائية لدى المواطنين، موضحين أن بضائعهم بقيت في المخازن بسبب قلة الإقبال على شرائها.

يقول عامر جمعة، وهو بائع جملة في بغداد، ان “محال البيع بالتجزئة تشتري السلع والبضائع بالجملة من المخازن والشركات الكبرى، وأغلب هذه الشركات تستورد البضائع من الخارج بسعر الدولار الرسمي المدعوم من قبل البنك المركزي وعن طريق نافذة بيع العملة”.

لكن جمعة يحمّل شركات الاستيراد الكبرى مسؤولية ارتفاع الأسعار، موضحا أن “قيمة الدينار ارتفعت أخيراً مقابل الدولار، إلا أن هناك مواد تم شراؤها قبل هذا الارتفاع، وبالتالي فلا يمكننا بيعها بسعر أقل تجنباً للخسارة”.

إلى ذلك يرى الخبير الاقتصادي كريم الحلو، أن “حالة الاضطراب وعدم الاستقرار المالي في السوق سببها الرئيس ارتفاع قيمة الدولار والمشكلات الفنية التي رافقت المنصة الإلكترونية المعنية ببيع العملة، فضلا عن احتكار الاستيراد بالسعر الرسمي من قبل الشركات المدعومة وحرمان صغار التجار والشركات الصغيرة من الحصول على الدولار بهذا السعر”.

ويضيف في حديث صحفي، أن “ارتفاع الدولار في السوق الموازي أدى إلى حدوث عدم استقرار في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية والألبسة وغيرها”، مشيرا إلى أن “هناك أعدادا كبيرة من محدودي الدخل ومن هم دون مستوى خط الفقر، يعانون ارتفاع الأسعار قياساً بالمستوى المعيشي المتراجع”.