اخر الاخبار

يعد خطاب الكراهية واحداً من أبرز مسببات الكثير من الصراعات التي تعصف بالمجتمع، بعد العام 2003 والى الان، إذ تمّ استخدام هذا الخطاب في ضرب انتفاضة تشرين وشبابها، فانتهجت القوى المتنفذة سياسة خبيثة شيطنت من خلالها المنتفضين في كل الساحات، لتأليب الرأي العام ضدهم: فشلت في بعض المواضع ونجحت في أخرى. وحتى بعد الانتفاضة استمر استخدام هذا الخطاب الذي كان عاملا أساسيا في استهداف الناشطين وأصحاب الرأي والصحفيين المعارضين لمنظومة الحكم والطغمة الفاسدة.

ففي ذات الوقت الذي تفتقر فيه مؤسساتنا الإعلامية خصوصا الرسمية منها  الى الرقابة على المحتوى الاعلامي والإعلاني، تراعى فيه معايير مكافحة هذا الخطاب، أصبحت بصورة او بأخرى تبث خطابات الكراهية والعنف.

لجنة عليا لمواجهته

وأعلنت مستشارية الأمن القومي، الأربعاء الماضي، تشكيل لجنة عليا لمواجهة خطاب الكراهية والتطرف.

وقال المكتب الإعلامي لمستشار الأمن القومي في بيان تلقت “طريق الشعب”، نسخة منه، إن “مستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي، ترأس، اجتماعا للهيئة الوطنية للتنسيق الاستخباري (قادة مجتمع الاستخبارات العراقي)، بحضور أعضاء الهيئة، وتم التباحث بالموضوعات المدرجة على جدول الأعمال واتخذ القرارات والتوصيات اللازمة بشأنها”.

خطاب الكراهية أداة سياسية!

وقال عضو المفوضية لحقوق الانسان السابق د. علي البياتي، ان “مفهوم مكافحة خطاب الكراهية مدني وحضاري مهم يتعلق بالكثير من القضايا، وهذا الخطاب هو ضد المجتمع المدني بكل تأكيد”، مشيرا الى انه “للأسف الشديد لا يزال في العراق يعد موضوعا هامشيا، ونسمع في الخطابات والاعلام والبيانات، لكن لم نرقَ الى مستوى التعامل معه قانونيا ومؤسساتيا من باب حماية المجتمع والاسس الديمقراطية وحقوق الانسان، بمبدأ منع ومكافحة خطاب الكراهية وهو موضوع خطير جدا بكل تأكيد”.

وأضاف البياتي في حديث خصّ به “طريق الشعب”، ان “الكثير من قضايا التمييز واللامساواة تبدأ من خطاب الكراهية، وحتى الابادات الجماعية المعروفة عبر التاريخ، تبدأ بخطاب كراهية وتنتهي الى مجازر، وحتى ممثلية الأمم المتحدة ربطت بين مفهوم خطاب الكراهية والابادة الجماعية، لكون هذا الخطاب هو البداية للمجازر التي ممكن ان تتبعه”.

وأوضح البياتي قائلا: ان “العراق بكل تأكيد دستوره غني بهذه المفاهيم التي تكافح خطاب الكراهية، باعتبار ان مواد الدستور تحدثت عن منع التمييز على أساس الدين والعرق واللون والجنس والخ ودعت الى المساواة”، لافتا الى ان “وجود خطاب الكراهية هو ضد مبادئ الدستور، والعراق عضو ضمن اتفاقية مناهضة التمييز بكل اشكاله، وأيضا مناهضة التمييز ضد المرأة، والكثير من الاتفاقيات فيها مبادئ مكافحة خطاب الكراهية”.

وعن مدى تأثير هذا الخطاب قال البياتي انه “أداة سياسية تستخدم إعلاميا ولتوجيه التهم ضد بعض المجاميع الشبابية او المدنية وحتى السياسية التي تحاول الاستفادة من فضاء الحرية والحقوق في العراق، فتتم تسميتهم بخطاب الكراهية إعلاميا وفي الراي العام، ومن ثم استهدافهم لنزع الحرية عنهم، وبالتالي نزع امكانية تغيير الوضع المأساوي في العراق”.

لعنة

من جانبه، قال الصحفي والمدون محمود النجار ان “خطاب الكراهية يعتبر من أسوأ الخطابات التي يتم نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية التابعة للقوى المتنفذة التي تمتلك أذرعا مسلحة، تتحكم بالإعلام العراقي عبر فضائيات وجيوش الكترونية، تمرر خطابها من خلال الهاشتاكات والترندات”.

وأضاف النجار لـ”طريق الشعب”، ان تلك القوى تحاول شيطنة كل من يعترض على أداء قوى السلطة المتنفذة المتورطة بملفات فساد، او التي تمتلك اجنحة مسلحة، وتحاول جعل قوة البندقية والرصاص، فوق القضاء والقانون والدولة”.

ولاحظ النجار، ان “خطاب الكراهية بدأ يتصاعد للأسف الشديد”.

ووصف المدوّن هذا الخطاب بأنه “لعنة على المجتمع العراقي”، محذرا من أنه “يؤدي الى اقتتال ينتقل من الاعلام الى الشارع”.

وعدّ النجار خطاب الكراهية أنه “واحد من أبرز معوقات بناء الديمقراطية، ويعتبر أحد أكبر التحديات في سبيل تطوير الديمقراطية، وحرية التعبير في المجتمع العراقي، وذلك لأنه يتنافى مع الحريات والثقافات المتنوعة”، طالما ساهم في تأجيج الطائفية في الأعوام 2005 و2006 و2007، وهو ما أدى الى ان تكون هناك مشاكل في المناطق المتنازع عليها، بحسب المتحدث.

أرقام ونسب

وكانت مؤسسة (مسارات) قد أعلنت مؤخرا، عن نسب مواجهة خطابات الكراهية في العراق، للأعوام الخمسة الماضية (2017 - 2021).

وأوضحت الرسوم التي نشرتها المؤسسة في تقرير لها أن “نسب مواجهة خطابات الكراهية في تناسب طردي مع تصاعد خطابات الكراهية، إذ وصلت نسبتها الأعلى في العام 2021”.

أما بالنسبة لمستوى مناعة الجمهور ومواجهته لخطابات الكراهية، فهو في تصاعد مستمر، حيث وصلت نسبة مؤيدي خطابات الكراهية عام 2018 أقصاها، لكنها تساوت مع نسبة الرافضين في الأعوام 2020 - 2021 على التوالي، الأمر الذي يعد مؤشراً إيجابياً يعكس ارتفاع مستوى وعي الجمهور في مواجهة خطابات الكراهية.

وشهدت السنوات 2019 - 2020، وفقاً للتقرير، انحسارا بسبب الاحتجاجات الجماهيرية وقيود كورونا، لكنها عادت للارتفاع عام 2021.

وحدد التقرير الفئات التي تم استهدافها في الانشطة لمواجهة خطابات الكراهية، والتي استهدفت بنسبة أكبر وهي (المدونين ومن ثم الناشطين المدنيين ثم الإعلاميين، والفئتين الاخيرتين تمثلت بالنخب الأكاديمية ورجال الدين، الأمر الذي يعكس أهمية استهداف الفئة الأولى كون منصات التواصل الاجتماعي مثلت المنصات التي انطلقت منها غالبية خطابات الكراهية المستخدمة من قبل جميع الفئات التي تم استهدافها”.

وسيلة للقمع

 الى ذلك، تعتقد الناشطة المدنية ايناس جبار ان “خطاب الكراهية اليوم يلعب دورا على مستوى تجاوز فيه مرحلة ان يكون مجرد خطاب، وبدأ يأخذ مديات ابعد، ويكون سببا في اعتقال الناس او قتلهم، وليس مجرد كلام يمكن ان يؤخذ به او لا، بل لدينا اليوم ضحايا بسبب هذا الخطاب”.

وافصحت في حديثها لـ”طريق الشعب”، قائلة: “اننا بحاجة الى وقفة جادة وحقيقية من الجميع لمكافحة هذا الموضوع، وان توضع ضوابط على كل من يتحدث بهذا الخطاب، ونلاحظ اليوم عندما يتصاعد خطاب الكراهية ضد فئة معينة يتبع ذلك تعرضها للتهديد والمضايقة، ونحن ليس لدينا اطر قانونية عالجت من يتناول هذا الخطاب بشكل واضح وصريح، واعتقد حتى في الدستور لا توجد مفردة تنص على منع خطاب الكراهية”.

وبيّن الناشطة ان خطاب الكراهية “يتم استغلاله كوسيلة لقمع الناشطين واصحاب الرأي وتسقيطهم، ونحن كناشطين تعرضنا ولا زلنا للكثير من عمليات التشهير والتسقيط والتهديد، كوسيلة من السلطة لتقييدنا ونصبح مستهدفين من قبل المجتمع”.

رقابة لا قمع للحريات

وعلى صعيد ذي صلة، قال الناشط حسن المياحي ان “العراق بعد العام 2003 وبالتزامن مع الانفتاح على العالم ودخول التكنولوجيا للبلاد، وارتياد مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الناس، أصبح من السهل تصدير خطاب الكراهية، واليوم اي فرد ينتقد في مجال السياسة او اي حالة سلبية في المجتمع، يتم التصدي له بواسطة خطاب الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويصل الكثير من الحالات الى القتل بسبب الاستخدام السيئ لمواقع التواصل”. ويرى الناشط في حديثه لـ “طريق الشعب”، ان خطاب الكراهية “اوصلنا الى مرحلة يخسر فيها الانسان حياته، فمن المفترض ان تكون هناك رقابة جدية من قبل الجهات المعنية بالشأن، ودورات للتوعية تنظمها منظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان، لان خطاب الكراهية بدأ يأخذ ابعادا اخرى وحيزا أكبر، وهنا يجب التصدي له”.

ودعا حسن في مناسبة اليوم العالمي لخطاب الكراهية إلى “نبذ الحقد والكراهية ونتمنى ان يكون عراقنا خاليا من هذه الخطابات، وان تكون هناك رقابة حقيقية جادة على من يحاول تصدير أي خطاب ينخر المجتمع ويقسمه ويذهب ضحيته أناس أبرياء”.

عرض مقالات: