اخر الاخبار

شهد العراق خلال السنوات الأربع الأخيرة ارتفاعا ملحوظا في أسعار المواد والسلع المحلية والمستوردة، انعكس هذا سلبا على واقع الأسرة فيما تواصل ارتفاع نسب الفقر.

وبين الحين والاخر، تتصاعد استغاثة الناس من ارتفاع أسعار المواد الغذائية: اللحوم والألبان والاسماك، بالإضافة الى السلع الاستهلاكية الأخرى.

ارتفاع الأسعار

يقول رئيس مؤسسة (عراق المستقبل للدراسات والاستشارات الاقتصادية)، الخبير الاقتصادي منار العبيدي، أن «غلب السلع المهمة والاساسية للمواطنين شهدت ارتفاعاً تجاوز عتبة 30 في المائة، تصدرتها اللحوم التي ارتفعت بنسبة 36 في المائة، مقارنة مع العام 2020، وارتفعت أسعار الأسماك والالبان بنسبة 38 في المائة».

ويضيف العبيدي خلال حديث مع «طريق الشعب»، أن «هناك زيادة بالطلب على عدد من السلع أدت الى رفع قيمة الشحن والنقل، خلال فترة جائحة كورونا. وفي ما يتعلق بالجوانب المحلية، أثر سعر صرف الدولار بشكل كبير على تغيير الأسعار، بالإضافة إلى نقص المواد الغذائية المحلية المنتجة، بسبب العوامل المناخية التي أدت إلى تراجع المنتجات وزيادة الطلب. كما ساهمت هجرة الكثير من المزارعين من الريف إلى المدينة بتراجع الإيرادات الزراعية وتفاقم هذه الأزمة»، مؤكدا أن «استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى ارتفاع مستويات الفقر».

ويبيّن العبيدي خلال حديثه مع «طريق الشعب»، أنّ «معدلات التضخم ستواصل الارتفاع خصوصا مع ارتفاع تكاليف الاستيراد الدولي، بالإضافة إلى التغيرات المناخية التي تؤثر على قطاع واسع من السلع الغذائية»، مضيفا أن «الخدمات الصحية وخدمات النقل شهدت ارتفاعا كبيرا، وصل إلى أكثر من 25 في المائة».

ويستدرك بالقول: إنّ «أقل الخدمات ارتفاعا بالأسعار كانت الإيجارات في عموم العراق، والتي لم ترتفع سوى بنسبة 2 في المائة، بالإضافة الى المشروبات غير الكحولية التي لم ترتفع سوى بنسبة 9 في المائة».

وبالرغم من الارتفاع الكبير بنسب التضخم خلال الأربع سنوات الماضية، إلا انه يعتبر الأقل مقارنة مع الدول المجاورة والعالمية، وفق العبيدي.

هذا، وحذّر العبيدي من عدم وضع خطط لتأمين مختلف السلع سواء بالإنتاج المحلي أم الاستيراد، الأمر الذي يفاقم مشكلة الأسعار، وتكون له انعكاسات كبيرة على المواطنين، خلال السنوات القادمة، بالإضافة إلى تأثيرات اجتماعية على المواطنين من بينها ارتفاع نسب الفقر.

السياسة السعرية

يقول الدكتور في علم الاقتصاد، علي عبد الهادي سالم، في حديث مع «طريق الشعب»، أن «هناك مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي تؤثر على السياسة السعرية، وبالتالي تلعب دوراً في التأثير على التنمية الاقتصادية».

وبالنسبة للعوامل الداخلية، يشير إلى «ضعف الإنتاج المحلي والإنتاجية المنخفضة، وعدم توفر المواد الأولية الداخلة في عمليات الإنتاج للسلع والخدمات، والقيود الجمركية والضرائب المرتفعة على السلع المستوردة والمواد الوسيطة أو الأولية التي تنعكس على الأسعار النهائية للمستهلك، بالإضافة إلى عدم توفر سياسة اقتصادية واضحة وسليمة في العراق، وتقاطع العديد من القرارات والإجراءات، ما يربك المشهد الاقتصادي ويؤدي إلى الفوضى في الأسعار».

ومن بين العوامل الداخلية الأخرى التي يشير إليها الدكتور علي عبد الهادي سالم، ضعف الأجهزة الرقابية وضعف تطبيق القانون في هذا الصدد، وتفشي واتساع الفساد الإداري والمالي في عموم العراق والقطاعات والأنشطة، والاعتماد الكلي والكبير على الاستيراد لمعظم السلع والمنتجات من الخارج.

أما بالنسبة للعوامل الخارجية، فيشير سالم إلى «تأثير الحروب والنزاعات والصراعات الإقليمية والدولية المباشر على أسعار المواد والسلع، بالإضافة إلى الأوبئة مثل جائحة كورونا التي أثرت بشكل مباشر على الأسعار لبعض السلع والخدمات وتوقف وتباطؤ الإنتاج، والحرب الروسية الأوكرانية التي أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والضرورية الاستراتيجية مثل القمح والطحين والبطاطا والسكر والمواد الأساسية في البناء والعمران».

ويضيف، أن «ارتفاع تكاليف النقل والشحن في جميع القطاعات والأنشطة يزيد من الأسعار، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف التأمين على السفن والمواد والشحن وغيرها، والحروب الاقتصادية التي تمارسها بعض الدول ضد دول أخرى والمقاطعة والتجميد والمنع التي ساهمت في ارتفاع الأسعار عالمياً».

رقابة «متخفية»

أعلنت وزارة الداخلية عن إجراء جديد للحد من ارتفاع أسعار البضائع واللحوم خلال شهر رمضان، يقضي بتشكيل لجان مدنية متخفية لمراقبة السوق، لكن الخطوة واجهت انتقادًا كبيرًا من قبل خبراء في مجال الاقتصاد، كونها تعتبر من الأساليب القديمة في السيطرة على السوق.

وانتقد عضو لجنة الاقتصاد والصناعة والتجارة النيابية سردي نايف، «خطوة تشكيل لجان مدنية تابعة لوزارة الداخلية لمراقبة أسعار السلع، داعيًا إلى «إيجاد تدابير فاعلة لتوحيد الأسعار في أسواق البلاد كافة».

وقال نايف إن «لجنة الاقتصاد النيابية شكلت لجنتين لزيارة الأسواق والاطلاع على الأسعار لاسيما أسعار اللحوم التي ارتفعت بشكل غير مقبول خلال الأيام القليلة الماضية».

وأضاف أن «في حال طبقت الخطط الموضوعة للسيطرة على الأسعار فإن شهر رمضان المقبل سيشهد انخفاضًا واضحًا في السلع والبضائع»، مشيرًا إلى أن الإجراءات البوليسية لا تتلاءم مع الدول المتقدمة.

من جهته، أكد الخبير الاقتصادي عبد الحسن الشمري أن «إجراء وزارة الداخلية خاطئ، اذ هناك حلول أفضل بكثير من هذه الطرق»، مشيرًا إلى أن إعادة فكرة الأسواق المركزية المدعومة من قبل الحكومة هي واحدة من أفضل الحلول للسيطرة على أسعار السوق.

وقال الشمري إن «الدول المتقدمة لا تتعامل بمثل هذه الإجراءات الكلاسيكية»، داعيًا إلى «استخدام أسلوب اقتصادي صحيح كخلق سوق منافس وإدخال كميات كبيرة تجبر التجار على تخفيض الأسعار إلى الحد المعقول».

وأضاف أن «قرار الداخلية سيطبق على الفقير وسيستثنى التجار المتنفذين، وسيتسبب بمشكلة كبيرة للدولة، وبالتالي فإن إغراق السوق بالبضائع المدعومة هو من سيجبر التاجر على تخفيض الأسعار».

وفي وقت سابق، أعلنت الداخلية عن تشكيل فرق جوالة بزي مدني للتجوال على المحال التجارية، من أجل السيطرة على الأسعار، التي عادة تشهد ارتفاعًا ملحوظا خلال شهر رمضان.

التجارة تراقب

من جانبه، دعا المتحدث الرسمي باسم وزارة التجارة محمد حنون، المواطنين للابلاغ عن أي ارتفاع حاصل في أسعار المواد الغذائية، ومن خلال الخط الساخن التابع لدائرة الرقابة التجارية والمالية (07729222019).

وأوضح حنون خلال حديث خصّ به «طريق الشعب»، أن «الاجهزة الرقابية في وزارة التجارة تعمل على مدار اليوم لمراقبة الاسواق المحلية بالتنسيق والتعاون مع وزارة الداخلية/ مكافحة الجريمة الاقتصادية وجهاز الامن الوطني»، مؤكدا أن «الوزارة تتعامل مع اي ارتفاع في اسعار المواد الغذائية بشكل قانوني من خلال اجراءات قانونية. وفي الجانب الاخر تقوم بضخ كميات كبيرة من المواد الغذائية ضمن مشروع السلة الغذائية ومشروع الرعاية الاجتماعية».