اخر الاخبار

هوامش التلقي التي تحيل البديهة لحظة الطرق على جمادات الوتريات والآلات ليولد النغم، وهنا ً على وهن إلم، وذكريات ما، اختصرتها (عصرة) الموقف الذي بعثر رسالاتٍ، ونواميس، وخلجات لم تقل بعد، وربما قيلت قبل هذا، بسطرين:

(دفعتني البنادق إلى البنادق لا خيار بين نار ونار

فاندفعت مستهزئا ً بالهزيمة أو الإنتصار) *

مصدر السطرين والهامش: عامل الإتصالات، رجل ممتلئ، تزينه ابتسامة دعاء خاص مفاده: أرجوك أيها الموجد والغير موجود هبني بحقك سلاحا ً فارغا ً لأني أكره الهزيمة والإنتصار. فكان راويا ً للعجاف التي احتضنتها سنيٌ مختفيات.

من السفر؟ وما المسافر؟ ...

هاتيك المغايرات لقلب مفاهيم الهوامش الآنفة تستدرك مفازات الرجوع إلى معراجات شتى، تستقصي الكامن خلف الكلمات:

(هنا لا شيء سوى كلمات

الناس كلمات

الله كلمات

وأنا كلمات ...) *

ونحن كلمات ٌ أيضا ً، نصرخ بأعالي الصمت:

(مسافرين وعيني مشدودة بدربكم

رايحين وآه لو عندي كلبكم

جنت ألم جروحي كلهه.. جروحي كلهه

ويا جرح يلجمني بيكم حيل ألجمه.. والله ألجمه)

ترتسم دلالات الكلمة وبيانها في جدران الذاكرة والقلب، معللة وقع كلمة دون غيرها، حيث ارتسام (روحي) واشباعها كل تنهدات النفس، والشوق، والفقد، والتمني، واللقاءات - فلا أقسم باللقاءات-. فـــ (روحي) وتنقلاتها بين تفكرات الأنسان وقوامه الباحث عن أبجديات الوجود، وفكرته..

فهي في المد الناموسي: “ ويسألونك عن الروح “ ...

وفي مد الناس الأول – (هله يا بعد روحي)

وفي مد الناس الثاني:

 (تمشين مسافة ريحان في روحي، يا غضة

يا ماء ضفيرة

قلبي أبيض

كملاءة عرس ٍ يا فضة

وغنائي فضة

وشبابي حسن السيرة

زمني في البدو طويل

وخيامي زرقاء) *

في مد الشعر الذي خافـهُ الغاوون:

(كلها ومن يجيسك ظيم

أسكفلك بواري الروح

وشوف المرز متنه يطيح

من يشرب بميه اللوح) *

فها هي تَعُد مسافات أخر، ترتسم فوقها بمد أطول، باركه السحر، و(البحة)، و(السحنة)، والتجديد، مبيحة ً شرعية سفرها التوّاق الى الوصول إلى مرافئ (الحرثات) المنسية، حيث اشتملت عليها أقدام الغرباء الذين ألفوا ماذا يعني في البدء كانت الكلمة، ثم أتخذوا مسيراتهم بعيدا ً عن ضوضاء الموقف الضبابي والمواعيد الأرجوانية المبهمة، أتخذوا من أطلال قصص الأرض وآباءها؛ أتخذوها ماءً. الماء الذي خُلقت منه كل ستائر الضوء التي تحتضن بالضرورة، والنشأة (مشراكة) البيت الذي اجتمعت فيه (عروك النخل)، والنايات القصيّة، و (ثنيات) الوسائد تحت أقدام الجدات. الماء ُ الذي دار بكلِمِه هذا في كل وديان التوق الى المحبة، والإعادات المفعمة بالأمل، والأسرار، واللقاءات، والرحيل:

(مسافرين

وروحي يطويه الدرب غربة وملامة

رايحين

ومن بعدكم صرنه لشطوط العشك والحب علامة

أحنا طرزنا الستاير للشبابيج العبر منها الضوه.. منها الضوه

واحنه علمنه الخلك طبع الوفه بدرب الهوه.. بدرب الهوه

وروحنا جناحين

 للراحو بلا كلمة وداع وضيعونا)

في إحدى محاضرات (فريديركو غارسيا لوركا) متحدثا حول (الدويندي).. والتي ترجمها الأستاذ (أحمد يعقوب) تحت عنوان (اللعب ونظرية الدويندي)؛ حيث بيّن أن الدويندي تعني المَلَكة (إحدى مَلَكات الفنية الإبداعية) حيث أن المؤدي يتوحد في جزيئات كتابته، ويبلغ الذروة في الإحساس، والأداء. فالملكة تلك هي (ربة الإلهام التي توقظ الذكاء) وتجلبه لوحات ٍ بمذاقات ِ مختلفة ٍ. في سفرة الضوء تلك، سافر بنا، وفينا، ومن خلالنا (حاديها/ الشاعر/الملحن/المغني) محملا ً ظعن خوالجه، وتجلياته. تلك الملكة التي وزعت بوحها أنغاما ً وكلمات، كان محرابها الخاص توحد الشاعر بحروفه، ومساعيها صوب السفر الدائري الذي يعود بنا كلما اشتقنا الى نسمات تجمل قساوة الحياة، واشتياقات الحبيب:

(مسافرين

وتغفى بعيوني المحطات وصورها

مسافرين

وترفه يا عيني المواعيد وصورها

رايحين

وذبلت جفوني لتعب بيها سهرها

عيونهم عشك الربيع

الغض على الدنيا حلاته بروح ترفه

رموشهم ليل الطويل

ليشرب عيونه الضوه وبأهدابه تغفى

روحي مثل الكاع لو مرها المطر

تمطر وفه وخير ومحبه)

لتشكل حبكة (الدويندي) أمام الذروة، ذروتها:

(لكن الدنيا سفر

ولنحبهم ما نسيناهم نسونا وسافرو

مسافرين وعيني مشدودة لدربكم.)

لتلخص كل مألات التصفح في أوراق الحياة المعاشة ماديا ً، الباحثة عن عيشها معنويا ً من خلال تدفقات المشاعر التي امتزجت بكل استفهاماتها، ومغايرات استفهاماتها على اعتبار ان في (مطاردة ظل كيرواك) لــ (جاك ميشيلن)؛ فأنه (يسعى إلى التنصت على الشخص الحقيقي الذي لحن أغنية من خلال تدفقات الأنهار والزمان). فأصبح سؤال العنونة:

هل بالإمكان أن نبدل ما السفر؟ ومن المسافر؟، أم نبقيها من السفر؟ وما المسافر؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

*أغنية مسافرين / إحدى روائع الغناء العراقي. كتب كلماتها الشاعر غازي ثجيل، ولحنها الأستاذ ياسين محمود وأداها المطرب العراقي ياس خضر. كانت المقالة ذكرى لروعة ذهبت، ورائع ذاهب بألم ودم.

*عبارة ما، تنسب لقتيل ما. في حرب رعناء ما.

*نص من رواية المقامة اللامية/جمعة اللامي.

*مقطع من قصيدة (هيفائي يا هيفائي) /الشاعر العراقي (كزار حنتوش)

*مقطع من قصيدة للشاعر (غازي ثجيل).   

*اللوحة في بداية المقال بعنوان (لحظة الوردة) للشاعر العراقي (ميثم راضي).

عرض مقالات: