اخر الاخبار

على وقع غياب مؤشرات البيئة الآمنة والتشريعات اللازمة لحماية وتعزيز العمل الصحفي، تأتي قضية عدم الحصول على المعلومة كواحدة من أبرز التحديات التي تواجه الصحفيين والعاملين، الذين يضعون أيديهم على محاولات السلطات تمرير قوانين رجعية، تقوض حرية التعبير، لتحمي كبار الفاسدين، وتوفر لهم الأجواء لمناسبة للمضي قدما في صفقاتهم.

صعوبة الوصول إلى المعلومات

يقول مصطفى ناصر، رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، لا توجد إمكانية لوصول الصحفيين إلى المعلومات التي يفترض ان تكون متاحة لهم وللمواطنين. وإن توفرها وسهولة الحصول عليها يمثل “مؤشرا من مؤشرات الشفافية والعدالة، وهو حق دستوري صريح”.

وخلال حديثه مع “طريق الشعب”، يبين ناصر أن أبرز ما يواجه الصحفيين في العراق هو “شحّ المعلومات”. حيث يعتمد الصحفي بالعادة على علاقاته، ويضطر في معظم الاحيان إلى “التمسك بتلك المصادر مقابل عدم كشف هوياتها. كذلك يلعب الصراع السياسي أحيانا دورا في إفشاء بعض المعلومات والتسريبات للوثائق، لكن هذا غير كاف وليس هو الطموح”.

ويلفت ناصر إلى أن السياسيين المتنفذين يتعمدون “تجاوز الاستحقاقات الدستورية، ويعرقلون فرص خلق بيئة قانونية سليمة تنظم العمل الصحفي استنادا الى الدستور. فمثل هذا المبدأ لا يخدم الطبقة السياسية التي تحاول ان تبقي المعلومات سرية، بالنظر الى تورط العديد من الجهات المتنفذة داخل وخارج السلطة في عمليات فساد وجرائم متنوعة”.

ويعد الفساد في العراق منظومة متكاملة تدير مشاريع هائلة لسرقة وهدر الأموال وتبييضها والقيام بالكثير من العمليات الاجرامية. ولا يقدر الصحفيون على الوصول إلى الكثير من المعلومات للكشف عن الحقائق. ومنذ انتفاضة تشرين عام 2019، زادت قوى السلطة من عمليات الترهيب والمطاردة للصحفيين الذين استشهد بعضهم أثناء الواجب أو في عمليات اغتيال كما حصل لأحمد عبد الصمد وزميله صفاء غالي، ومن قبلهم المصور الذي تلقى رصاصة قناص في ساحة التحرير وغيرهم كثيرون.

بينما يقول نقيب الصحفيين ان حوالي 500 صحفي استشهد منذ عام 2003 وحتى الآن.

ويقول تقرير لمنظمة “مراسلون بلا حدود”: إن العراق “احتل المرتبة 172 بين 180 دولة، بخصوص حرية الصحافة العالمية”.

نماذج عديدة لمعاناة الصحفيين

وخلال الفترة الماضية، تعرض عدد من الصحفيين ضمن سلسلة الانتهاكات المتواصلة، إلى حالات اعتداء او حجز أثناء عملهم.

فبسبب دعويين قضائيتين، جرى حبس “بشدار ابو بكر بازياني” مراسل مؤسسة “ديبلوماتيك الاعلامية” داخل سجن سرجنار في السليمانية دون إثبات التهم بعدما اصدر قاضي محكمة تحقيق السليمانية حكما بحبسه لمدة عشرة ايام على ذمة التحقيق، اثر دعويين قضائيتين، أقامهما ضده رئيس بلدية السليمانية، واحد المستثمرين، لتناوله ملف فساد متعلق ببيع أراض عامة في السليمانية. ومنعت القوات الأمنية في كركوك عددا من الصحفيين الذين أرادوا توثيق أضرار القصف الإيراني قبل أيام، فيما أقدمت على تحطيم معداتهم. وطال المنع قناتي “كركوك وكوردسان نيوز” من تغطية صور الدمار التي لحقت بناحية ألتون كوبري جراء الضربات الايرانية المتوالية.

وفي النجف، اعتدى موظفو شركة مقاولات بالضرب على مصوري قناة دجلة اثناء اداء مهامهم ومحاولتهم توثيق مراحل تنفيذ المجسرات في المحافظة.

كما قامت عناصر امنية تابعة لقوات (سوات النجف) باحتجاز مراسل صحيفة “المستقل” اثناء نقله صور الزحامات المروية والمعاناة التي تواجه الزائرين للوصول الى محافظة النجف.

وأقدمت العناصر على سحب هاتف المراسل بالقوة وانهالت عليه بالسب والشتم.

المشرّع العراقي يتلاعب بالنصوص

وبالعودة إلى مصطفى ناصر، رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، فإن “قانون حق الوصول الى المعلومات او حق الحصول عليها هو استحقاق دستوري، يفترض بالمشرّع العراقي ان يوليه اهمية قصوى، لكنه يحاول ان يغيبه تارة، ويسفهه تارة اخرى، كما جرى في كتابته مقترح قانون ما يسمى بحرية التعبير والتظاهر، حين وضع فقرة اختيارية قال انها تمثل حق الوصول الى المعلومة والحقيقة انها تخير الوزارات بين نشر المعلومات أو التحفظ عليها”.

ويوضح ناصر لـ”طريق الشعب”، أن جمعية الدفاع عن حرية الصحافة اطلقت حملة لجمع تواقيع الصحفيين، شارك فيها مئات الزملاء “وهي رسالة مفتوحة موجهة الى السلطات الثلاث، لتذكيرهم بالاستحقاق الدستوري القانوني لأصحاب الرأي اولا، ولدفع المشرّع العراقي والجهات المختصة في السلطة التنفيذية الى الالتفات لاهمية هذا القانون الذي غيبته السلطة التشريعية طوال السنوات الماضية”، مضيفا “تسعى الجمعية الى التفاوض مع الجهات التنفيذية المختصة من اجل اعداد مسودة مشروع قانون، يكون اطرافها اصحاب المصلحة المباشرة من الصحفيين والكتاب والمدونين، لرفع التحديات الاساسية التي تواجه جميع الصحفيين في العراق والمتمثلة بشحة المعلومات وتهديده بالقوانين الموروثة من الحقبة الدكتاتورية التي تتناقض مع الدستور، فيجد الصحفي نفسه بعد نشره معلومات حصل عليها بطرق خاصة، امام دعوى او دعاوى قضائية تتهمه بالتشهير والافتراء على المسؤولين”.

مخاطر غير مسبوقة

وضمن بيان أصدره اتحاد حرية الصحافة، فإن ما تشهده البلاد من صراعات وصل الى مرحلة تعد الاخطر منذ 2003.

وأكد الاتحاد سعيه للعمل على “تشريع قانون (حق الحصول على المعلومة)” استنادا الى الحقوق والحريات التي نص عليها الدستور.

وأضاف البيان: “للأهمية التي يشكلها (حق الحصول على المعلومات) في تعميق الديمقراطية قيما ومبادئ وممارسة، فان اتحاد حرية الصحافة يؤكد حاجة البلد في الوقت الحالي، أكثر من أي وقت مضى الى تشريع القانون، وإشراك جميع أصحاب الخبرة في كتابة مسودته وصياغتها، لا سيما وان المجتمع الدولي فقد ثقته بالغالبية العظمى من الطبقة السياسية في العراق، وبات يُنظر لها كجماعات تمتهن الحكم السلطوي لا الديمقراطي الشفاف”.

عرض مقالات: