اخر الاخبار

اذا كان هناك احد لا يحتاج الدفاع عن موقفه وتاريخ نزاهته، التي هي نزاهة شعبه الضارب في اقاصي ابعاد الاشراق والزهو الوطني، فهو الشاعر  مظفر النواب .

انه احدى خلاصات النبل البشري الفريد ، وهنا أريد ان اقول بلغة اخرى .. بعض البلاد تخمر بعضا من أعز  وأغلى عذوبات طينها فلذة وذخرا فريدا لمستقبل ايامها القادمة ، ففي لحظة غير معروفة او غير مرئية قد تشهرها روح البلاد هوية لها ، او راية  تتقدم خيل المرؤات في ساعات الحسم .. هذه الفلذة الكونية هي مظفر النواب .

في برنامجه المهم يقول دكتور حميد عبد الله في سياق رده على رسالة السيدة سهام عبد المجيد اخت الشاعر مظفر النواب ( ابو عادل )   إن مظفر الذي شتم جميع الانظمة وخاصة شيوخ الخليج، انتهى الى ان يكون في حمايتهم ، فالشيخ سلطان القاسمي قام على رعايته بكل تفاصيل علاجه حتى وفاته .

والاخ الدكتور يتجاهل ان (ابا عادل) لم بكن في حماية شيوخ الخليج بل ضيفا لصديق له تربطهم علاقة الثقافة والابداع. فالدكتور القاسمي باحث ومسرحي وله اهتمام وعناية خاصة جدا بتاريخ المنطقة ، ويتوفر على اهتمام نادر بتفقد الشؤون والانشغالات الابداعية والحياتية لعدد غير قليل من الكتاب العرب والمؤسسات الثقافية العربية. ثم ان اصدقاء ابي عادل لم يخذلوه ، بل كانوا يتشرفون  ويزدهون به ويحاولون مساعدته الا إنه كان يرفض رفضا باتا .. الاستاذ فخري كريم وبحضوري حاول وبألحاح شديد عليه ان يقبل مساعدته اثناء مرضه، الا انه رفض .. وبعد ان غادر ابو نبيل قلت له :

ابو عادل هل تعرف اين يمضي بك وبسرعة مرضك هذا ؟

 قال أعرف

 قلت اذن لماذا ترفض مساعدة ابي نبيل؟

 قال: اعرف كرم ونبل ومحبة الاستاذ فخري ، وهو صديقي ، لكنني لا احبذ المساعدة .

 ويستطرد الاستاذ حميد:

 مظفر لم يكن له موقف من الاحتلال ولو بحرف واحد .. وانا احيله لقصيدة بغداد التي بعثها لصديقه الشاعر عبد الرحمن طهمازي، الذي نشرها في جريدة “النهضة”.

 مظفر كان كاملا في موقفه من احتلال العراق ومنذ يومه الاول .

اما موضوعة الشتم فشاعر بمثل عمق وتاريخية وتركيبية تجربة ابي عادل لا يمكن النظر اليها بمثل هذه الخفة ، بل تحتاج الى قراءة عميقة ، استقصائية تمزج وتعيد انتاج عناصر فكرية ، تاريخية ، فنية عديدة ومعقدة. فمظفر شاعر كوني ذو رؤيا فريدة للعالم والانسان والاشياء .. انه احد الخلاقين النادرين في ذهابهم بنص القصيدة الى اقاصي ابعاد وسموات صعبة الغور ..كثيرون ارادوا حصر وتحديد مظفر بمسألة الشتم _ حتى وصل الامر الى حد تُسمى به قصيدة تجديدية ملحمية مركبة مثل وتريات ليلية قصيدة اولاد القحبة _  وكانوا يرمون من  وراء ذلك الى التقليل من قيمته كشاعر ... لكنه شاعر رائي  بحق  ( الوتريات ) و ( جسر المباهج القديم ) تقول وتكشف ذلك .

والاستاذ حميد يعيب على مظفر عودته الى العراق .. وهذا الموقف هو في الصميم جزء من التركيبة القاسية المريرة غير المتفتحة وغير الحضارية لبنية عقل وفكر الانسان العراقي .. اذ كيف تصل القسوة الى حد ان نطلب من شاعر رائد وانساني وشفاف وعذب -  تأكد انه سيموت بعد فترة قصيرة _  ان لا يعود لارض وطنه كي يزور قبر امه وابيه؟ وهل قال  بعد عودته الى العراق كلمة واحدة  جامل بها احد المسؤولين الذين هم جاملوه وحاولوا تقديم اشياء كثيره له، فرفض .

ورفض حتى طلب نوري المالكي أن يلتقي به، حيث بعث سكرتيره علي الموسوي .. وكانت السيدة ميسون الدملوجي _ صديقة ابي عادل _ قد قامت هي ايضا بمحاولة ترتيب لقاء لطارق الهاشمي بابي عادل، فرفض .

السيد جلال الطالباني طلب مني شخصيا في اربيل ان اقنع مظفر بان يقبل ما يقترحه عليه من إعادة بيت اهله الكبير وجميع أملاك العائلة، فرفض .

اما كم التعرض لصدام في قصيدة ( سالوفة ابو سرهيد ) .. فأن رؤية مظفر للعمل الفني كشاعر حديث تقتضي نسقا شعريا عاليا ودقيقا، يكون هذا التعرض بموجبه غير مباشر ، بل رؤية ابداعية تتغلغل في نسيج القصيدة الكلي. فتمجيد موقفه السياسي الفكري يأتي مندرجا في بناء وفضاء النص الفني: “كامت هيبه يابو الليل ، وخيوط الفجر طرزن وراك اخبار عالمكشوف ، يا خنجر ع المياسر عليه اسم  الحزب  معكوف ، يمسوِّي الجلاج الخيزران انهار من لون البنفسج .. وحدك السكان والشادوف ، يموصل مكاتيب العرس للما وراهم غير الفناجين والديّان ، وسالوفة وكت ، غزلوا عليها العمر ريحة صوف  )

 وهكذا يمضي ببث سلسلة اضواء وشذرات تعزز موقفه المفتخر بشعبه ووطنه و حزبه .. فهو حين يخاطب (فهد):

( لو خيط الفجر بيِّن .. إلزموا الخيط ما جذبت ... لكن كلي وين الخيط )

 ويستمر واصفا صدام وتجربة  نظامه

( حصيني نفط .. )

 ويدفع بالمناضل الحزبي الى ان يفتخر بنسبه ( كلهم انا فلاح ابن فلاح ابن فلاح )

( تاخذ حوبتنا من كل المذابح والتهايم والمحاكم )  و ( ولا ايهمك

هذا شرطي )  وهذا القول هو إيغال في الاهانة يعرفه العراقيون جيدا .. وهنا يتوجه القول والاهانة الى النظام البعثي انذاك .

اعتذر جدا لان تطرقي وملاحظتي السريعة جدا عن القصيدة جاء وانا استعين بذاكرتي التي تحتفظ ببعض المقاطع .. ولأن المجال لا يتسع لمثل حجم هذا الموضوع، قمت بتقديم شذرات قليلة جدا لا تفي بما يقتضيه هذا الاشكال.

عرض مقالات: