اخر الاخبار

هل سينسحبون؟

في ندوة حوارية أقامتها إذاعة مونت كارلو الدولية مع عدد من الخبراء والإعلاميين، وأدارتها الصحفية إيمان الحمود، جرى التأكيد على أن مستقبل الوجود الأمريكي بالعراق مرتبط بشكل وثيق بطبيعة تواجده للمرة الأولى بعد الغزو في العام 2003، والسياسات التي اتبعتها واشنطن طيلة العقدين الماضيين، بغض النظر عن توسع مطالبات بعض الأطراف السياسية برحيل عاجل لقوات التحالف الدولي من العراق أومخاوف أطراف أخرى من هذه الخطوة.

تواجد ملتبس

ورغم اتفاق أغلبية العراقيين حينها، على ضرورة الخلاص من نظام صدام حسين الدكتاتوري، فإنهم، حسب المتحاورين، لم يكونوا جميعاً مطمئنين للأمريكان، لاسيما بعد إن تبنوا سياسة الإحتلال، وإرتكبوا سلسلة من الأخطاء، مستكملين مابدأه صدام حسين، الذي دمّر المجتمع العراقي، وذلك حين قاموا بتدمير أغلب مؤسسات الدولة العراقية، وبشكل أثبتوا فيه افتقادهم لاستراتيجية واضحة لما بعد سقوط الدكتاتورية، واكتفاءهم بالتدمير، وعدم إعارتهم أي اهتمام بمصالح العراقيين. وما اختيارهم لإدارة البلد، شخصاً يجهل كل شيء عنه، بما في ذلك موقعه الجغرافي ولا يفرق بينه وبين أفغانستان، الاّ مصداق على هذا الأمر.

وأشاروا إلى أن الوجود الأمريكي في العراق ومنذ 2003، كان مادة دسمة للشد والجذب بين المكونات السياسية المتصارعة. ورغم خروج تلك القوات في العام 2011 وعودتها ضمن تحالف دولي للقضاء على داعش، فإن العلاقة المرتبكة بين طهران وواشنطن كانت تلقي دوماً بظلالها على هذا التواجد، رغم أن البعض كان يرى فيه حفظاً لموازين القوى في العراق.

العراق المعاقب

وأعرب المتحاورون عن اعتقادهم بأن سياسة واشنطن بقيت ترتكز على فكرة معاقبة البلد الذي خرج عن طاعتها، وليس معاقبة نظامه السابق فقط. وسرت هذه الفكرة لدى الحكومات الاستبدادية في المنطقة، والتي أخافتها الأهداف المعلنة وليست الحقيقية للمشروع الأمريكي، رغم أنها اطمأنت قليلاً الآن، حين تم تطبيق التجربة اللبنانية الفاشلة في تقاسم الحكم بين المكونات، وفي إجراء انتخابات فاشلة وسن دستور مليء بالألغام ولا يُحترم على الأغلب.

وأعرب المتحاورون عن اعتقادهم بأن القوى السياسية التي خلفت المحتلين في حكم البلاد، افتقدت لرؤية واضحة وموحدة، سواء في إدارة العراق او في التعامل مع الأمريكان، وكانت أزمة الثقة بينها أقوى من أي رغبة في العمل المشترك لبناء عراق جديد. وأشاروا إلى أن الولايات المتحدة لم ترتكب خطأً في احتلالها للعراق فقط، بل وحين قررت سحب قواتها من بلد مدمر، دون أن توفر فرص استقراره، مما أوقعه تحت قبضة إرهاب داعش، وكلفه تضحيات كبيرة، بشرية واقتصادية.

أسئلة معقدة

وتساءل المتحاورون عما إذا كان انسحاب الأمريكان الآن فرصة لتجمع العراقيين على ضفة واحدة؟ وهل سيؤدي هذا الإنسحاب لفراغ ما، يدفع بقوى إقليمية لاستغلاله؟ وما هي إمكانيات الدولة التي يعاد بناؤها في مواجهة تعقيدات المشهد؟

ولم تلقِ الإجابات التي طُرحت، الضوء على المستقبل، خاصة مع ما حملته من تفاؤل محدود، حين أعرب المتحاورون عن بقاء الصراع بين واشنطن وطهران في العراق محتدماً، في وقت تبدو فيه الحكومة عاجزة عن المحافظة على حياد البلاد وتجنيبها عملياً مساعي جرها لصراع لا ناقة لها فيه ولا جمل، خاصة في ظل غياب الوحدة بين مراكز القرار المتعددة التي تتحكم بالبلاد.

هل سينسحبون؟

وذكر المتحاورون بأن واشنطن تنظر إلى العراق كجزء مهم من خارطة إسترتيجيتها الأمنية في الشرق الأوسط، ولا تريد أن تخلو هذه الاستراتيجية من هذا الجزء الهام، كما لا تريد أن يُرتهن تواجدها برضا أي طرف اقليمي، يعمل على مشاركتها في التحكم به. ولهذا فقد أخبرت بغداد، وفق الخبراء المتحاورين، بأنها لن تسحب قواتها الاّ على أساس مفاوضات مقنعة لها، وذلك ليتجنب العراق أية أثار سلبية تترتب على خروجها مجبرة من أراضيه.