اخر الاخبار

تشنّ منصات الكترونية يديرها فاسدون وجهات مسلحة، هجمات تحريضية متواصلة تستهدف الناشطين والمتظاهرين والصحفيين. وغالبا ما تدعو هذه الأدوات التي تدافع عن المحاصصة والفساد، إلى تصفية المعارضين بطرق مباشرة أو غير مباشرة، بينما تصف كل من يتكلم بضميره الوطني أو الإنساني، بأنه عميل لجهات خارجية.

ويؤكد ناشطون أن هذه الوسائل الصحفية والإعلامية الصفراء تمارس سياسة التمهيد للقتل، أو تبرر له وللعنف الذي تنفذه أذرع سياسية مسلحة كما حدث في انتفاضة تشرين، لتشكل بذلك قوة اجرامية علنية تدعو إلى قمع حرية التعبير، وتهرب في كل مرة من الملاحقة القانونية.

منصات للفتنة والقتل

لعلّ أبرز مثال يمكن استذكاره عن الدور الدموي لهذه المنصات الإلكترونية، هو الحملة الشعواء التي انطلقت قبل عامين، ومهّدت لقتل الناشطة المعروفة في محافظة البصرة، طبيبة التغذية ريهام يعقوب، وهي أحد الوجوه الشبابية البارزة في الحركة الاحتجاجية.

وبدأت هذه المنصات حملة تحريض ضد الطبيبة الشابة، ونشرت لها صورا من نشاطاتها المدنية ولقاءاتها سواء بمنظمات أو قنصليات رسمية داخل البصرة، وقالت أنها عميلة لجهات أجنبية، بينما قامت قنوات فضائية بنفس المهمة، لتُقتل “ريهام” بعد أيام قليلة، وينجو المحرضون من العقاب.

ويقول الناشط حسن المياحي: إن أغلب الصفحات والمنصات التي تستهدف الناشطين تابعة لأحزاب متنفذة وفاسدة، تقوم بعمليات التسقيط وتتهم الناس بالعمالة وتحرض على قتلهم من خلال أكاذيب معيبة، واتهامات باطلة.

ويوضح المياحي خلال حديثه مع “طريق الشعب”، أن الدولة “ضعيفة وهشّة، ويظهر ذلك من خلال وقوع مؤسسات الدولة بيد الأحزاب والجهات المتنفذة الماسكة للسلطة. وبما أن الدولة ضعيفة، فلن يقدر أحد على محاسبة أصحاب هذه الجرائم التي يحاسب القانون مرتكبيها بشدة”.

ويبيّن الناشط أن “القوات الأمنية تحقق نجاحات كبيرة على صعيد ملاحقة وكشف المتورطين بعمليات الخطف والابتزاز مثلا، لكنها تبقى عاجزة أمام جرائم التحريض والدعوات إلى القتل التي تمارسها المنصات الإلكترونية التابعة للقوى المتنفذة. السبب واضح، لأن المؤسسة الأمنية مخترقة ولا تقدر على مواجهة هذه المنصات والصفحات الممولة والمسنودة رغم توفر التقنيات الكافية للكشف عن مدرائها والذين يقفون خلفها”، مذكّرا بما جرى للناشطة ريهام يعقوب وغيرها من الذين “قتلهم التحريض والإفلات الدائم من العقاب”.

وعلى غرار ما جرى مع ريهام، فالتحريض لعب دورا قبل اغتيال شهداء مثل، أيهاب الوزني، أمجد الدهامات، سارة طالب وزوجها حسين عادل، وغيرهم كثر.

ودعا المياحي إلى “تمكين القوات الأمنية لحماية المواطنين. هناك منصات الكترونية تحمل صور قادة كبار لميليشيات معروفة، تعمل على التسقيط والتحريض وهناك من استشهد بسببها ولا أحد يوقف أو يحاسب ما يجري”، مردفا “سنبقى نطالب بملاحقة أصحاب هذه الصفحات ومن يقف خلفها، ولن نتراجع عن هذا المطلب”.

ومع اقتراب الذكرى الثالثة لانتفاضة تشرين، زادت هذه المنصات خلال الأيام الماضية من عملياتها التحريضية ضد الناشطين، فيما قابلها الكثير بالتحدي والإصرار على المضي بالتغيير ومحاسبة كل قتلة المتظاهرين.

وإضافة إلى التحريض على القتل والعنف وقمع حرية التعبير، تمارس هذه المنصات والصفحات دورا خطرا بتأجيج الأوضاع السياسية والأمنية، والفتنة الطائفية بين المواطنين.

ويقول ناشطون، إن هذه الأدوات تسوق شائعات باطلة ضدهم، وتسيء كثيرا إلى سمعتهم وبما أنها مؤثرة ولها حضور، فيتضرر الكثير منها لعدم معرفة الناس التفريق بين الأخبار الكاذبة والصحيحة.

للصحفيين نصيبهم 

أما الصحفي محمود النجار، فيرى أن العاملين في مجال الصحافة يتعرضون باستمرار إلى التسقيط والتحريض وتشويه السمعة باتهامات تعرضهم إلى ضرر كبير، قد يصل لمستوى القتل.

ويشدد النجار في حديثه لـ”طريق الشعب”، على “الدور الخطير الذي تلعبه قنوات تطبيق (تلكرام) فهي تضم مئات آلاف المتابعين وترمي التهم دون حسيب ولا رقيب، بينما صفحات على مواقع (فيسبوك) و (تويتر) تمارس الدور نفسه، بعيدا عن اعين السلطات الرقابية”، مبينا أن “الفصائل المسلحة تملك الكثير منها، وتحاول اسكات الصحفيين عندما يدافعون عن قضايا كبيرة مثل الكشف عن ملفات الفساد، او انتهاكات حقوق الانسان مثل التهجير والعنف الأسري والأمور الحساسة”.

ويتابع قائلا: “نشطت هذه الصفحات والقنوات بشكل كبير مع انطلاق شرارة انتفاضة تشرين، وهي مستمرة حتى الآن، ويتم ـ من خلال توجيهاتها او تحريضها ـ الهجوم على بعض المؤسسات الاعلامية وتحطيم معداتها والاعتداء على كوادرها كما حصل في مرات عدة، وهذا السلوك يمثل سياسة الدولة العميقة التي يديرها الفساد، بينما لا تقوم هيئة الاعلام والاتصالات، ونقابة الصحفيين ولا الحكومة والبرلمان بوضع حل لازم لهذا السلوك الذي يستهدف بشكل مباشر حرية التعبير”.

ويلفت النجار إلى أن “منظمات غير حكومية عملت بشكل أفضل من جهات حكومية معنية ونقابة الصحفيين، من خلال رصدها الانتهاكات، مثلما فعلت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة”، مؤكدا وجود “إذاعات تمارس دور المنصات والصفحات والقنوات الفضائية، وتحرض أيضا، وبذلك يشكّل التحريض منظومة اعلامية متكاملة ومدعومة وممولة ومحمية سياسيا”، داعيا إلى “تفعيل قوانين موجودة مثل قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ المعدل. فالمادة رقم ٢٠٠ فيه تنص على (عقوبة السجن بمدة لا تزيد على سبع سنوات لكل من يروج ما يثير النعرات المذهبية او الطائفية أو حرض على النزاع بين الطوائف والأجناس أو آثار شعور الكراهية والبغضاء). لكن القوانين ما زالت حبرا على ورق، وهذا يوضح عدم مبالاة الحكومة والجهات القضائية تجاه هذه الانتهاكات”.

ونوه بضرورة أن تتكاتف وتتوحد الجهود الحقوقية والصحفية وان تكون لديها مراصد لرصد الانتهاكات والتشويه والتحريض، وان يكون لها موقف قانوني واضح وصريح ومشترك لمواجهة هذه السلوكيات الاجرامية.

عرض مقالات: