اخر الاخبار

تجبر الظروف المعيشية القاسية الكثيرين من العراقيين على العمل في مهنة فرز النفايات، أو ما يطلق عليها محليا “النبّاشة”، بحثا عن مواد قابلة للتدوير والبيع. ويتوجه هؤلاء، وبينهم كثير من الأطفال والنساء، إلى مواقع الطمر الصحي الكبيرة، وما أن تبدأ آليات البلدية بتفريغ حمولاتها من الأزبال، حتى يسارعون إليها للظفر بما يمكن الاستفادة منه من تلك الحمولات. وهم يستعينون في ذلك بأياديهم العارية دون أدنى احتراز، الأمر الذي يعرّضهم إلى مخاطر صحية جمة، نظرا لاحتواء النفايات على جراثيم مجهرية تسبب أوبئة وأمراضا خطيرة.

في ناحية النهروان شرقي بغداد، يوجد موقع للطمر الصحي غير نظامي، وغير مستوفٍ للشروط والتعليمات الصحية والبيئية. وإلى هذا المطمر، تتوجه يوميا أعداد كبيرة من المواطنين، من سكان الناحية وخارجها، للبحث في النفايات عن مواد قابلة للتدوير، مستخدمين أكياسا بلاستيكية وعربات يدوية وشاحنات صغيرة ينقلون فيها ما يفلحون في جمعه.

وخلال عملية الجمع يقوم هؤلاء “النبّاشة” بالفرز لفصل المواد القابلة للتدوير، مثل البلاستيك والزجاج وبعض المعادن، ثم يقومون ببيعها على المعامل والشركات العاملة في مجال تدوير النفايات، وإلى من يرغب في إعادة استخدامها.

ولا يمتلك هؤلاء أية أدوات مناسبة آمنة لمزاولة مهنتهم هذه، وهم إضافة إلى ذلك غير مدربين على العمل في هذا المجال. لذلك يواجهون مخاطر صحية كبيرة وفيروسات معدية، تضاف إلى المخاطر البيئية التي يخلفها عملهم. حيث لا يتم التخلص من النفايات غير القابلة للتدوير، بالشكل الآمن.

وصارت هذه المهنة أشبه بفرصة عمل لسكان النهروان، الذين يعاني معظمهم البطالة والفقر والحرمان. لذا يلجأون إلى العمل في فرز النفايات، من أجل الحصول على مردود مالي بسيط يسدون به رمق عائلاتهم.

وتتسبب عملية جمع النفايات هذه في تلويث البيئة. إذ تتسرب المواد الضارة التي لا يتم تدويرها، إلى التربة والمياه الجوفية. أما المناطق السكنية القريبة من مواقع الطمر، فتعاني الروائح الكريهة باستمرار، إضافة إلى الأضرار الصحية، ناهيك عن الغازات السامة والأدخنة التي تخلفها عملية حرق النفايات. إذ يقدم العديد من “النباشة” على حرق هذه الأكوام لتسهيل مهمتهم في البحث عن المواد المعدنية.

ما الذي على الحكومة ان تفعله؟!

أمام هذه التحديات الكبيرة، يتوجب على الحكومة اتخاذ إجراءات لتحسين إدارة النفايات، مع توفير فرص عمل أخرى مناسبة للسكان، تغنيهم عن التوجه إلى مهنة فرز الأزبال الخطيرة. ويتطلب أيضا من الحكومة، أن تضع برامج تعليمية للتوعية بمخاطر جمع النفايات، وسبل التعامل الآمن معها.

كذلك من الضروري أن تكون هناك مبادرات حكومية ومجتمعية، لتوعية المواطنين بكيفية التخلص من نفاياتهم المنزلية بالشكل الصحيح، ومن ذلك إطلاق برامج التوعية البيئية التي تهدف إلى زيادة الوعي بأهمية إعادة تدوير النفايات والحفاظ على نظافة البيئة وسلامتها. ويتطلب من الحكومة وضع خطط وبرامج لتدريب السكان المحليين على الطريقة الآمنة لفرز النفايات المنزلية، بالشكل الذي لا يضر بالصحة والبيئة، وبالتالي يوفر لهم مصدر دخل، بعد أن يبيعوا النفايات القابلة للتدوير على المعامل والشركات المتخصصة في هذا المجال. 

ومن الضروري أيضا أن يتم إنشاء نقاط محددة وغير عشوائية في المدن والأحياء السكنية، يسلّم عندها المواطنون نفاياتهم، بعد فرزها، إلى البلدية وشركات التدوير. فهذا الأمر يشجع السكان على التخلص من نفاياتهم بالشكل الآمن، كونه يحقق لهم مردودا ماليا من خلال بيعها على تلك الجهات. 

هذه المبادرات تساهم في تحقيق فوائد عدة، بما في ذلك تحسين البيئة، وتوفير فرص عمل جديدة، وزيادة دخل الأسر، وتعزيز التوعية البيئية بشكل عام.

عرض مقالات: