اخر الاخبار

لم ينس أرباب الرشوة قطاعي التربية والتعليم في البلاد، حيث تمكنوا من اختراق العملية التعليمية وارهاقها، كما اثروا على جودة ورصانة التعليم، وعكسوا وجها اخر لبعض للمدرسين من ضعاف النفوس.

ويتعرض بعض طلبة المدارس الثانوية الى الابتزاز من اجل دفع رشوة مالية مقابل عبورهم مرحلة دراسية او لضمانهم مقعدا في الامتحانات النهائية.

وتعقيبا على ذلك، يقول تربويون ان «اللوم لا يقع فقط على الأساتذة الذين يطلبون مبالغ مالية انما أيضا على أهالي الطلبة الذين يقبلون ان يكونوا جزءا من هذا الفعل المشين، الى جانب غياب الرقابة والمتابعة الحقيقية من الجهات المعنية لهذه الحالات».

ورصدت «طريق الشعب» حالات الابتزاز من هذا النوع، حيث كان اخرها ضبط أحد مدراء المدارس المتوسّطة في بغداد متلبساً بتسلم أكثر من نصف مليون دينار مقابل التلاعب وتغيير الدرجات الخاصة بأحد الطلاب!

وعن حالة أخرى تم ضبط مديرة مدرسة وهي تتسلم مبلغ الرشوة من المشتكي، الذي تعرض للابتزاز والاجبار على دفع مبلغ مالي مقابل قبول ابنته في الصف الأول الابتدائي في إحدى المدارس الحكومية، وسط العاصمة بغداد.

نسب تعاطي الرشوة

ويتعمد موظفو التربية تأخير إنجاز المعاملة لغرض دفع الرشوة. وعدت هيئة النزاهة ان نسبتهم تقدر بـ 37 في المائة، اما نسبة الابتزاز الذي يبادر من قبل موظفين التربية فقد بلغ 23 في المائة، وبنسبة 62 في المائة ممن دفع الرشوة تم عن طريق وسيط، فيما دفع 33 في المائة منهم الرشوة للموظف بطريقة مباشرة. وسجلت مديرية تربية القادسية أعلى نسبة في تعاطي الرشوة اذ بلغت 43 في المائة، تلتها تربية كركوك بنسبة 23 في المائة ثم البصرة 21 في المائة، وفي دفع الرشوة كانت القادسية هي الأعلى أيضا بنسبة بلغت 10 في المائة تلتها تربيتا البصرة وكركوك بنسب 6 في المائة و4 في المائة على التوالي.  فيما سجلت مديرية تربية المثنى أقل نسبة في تعاطي ودفع الرشوة وبلغت 6 في المائة و1 في المائة تواليا، وهذا بحسب الاحصائيات التي ذكرتها هيئة النزاهة في بيان صدر عنها يوم 31 اذار الماضي، والتي اشارت الى استبعاد نتائج مديرية تربية الأنبار، لوجود خلل في منهجية البحث في اختيار العينة المستهدفة وقلة عددها.

اما في العاصمة بغداد فقد ذكرت الهيئة ان مديرية تربية الرصافة الثانية سجلت اعلى نسبة في تعاطي الرشوة بنسبة 58 في المائة تلتها تربية الرصافة الأولى والكرخ الثالثة بنسبة 21 في المائة.

من يدفع يضمن النجاح!

ويشير الناشط الطلابي، حسين الوحاش، عضو اتحاد الطلبة العام/ فرع بغداد، الى وجود حالات ابتزاز يتعرض لها طلبة المدارس الثانوية، تحديدا في المراحل المنتهية من قبل بعض الأساتذة، مستشهدا بوجود مدرس لمادة الرياضيات طلب من طلابه الاشتراك في دروس خاصة مقابل دفع مبالغ مالية ليست بالقليلة، لمن يريد النجاح. ويضيف في حديثه مع «طريق الشعب»، ان العديد من الطلاب ضمنوا مقعدا في الامتحانات النهائية (البكالوريا)، فقط لكونهم مشتركين في المعاهد الخاصة بأساتذة المدرسة، بالرغم من رسوبهم في المواد داخل مدارسهم. ويشدد بعض الأساتذة مع الطلاب الذين يرفضون مقترحاتهم، وقد يصل الامر الى التعمد برسوبهم، بحسب ما أضاف الوحاش.

موقف وزارة التربية

وبعد كشف مجموعة من الطلاب عن حالات الابتزاز ودفع رشوة مقابل دخلوهم الامتحانات النهائية، وجه وزير التربية مباشرة بالتحري عن صحة الادعاء، وأحال في الوقت ذاته خمس إدارات مدرسية إلى التحقيق للتأكد من الموضوع، مطلعاً على سجلات زيارة المعاهد التي كانت خالية من توقيع الإشراف، فيما قرر إعفاء مديري قسم الاشراف الاختصاصي والتربوي ومدير التعليم الأهلي التابع لتربية الكرخ الاولى من مهام عملهم.

وأصدرت وزارة التربية حزمة من القرارات المتعلقة بمواجهة ابتزاز الطلبة والضغط عليهم لأجل دفع رشوة، بحسب ما قال المتحدث الرسمي لوزير التربية، كريم السيد، مشيرا الى ان وزير التربية أجرى زيارات ميدانية وباشر فتح تحقيق فوري وتشكيل لجنة خاصة بالشأن.

ويبين كريم في حديثه مع «طريق الشعب»، ان «ممارسات دفع الرشوة يحاسب عليها القانون العراقي، وفق قانون العقوبات، المادة 111 لسنة 1969 المعدل، ما يجعل الامر قضائيا».

ويشير الى ان وزارة التربية أعادت النظر في المدارس الأهلية، كخطوة مرتبطة بشكل أساسي بإيقاف حالات دفع الرشوة، إضافة الى زيادة القيود لمن يعطي دروسا خاصة.

وأغلقت وزارة التربية عددا كبيرا من المعاهد الدراسية غير المجازة رسمياً بعد مخالفتها شروط الفتح بصفوف كرفانية تكاد تفتك بحياة الطلبة.

انخفاض جودة التعليم

وفي ختام الحديث يقول السيد ان الوزارة عازمة على إيقاف الاليات والأساليب التي اضعفت التدريس الحكومي، واجبرت الطلاب على اللجوء للتدريس الخصوصي، مؤكدا على انتشال التعليم من تركته القديمة تحقيقا للرصانة العلمية، وابعاده عن شبهات الفساد».

ويذكر التربوي، احمد غازي ان «عمليات الابتزاز ودفع الرشوة اثرت بشكل كبير على المستوى العلمي للطلبة بشكل خاص وللمدرسة بشكل عام، وذلك عن طريق عبور من لا يستحقون الاشتراك في الامتحانات الوزارية»، مضيفا ان هذه الأساليب جعلت من جودة التعليم تنحسر، فيما تؤثر سلبا على نسب النجاح للمدرسة التي تتبع هذا المنهج غير الرصين.

ويرى ان مسألة دفع الرشوة تنتشر في المناطق المترفة ماديا، بسبب ارتفاع مستوى الدخل للعوائل فيها.

إعادة رصانة التعليم

ويؤكد ان إعادة هيبة ورصانة المؤسسة التربوية تبدأ من أصحاب القرار والجهات المعنية، ابتداء من وزارة التربية وما تصدره من قرارات تجاه العملية التربوية في البلاد، مشددا على ضرورة إعادة تقييم هذه العملية، كون العديد من التغييرات بالقوانين جرت بعد العام 2003 لتلائم الوضع الجديد»، لافتا الى ان نظام المدارس الثانوية والابتدائية ونظام الامتحانات شرع في العام 1977.

ويتابع، ان هناك إجراءات أخرى تساهم في إعادة رصانة التعليم، تتمثل بتحسين مستوى الدخل الشهري للمعلم والمدرس بما يلائم متطلبات العيش الكريم، إضافة الى اختيار الكفاءات والإدارة الصحيحة للمدارس، بالاعتماد على المهنية والابتعاد عن المحسوبية والحزبية التي اسهمت بشكل كبير في انهيار العملية التربوية.

غياب الرقابة

تقول التدريسية نور عادل الخفاجي، ان «مسألة دفع الرشوة بين المدرس والطالب قد استفحلت في السنوات الاخيرة بسبب غياب الرقابة والمتابعة الحقيقية على المدارس، وضعف وسائل الردع القانوني والاخلاقي»، الامر الذي يجعل المدرسين يتلاعبون بدرجات الطلبة كيفما يريدون.

وبحسب الخفاجي فإن هذه المسالة لا تقع عاتق المدرس فحسب انما أهالي الطلبة يعدون مساهما بشكل غير مباشر في استفحال هذه الحالة، كونهم يقبلون على انفسهم ممارسة هذا الفعل لأجل إنجاح اولادهم وعبورهم من مرحلة الى اخرى، بطرق غير مشروعة.