اخر الاخبار

بين صدام وأمريكا

في عشية الذكرى الحادية والعشرين لحرب العراق، نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالاً للباحث ستيف كول، أعرب فيه عن اعتقاده بأن أمريكا قد ارتكبت أسوأ خطأ في سياستها الخارجية في حقبة ما بعد الحرب الباردة عندما غزت العراق لتجريد صدام حسين من أسلحة الدمار الشامل المفترضة، تلك الحرب التي كلفت ثمناً مروعاً في أرواح وموارد العراقيين والأميركيين، ونشّطت الصراعات الإقليمية بالوكالة وأوقعت واشنطن في شرك الشرق الأوسط، وهو ما أعادت إدارة بايدن اكتشافه بشكل مؤلم.

تساؤل متأخر

و في ضوء المعلومات الإستخبارية الكاذبة والمتلاعب بها حول أسلحة الدمار الشامل وعلى خيارات بوش في الترويج للحرب وتواطؤ وسائل الإعلام، رأى الباحث بأن الغزو قد أخفى سبب لجوء الدكتاتور صدام للإيحاء بأن لديه أسلحة خطيرة رغم عدم امتلاكه لها في الواقع.

وأضاف بأنه واعتماداً على حوالي 2000 ساعة من التسجيلات وأرشيف ضخم من محاضر الاجتماعات والسجلات الرئاسية، التي وثقت طريقة تفكير الدكتاتور، لاسيما في المنعطفات الحرجة، يمكن الإستنتاج بأنه لم يشأ إقناع مفتشي الأمم المتحدة ووكالات التجسس المتعددة والكثير من زعماء العالم، بأنه لا يمتلك أسلحة دمار شامل، لأنه أراد البقاء في السلطة وتحقيق مكانة متميزة له لدى الشارع العربي.

كما أنه لم يكن يثق بواشنطن، التي تعاون معها بشكل خفي وغير موثق في الثمانينيات، لاعتقاده بأن واشنطن خانته حين باعت أسلحة إلى طهران فيما عرف حينها بإيران كونترا. وفي تخليها عنه بعيد غزوه للكويت وشنها حرب الخليج في عامي 1990 و1991 ضده. وأظهر عدم ثقته أيضاً في إخفاء سر تدميره لأسلحته الكيماوية والبيولوجية، ومواصلته الكذب مراراً وتكراراً على المفتشين، حيث كان متأكداً كما يبدو من أن وكالة المخابرات المركزية تعرف ذلك السر، وإن ادعاء البيت الأبيض بأنه يجهل الأمر، ليس الاّ محاولة لإذلاله علناً.

ارتباك المؤسسات

واشار الباحث إلى أن التنافس الحزبي داخل الولايات المتحدة، ونمطية التفكير التي تسود بعض مؤسسات التحليل، تربك أحياناً العمل وتؤدي لأخطاء في التقدير عند التعامل مع السلطات الإستبدادية، التي غالباً ما يحاول الرؤوساء تجنب الحوار العلني معها. وضرب مثالاً بالرئيس كلينتون الذي صرح يوماً بأنه لولا خشيته من الصحافة لرفع سماعة الهاتف وهاتف صدام إبن …... ولعل أول أمريكي فعل ذلك، كان عملاء السي أي أي الذين شاركوا صدام السيجار، بعد القبض عليه. ويبدو أن البيت الأبيض قد عرف لاحقاً بأنه ربما تصرف بسوء تقدير معه.

وأعاد الباحث التأكيد على أنه وفي ظل تناقضاته، فإن صدام لم يك ديكتاتوراً غير عادي، حيث اتسم بالسمات التقليدية للأنظمة الاستبدادية، كجنون العظمة بشأن التهديدات التي تواجه سلطته، والمعلومات غير الموثوقة التي يقدمها مساعدوه المذعورون وعدم القدرة على فهم نوايا الخصوم بشكل كامل.

تبرير مضحك للتراجع

واستشهد الباحث بتحذيرات صدام للعراقيين من إحتمال شن واشنطن وحليفاتها حرباً نووية على العراق لإجباره على الإنسحاب من الكويت، وهي الفكرة التي حاول بها تبرير هزيمته، رغم عدم قناعة حتى أقرب مساعديه كابن عمه علي كيمياوي بها، كما تشير التسجيلات الموجودة لدى الأمريكان. كما أنه حاول ضرب القوات الأمريكية بالسلاح الكيمياوي، لكنه تراجع عن ذلك، حين هدد الوزير بيكر وزير خارجيته طارق عزيز بأن الولايات المتحدة ستسقط حكومته، مبرراً تراجعه بالخوف من السلاح النووي، الذي لم يتطرق له بيكر في تهديداته.

واختتم الباحث مقاله بالقول إن قضية صدام حسين تنطوي على مفارقة، فرغم كونه دكتاتوراً ليس من الحكمة المقامرة بالأمن على أساس تخمين نواياه، فإن سياسة واشنطن التي اعتمدت توجيه رسائل ردع واضحة ومقنعة له، مثلت فشلاً امريكياً في فهم حقيقته.