تستمر القوى المتنفذة في العراق في الاحتكام الى معايير تقود محصلتها الى مآلات تتسم بالفشل غالبا، وتضيع على العراقيين امكانية استثمار فترات الاستقرار النسبي وتنفيذ برامج تنموية ومشاريع تساهم بتوفير خدمات أساسية حرموا منها خلال عقدين كاملين.
واحدة من أبرز صور الفشل، تتمثل بالاستئثار بمناصب الدولة على حساب الكفاءات، إذ تنشغل القوى المتنفذة خلال هذه الفترة، وارتباطا بتشكيل مجالس المحافظات والحديث عن تغيير وزاري محتمل، تنشغل باقتناص المناصب وخلق أجواء مشحونة، للحصول على أوفرها مالا ونفوذا.
ترسيخ المحاصصة
في هذا السياق، يقول عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، الرفيق علي صاحب: ان الكفاءة لم تكن غالباً هي المعيار في اختيار المسؤولين للمناصب المختلفة في الدولة العراقية، مبيناً ان الأشخاص الكفوئين والنزيهين لا يتوافقون مع معايير وتطلعات القوى التي تعمل على التغلغل أكثر في مفاصل الدولة وجعل مؤسساتها غنيمة.
ويضيف صاحب لـ»طريق الشعب»، ان «الجميع يعتقد ان لديه الحق في الحصول على منصب أو مجموعة مناصب باعتباره ممثلا للمكون او فئة محددة من العراقيين»، لافتا إلى انه «بما ان منهج المحاصصة هو السائد فحتى الانتخابات لا تحترم نتائجها، حيث تسعى الكتل المتنفذة، دائما الى عدم احترام إرادة العراقيين والانقلاب على النتائج بشكل يساهم في ترسيخ نظام المحاصصة اكثر، الأمر الذي يفقد العراقيين إمكانية التغييرالمنشود».
ويشير إلى ان «الشخص النزيه والكفوء يغيب غالبا عن حسابات المتحاصصين الماسكين بمقاليد السلطة والمال، لأنه يحمل معيارا غير متوافق مع تطلعاتهم في التغلغل أكثر في جميع مفاصل الدولة وإحكام القبض عليها وتحويلها الى بقرة حلوب»، موضحا ان «هذا النهج يؤدي في النهاية الى فشل المؤسسة التي بنيت وأديرت بشكل غير صحيح ولا نزيه، وبالتالي يؤدي الى تعطل الخدمات أو ضعفها أو التلكؤ في تقديمها للمواطنين، ويزيد من المحسوبية والفساد وينتهي إلى الفشل في إدارة الدولة».
ويرى عضو المكتب السياسي للحزب، ان «المحاصصة رسخت مفهوما لدى القوى المساكة بالسلطة، بان هذه الوزارة أو تلك المؤسسة الحكومية هي عبارة عن مقاطعة تدار الأمور فيها وفق أهواء الكتلة الفلانية، وتسخر جميع مقدراتها لتلك الكتلة باعتبارها غنيمة يجب استنزاف جميع إمكانياتها، وحتى الخدمات في كثير من الأحيان يكون هناك تمييز في تقديمها».
عرقلة عمل مجالس المحافظات
على صعيد متصل، انتقد النائب المستقل وعضو اللجنة القانونية النيابية محمد عنوز، تأخر مجالس المحافظات في تشكيل لجانها، مبينا ان القوى في هذه المجالس تستمر بنهج المحاصصة على حساب الكفاءة ولا تسعى لبناء دولة مؤسسات حقيقية.
ولم تنجح غالبية مجالس المحافظات حتى الآن في تشكيل لجانها، فضلا عن تأخر حسم مناصب المحافظ ورئاسة المجلس في محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين، وهو أمر ينعكس بالسلب على واقع المحافظة، لاسيما وان هذه المجالس انقطعت عن العمل لسنوات طوال بعد اندلاع تظاهرات تشرين في العام 2019 والتي حملتها مسؤولية تردي الواقع الخدمي.
وقال النائب عنوز في تصريح تابعته «طريق الشعب»، إن «حيوية مجالس المحافظات تستمد من حيوية اللجان فيها، واي تأخير سيؤخر عمل المجلس كون هذه اللجان مسؤولة عن تهيئة وتنظيم القرارات»، مبينا ان «مهمة هذه اللجان تقوم على تهيئة المشاريع والقوانين».
وأضاف، ان «التأخير في حسم المحافظين ورؤساء المجالس وكذلك اللجان يعطي انطباعا بان هذه المجالس ما زالت تنتج أعضاء يقعون في شرنقة المحاصصة والتقاطعات وعدم وجود لوحدة موضوع».
وتابع عنوز، أن «ما نراه الآن هو تجاوز القواعد والأسس الخاصة بتوزيع المناصب حسب الكفاءة والاختصاص، وهذا يعني انهم لا يريدون بناء دولة حقيقية ومؤسسات تمثل أبناء المحافظة».