اخر الاخبار

لا يتوقف سكان الموصل عن المطالبة بعودة جميع مكونات مدينتهم وألوانها الاجتماعية التي نزحت منها عقب اجتياح تنظيم داعش الإرهابي المدينة عام 2014.

وشهدت المدينة خلال الشهور الماضية تجمعات ومبادرات عدة أطلقها الكثيرون من سكانها ووجهوا فيها رسائل إلى جميع النازحين للعودة إلى مدينتهم، لا سيما المسيحيون الذين تعرضوا في فترة داعش إلى قمع ديني، والذين يصفهم عضو مجلس أعيان الموصل أحمد الحمداني بأنهم “ملح المجتمع الموصلي”. ورغم جهود الإعمار المتواضعة في الموصل، خصوصاً في المدينة القديمة التي لا زالت مناطق واسعة منها عبارة عن ركام وتضم قنابل غير منفلقة وعلامات تحذير من الدخول إليها.. رغم ذلك، إلّا أن ثمة علامات إيجابية يبعثها المجتمع الموصلي مجدداً، تتمثل في عودة قسم من العائلات المسيحية إلى المدينة، قادمة من أربيل ودهوك وبغداد، حيث منازلها ودكاكينها لا تزال موجودة في الموصل.

وكان إرهاب داعش قد عمد إلى تدمير معالم المدينة التاريخية، ومن بينها كنائس قديمة. كما قام باستغلال بعض تلك المباني كمراكز ومقرات له، ما أُلحق ضررا بالغا بنحو 30 كنيسة، لم يُرمَّم منها بعد التحرير سوى عدد قليل، وذلك بجهود ذاتية من قبل مسيحيين جمعوا تبرّعات من أجل هذا الغرض. وكانت المدينة القديمة في الموصل تمتاز بألوان بيوتها الزاهية، فهناك من يصبغها بالأزرق أو بلون الحناء. فيما كانت أزقة المدينة عامرة بالسكان، لكن بعد دخول إرهاب داعش تحول جزء كبير منها إلى دمار وحطام، ذلك الجانب الذي كان يتمتع بالتنوع الديني.

فبينما توجد كنيسة، يوجد على بعد مسافة قريبة منها مسجد.

“عدت بعد عودة الحياة”

نشوان إيليا بهنام جقماقجي (52 عاماً)، وهو موصلي مسيحي يعمل حدادا منذ 30 عاما في دكان ضمن سوق الحدادين الشهير في المدينة، حيث صناعة المساند والمشغولات اليدوية الحديدية المختلفة، كالسكاكين وأسياخ الشواء.

يقول جقماقجي في حديث صحفي، أنه غادر الموصل مع عائلته في حزيران 2014، بعد احتلال إرهابيي داعش المدينة، فاستقر في أربيل، وبقي نازحاً لحين استقرار الأوضاع مجدداً في الموصل عقب تحريرها، مضيفا قوله: “عدت إلى المدينة مع عودة الحياة إلى منطقة باب السراي، حيث يقع سوق الحدادين، وفتحت دكاني بعد أن رممته بمساعدة أصدقائي وجيراني في المهنة”.

ترميم المجتمع

من جهته، يقول عضو مجلس أعيان الموصل أحمد الحمداني ان “ترميم المجتمع الموصلي لا يقلّ أهمية عن ترميم المدينة وإعمارها، إن لم يكن أهم”، مبينا في حديث صحفي أن “الموصل لا يمكن تخيلها من دون وجود هذا التنوع الديني والثقافي المتجانس الذي عرفت به منذ آلاف السنين، وهذه الحقبة المظلمة ليست الأولى التي تمر بالموصل عبر التاريخ وستتجاوزها بكل تأكيد”.

فيما يدعو الناشط المدني ذنون عثمان الحديدي، مسيحيي الموصل إلى العودة لمدينتهم. ويقول: “اشتقنا إلى أيام كان أهل المدينة فيها بلا نقصان”.

ويطالب الحديدي في حديث صحفي، الحكومة بـ “الإسراع في دفع التعويضات المقررة لسكان المدينة، حتى يرمم جميع المتضررين منازلهم ويعودوا إلى مدينتهم”. وبسبب تأخر صرف التعويضات، اضطر الكثيرون من النازحين المدمرة منازلهم، إلى استئجار منازل بعد عودتهم للمدينة، خاصة سكان المدينة القديمة التي تضررت بشكل كبير إثر الإرهاب والحرب ضده.

وكان بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العراق، الكاردينال لويس ساكو، قد أفاد في حديث سابق لوكالة أنباء “العربي الجديد”، بأن “السبب الرئيس لاستمرار نزوح آلاف الأسر المسيحية من مناطق نينوى، يعود إلى هيمنة الجماعات المسلحة وغياب الإعمار في تلك المناطق”، لافتا إلى أن “الحكومات العراقية لم تسعف المسيحيين بإعمار مدنهم وكنائسهم كما ينبغي”.

جدير بالذكر أنّ السنوات التي أعقبت الاحتلال الأمريكي للعراق 2003، شهدت حملات هجرة واسعة لمسيحيي البلاد الذين توجّهوا إلى بلدان مختلفة بسبب عمليات التنظيمات الإرهابية وجرائم الاستهداف والتضييق. ويُقدَّر عدد هؤلاء، بأكثر من مليون مواطن.