اخر الاخبار

فوجئ المواطن سجاد (أبو علي) من محافظة كربلاء، بعدم استطاعة الصيدليات الموجودة في منطقته، “فك طلاسم” وصفة طبية كتبها له أحد الأطباء في عيادته الخاصة، بخط رديء مشفر – على حد تعبيره، الأمر الذي اضطره للعودة إلى الصيدلية المجاورة لعيادة الطبيب، كونها الوحيدة التي تستطيع قراءة الوصفة!

والوصفات الطبية المشفرة من الظواهر المتفشية في العراق منذ سنوات. إذ يقوم الطبيب بكتابة العلاج للمريض برموز وعلامات غير مفهومة، لا يتمكن من قراءتها سوى صاحب الصيدلية المجاورة لعياداته، عبر اتفاق مسبق بينهما، وبالتالي يضطر المريض إلى شراء الدواء من هذه الصيدلية، وبالسعر الذي تفرضه، وهو مرتفع غالبا، وخلاف ذلك لن تتمكن أي صيدلية أخرى من قراءة الوصفة.

ويقوم العديد من أصحاب الصيدليات بمنح الأطباء المجاورين لهم نسبا من أرباح بيع الدواء، شرط أن يرغموا المرضى بالشراء منهم عبر تشفير الوصفات بشكل متفق عليه. وقد يتطور الأمر وصولا إلى قيام صاحب الصيدلية بدفع إيجار عيادة الطبيب وأجور الماء والكهرباء وغيرها، هذا إن لم يكن الطبيب نفسه هو مالك الصيدلية!

وتشمل هذه الظاهرة أيضا مختبرات التحليلات المرضية ومراكز الأشعة والسونار. إذ يجبر الكثيرون من الأطباء مرضاهم على إجراء التحليل أو التصوير في مختبر بعينه، وخلاف ذلك سيرفضون نتائج الفحص ولا يعترفون بها إطلاقا!

لا يخجلون!

يقول أبو علي البالغ من العمر 63 عاما، والذي يعاني أمراض القلب والشرايين، أن “بعض الأطباء لا يخجلون من إلزام المرضى بشراء الدواء من صيدلية معينة، يتعاملون معها”، مشيرا في حديث صحفي، إلى أن “هناك اتفاقات مسبقة على ذلك تحصل بين الطبيب والصيدلاني، مقابل حصول الأول على نسبة من الأرباح. وبذلك يكون المريض ملزما بشراء الدواء من هذه الصيدلية، بسعر مرتفع يضاف إليه هامش الربح المخصص للطبيب”. 

ويضيف قائلا أنه “في حال ذهب المريض - كما في حالتي - إلى صيادلة آخرين، فلن يتمكنوا من قراءة الوصفة، بسبب تطويع لغتها لصالح صيدلية واحدة تبيع العلاج بسعر باهظ جدا”.

ماذا عن الوصفة الالكترونية؟!

تثير ظاهرة الوصفات المشفرة مخاوف من فتح باب جديد من أبواب الفساد والاستغلال، وسط دعوات لتطبيق نظام الوصفة المطبوعة الكترونيا.

في هذا السياق، يقول عضو لجنة الصحة البرلمانية، باسم الغرابي، أن “اللجنة استضافت نقابتي الصيادلة والأطباء قبل شهور، لمناقشة موضوع طباعة الوصفة الطبية الكترونيا، تجنبا للتشفير بين الطبيب والصيدلاني”.

ويؤكد في حديث صحفي أن “نقابة الأطباء منعت الأطباء من كتابة الوصفات المشفرة، وفرضت عليهم طباعتها بجهاز الحاسوب ليتمكن أي صيدلاني من قراءتها، وبخلافه توجه إنذارات للأطباء، قد تصل إلى العقوبات”، داعيا المواطنين إلى تقديم شكاوى لدى نقابتي الصيادلة والأطباء ضد أي طبيب يكتب وصفة مشفرة “وذلك لمعاقبته، كما حصل أخيرا مع مجموعة من الأطباء” – حسب الغرابي.

وفي بيان صادر عنها عام 2019، خاص بإطلاق مشروع الوصفة الالكترونية، أكدت وزارة الصحة انه سيتم تزويد نقابة الصيادلة بأسماء الأدوية المعتمدة في الوصفة دون غيرها، والتي يجب أن تكون مفحوصة رسميا، ومسجلة لدى الوزارة، منعا لتداول الأدوية المهربة.

وحسب بيان الوزارة، فإن “الهدف من تنفيذ المشروع، هو معالجة إشكالات الخط غير الواضح للوصفة الطبية، والذي تترتب عليه مضار عدة على صحة المريض، لا سيما أن أخطاء قراءة الوصفة باتت واسعة الانتشار. كما أن هناك الكثير من التشابه بين أسماء بعض الأدوية”.

إشكالات

من جانبه، يقول الطبيب علي أبو طحين، أن “الوصفة الإلكترونية أمر إيجابي لتنظيم وترتيب العمل، وفي الوقت نفسه انها تحد من التشفير وما شابه ذلك، لكن فيها اشكالات”.

ويوضح في حديث صحفي، أن “هناك صعوبات في تطبيق هذه الوصفة. فالأمر قد يكون مكلفا على الطبيب من ناحيتي المال والجهد، وحتى المريض ربما يكون غير معتاد على هذا النوع من الوصفات الذي تتطلب كتابته الانتظار بعض الوقت”.

وفي ما يتعلق بكتابة الطبيب لمرضاه أدوية من شركة معينة، يوضح أبو طحين أن “السوق العراقية لا تزال مفتوحة أمام شركات أدوية عديدة، قسم منها ليس ذا جودة عالية. لذلك يفضل بعض الأطباء شركة دواء معينة على غيرها، لكونه يراها رصينة ويثق في علاجها”.

تخمين اسم الدواء

بعض الصيدلانيين، وبسبب عدم قدرتهم على قراءة الوصفة الطبية المشفرة، يقومون بتخمين اسم الدواء وصرفه إلى المريض، غير مكترثين للضرر الذي قد يلحق بالمريض في حال لم يكن الدواء صحيحا.

وحسب دراسة أمريكية، فإن سوء خط الوصفة الطبية يؤدي إلى وفاة نحو 7 آلاف شخص حول العالم سنويا.

وتلفت منظمة الصحة العالمية إلى إصابة أربعة من كل عشرة مرضى بالأذى أثناء تلقيهم الرعاية الصحية الأولية والإسعافية، مرجعة ذلك إلى أخطاء التشخيص والوصفات الطبية وطريقة استعمال الأدوية. 

“غوغل” يفك الطلاسم!

تحاول شركات تكنولوجية عديدة حل لغز خط الاطباء المشفر، ومن بينها شركة “غوغل” التي تعمل على ترجمة تلك النصوص التي من المستحيل على المرضى، وحتى الصيدلانيين، فهمها وفك طلاسمها!

وتتيح هذه الميزة التي طرحتها الشركة كنموذج بحثي غير مكتمل، للمستخدمين التقاط صورة للوصفة الطبية وتحميلها على محرك بحث، وبمجرد معالجة الصورة، يرصد التطبيق الأدوية المذكورة في الوصفة!