اخر الاخبار

خلال يومين ربما قد تنطوي صفحة أخرى من المعاناة مع حكومة المحاصصة المنتهية ولايتها، ففي صفحة حكومة رئيس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي، تم تدوين الكثير من الملفات التي لم يجر حسمها، ووعود أطلقت ولم تنفذ؛ إذ لا يزال قتلة منتفضي تشرين خارج القضبان يسرحون ويمرحون، ولم يتم الكشف عن مصير الناشطين المغيبين، بالتزامن مع الذكرى السنوية الثالثة لعودة الشباب المنتفض الى الساحات في 25 تشرين الأول 2019. كما لم تتحرك عجلة الاقتصاد، بل ان الصعوبات المعيشية ازدادت وأثقلت كاهل الفقراء والكادحين.

تهديد وابتزاز

وإبان تسنم الكاظمي لرئاسة الحكومة طل على الشعب العراقي ببيان متلفز وكلمة طويلة الزم نفسه فيها بجملة من الوعود التي ـ في واقع الحال ـ لم يف الا بالقليل منها.

وفي جلسة مجلس الوزراء، الثلاثاء قبل الماضي، تطرق الكاظمي الى قضايا الفساد قائلا: “منذ اللحظة الأولى كانت لدينا رؤية لإصلاح وزارة المالية، التي تبناها الوزير السابق، وقدمنا مجموعة من مشاريع الإصلاح، وكانت تجابه باعتراضات شديدة من قبل برلمانيين وكتل سياسية لمنع الإصلاح في وزارة المالية”.

وأكد الكاظمي أن “البعض يحاول أن يعرقل أي نجاح”.

واشر الكاظمي في تصريحه، الى انه لم يستطع تسمية وزراء حكومته بسبب تدخلات قوى المحاصصة في ذلك، وان الملفات التي لديه قد تحدث زلزالاً!

فترة سوداء

وفي الجانب السياسي، يقول القيادي في حركة نازل اخذ حقي الديمقراطية خالد وليد، ان “اهم تحد كان امام حكومة الكاظمي هو الانتخابات وهي بدل ان تكون انتخابات مبكرة، تم تأجيلها ولم تكن في ظروف مواتية”.

وعلى صعيد السياسة الخارجية قال في حديثه لـ”طريق الشعب”، انه “لم يكن للحكومة أي دور فعال يضمن سيادة العراق وحماية أمن حدوده، عقب الانتهاكات التي طالت اقليم كردستان من دول الجوار”.

وعلى المستوى التحرك الداخلي اوضح وليد ان الحكومة “لم تكن مرآة لتطلعات الشباب”، ولفت الى انها “في لحظة ما عندما تنازعت اطراف السلطة وجدنا ان الحكومة حاولت ان تنأى بنفسها عن هذا الصراع، وكان يجب ان تكون هناك محاولة لضبط السلاح المنفلت والسيطرة على الاوضاع بطريقة اخرى، وان يكون للقرار السياسي للحكومة دور للضغط على اطراف الصراع”.

وفي السياق، قيّم الخبير السياسي والاكاديمي داود سلمان حكومة السيد الكاظمي بانها “اخفقت في الكثير من المجالات، وخصوصا فيما يخص محاسبة قتلة المتظاهرين والفاسدين”، مردفا أنها “نجحت في إنجاز الانتخابات المبكرة، لكن في الواقع أنها تأخرت كثيرا بما يقارب السنة ونصف السنة، وهذا جانب سلبي”.

ويضيف قائلا: ان الكاظمي كثير الوعود لكنه قليل التنفيذ.

ويصف سلمان في حديثه لـ”طريق الشعب”، الكاظمي بأنه كان “ناجحا في اقامة العلاقات مع مصر والاردن، لكنها لم تفد الشعب العراقي، وازدادت في ولايته مدخولات البنك المركزي من العملات، بينما ارهق المواطن ولم يستفد منها خصوصا بعد تغيير سعر الصرف”. 

واردف قائلا ان الكاظمي “لم يكن موفقا سياسيا، وهو يقول انه لا يريد صدامات بين ابناء الشعب ومكوناته، وكان بالإمكان ان يواجه هذه الارهاصات كونه اتى بعد انتفاضة شعبية كبيرة”. ويصف المحلل السياسي فترة حكومة الكاظمي بأنها “سوداء”.

بلا سيادة

في الجانب الأمني، فإن حكومة الكاظمي وعلى الرغم من وجود مؤشرات إيجابية في ما يتعلق بتسليح الجيش وغيره، الا انها كانت ضعيفة في جوانب كثيرة منها حماية الناشطين والصحفيين الذين تم اغتيالهم، إضافة لعجزها عن الرد بشكل يرتقي الى حجم انتهاكات دول الجوار للسيادة العراقية.

ويقول الخبير الأمني عماد علو ان الحكومة بذلت جهودا “لتقوية الجيش وتعزيز القدرات التسليحية للقوات المسلحة العراقية من خلال التعاقد على أسلحة ومنظومات، خصوصا بما يتعلق بالدفاع الجوي والقوة الجوية”.

ويضيف في حديث خصّ به “طريق الشعب”، الى ان تقييم القوات المسلحة العراقية “ارتفع عالميا الى المستوى 38 في تقييم جيوش العالم، بينما كان سابقا 51، وهذا التقييم جيد بالنسبة لأداء المؤسسة العسكرية التي كان لها دور فعال في محاربة الإرهاب وتحقيق الانتصارات وتمكنت من القيام بواجباتها”.

ويزيد ان سياسة الحكومة العسكرية “حافظت على حيادية المؤسسة العسكرية، اذ انها لم تتدخل بالسياسة، ولم يتم استخدامها لأغراض سياسية”.

وفي المقابل أكد ناشطون زج القوات الامنية في ملاحقة الاحتجاجات وهو ما يبتعد عن التوجيهات التي يصدرها القائد العام للقوات المسلحة وهذه تعتبر نقطة سلبية عليه.

وعلى الجانب الآخر، أشر الخبير وجود سلبيات في أداء الحكومة على الصعيد الأمني، قائلا: لم يكن هناك تنسيق فعال للتصدي لانتهاكات صدرت من تركيا وإيران باستخدام أسلحتهم وقواتهم في الداخل العراقي. ولم يكن هناك تنسيق بالمستوى المطلوب بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية.

وعزا علو سبب غياب دور قوات الامن في المواجهات المسلحة بين المليشيات الى “اننا حتى الان لا نمتلك قيادة عامة للقوات المسلحة تستطيع توحيد القرار الأمني والعسكري، وبالتالي هنالك تداخل في ساحات العمل والصلاحيات لاستخدام الأجهزة المسلحة والقوات الأمنية في فرض الأمن والاستقرار”.

ولفت الى ان” الأحزاب السياسية الموجودة في السلطة لديها اجنحة عسكرية مسلحة، وهنا يجب ان نستخدم مصطلح نزع السلاح لا حصره، وقد طبق هذا المفهوم في العديد من الدول بإشراف الأمم المتحدة، وفق برامج معينة وأساليب لنزع السلاح”.

ورهن الخبير الامني اجراءات هذه العلمية بعدد من الخطوات: “ من خلال إصدار قوانين وتشريعات وتطبيق قانون الأحزاب والعديد من الوسائل الأخرى، لغرض نزع السلاح من الاجنحة العسكرية للقوى السياسية الفاعلة بالساحة، وتفعيل دور القوات الأمنية للقضاء على مجاميع الجريمة المنظمة”.

وأكد أنه “برغم امتلاكنا كل القدرات والامكانيات والموارد البشرية لكن تعدد القيادات والولاءات، يؤدي الى شلل القدرات العسكرية وتوظيفها للاستخدام في المكان والوقت المناسب، وعدم الوضوح في ضبط الوضع الأمني سببه تعدد القيادات وعدم وجود قيادة موحدة”.

اخفاق اقتصادي

وفي الجانب الاقتصادي كان لسياسة حكومة الكاظمي انعكاسات سلبية على المواطنين من ذوي الدخول المحدودة، نتيجة لتغيير سعر الصرف وغيره وموضوع الورقة البيضاء، اذ ان الحكومة فشلت في التخفيف عن كاهل المواطن البسيط وتجنيبه مالات سياستها الاقتصادية. كما أنها عجزت عن مكافحة الفساد برغم تعهد الكاظمي ابان تسنمه منصب رئاسة الوزراء بذلك.

ويقول الخبير الاقتصادي د. عبد الرحمن المشهداني انه “لم يتم اتخاذ أي اجراء اقتصادي، سوى تغيير سعر الصرف ولا يوجد اكثر من هذا، واذا اردنا ان نتناول حملة الكمارك التي قادها السيد الكاظمي بما يخص الكمارك، فأنها لم تقضي على الفساد وبقي مستشري”.

واضاف في حديث خص به “طريق الشعب”، انه “ لم يحل المشكلة مع اقليم كردستان، كون التنسيق بمسألة الكمارك من المفترض ان يكون مع حكومة الاقليم، لكن الحقيقة عكس التصريحات الايجابية ولا تزال حكومة الاقليم تأخذ رسوم الكمارك بالنسبة التي تحددها ـ5 في المائةـ ،وهي اقل من النسبة التي تدفع في المنافذ الحدودية الاخرى”.

واشار الخبير الى اتخاذ الحكومة السابقة “ جملة من الاجراءات التي قللت فيها الاستيراد، بحجة دعم وحماية الصناعة المحلية والزراعة، وهذه القرارات تخص وزارة الزراعة بما يتعلق بالدواجن والبيض، وبأول صدمة الغيت التعرفة الكمركية والقيود المفروضة على الاستيراد وهذا فشل ذريع”.

وفيما يخص سعر الصرف اوضح المشهداني انه “تم تحقيق ايرادات للموازنة العامة و لم يتم استثماره، ففي العام 2021 عندما تم تغيير سعر الصرف، كان اجمالي المبالغ المتحققة وفق ما عرض الممثل القانوني لمحافظ البنك المركزي 8 ترليون دينار”، ولفت الى انه “بقدر ما حقق ايرادات للموازنة العامة لم تتم معالجة الاثار الاجتماعية وواحدة من اهم الاثار السلبية الناجمة عن تغيير سعر الصرف هو زيادة اعداد العاطلين عن العمل والفقراء”.

كان من ضمن المشروع  ان يُوجه قسم من الموارد المتحققة نتيجة تغيير سعر الصرف الى دعم الطبقات الفقيرة وشبكة الحماية الاجتماعية وتعزيز مفردات الحصة التموينية ولم يتحقق من هذا شيء، بحجة عدم امتلاك الحكومة للصلاحيات  والحاجة الى تشريع برلماني وهذا غير صحيح”.

واكد على ان الحكومة “ لو كانت تصريف اعمال او اصيلة فهي مسؤولة  عن امن المواطن  وواقعه وحمايته وواقعه الاقتصادي وعنايته، وهذه مهمة كلاسيكية لأي حكومة، والدليل على اخفاق الحكومة هو ان نسبة الانجاز للبرنامج الحكومي هي 17 في المائة بتقييم البرلمان السابق”.

ويصف المشهداني الاداء الحكومي بما يخص الاقتصاد “بالفشل الاقتصادي”، “وهذا الاخفاق والتخبط سببه الحقيقي هو تسنم المناصب المعنية بالشأن الاقتصادي، لأشخاص من ضمنهم وزير المالية السابق هم ليسوا اختصاص ولا من صلب المؤسسة، واختيار الاشخاص على اساس المحاصصة وعدم الكفاءة هو بهدف تلبية متطلباتهم ومصالحهم”.

فضيحتان كبيرتان

ويؤشر الخبير الاقتصادي جليل اللامي، عددا من المعرقلات التي تقف في طريق إمكانية تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية في البلاد؛ اولها الورقة البيضاء حيث لم تقدم هذه الورقة معالجات مجدية بما يتعلق بكيفية مكافحة الفساد أو إنهاء سطوة الأحزاب والميليشيات على مؤسسات الدولة، فضلاً عن عدم فهمها للمتغيرات الاقتصادية التي طرأت على البلاد.

وأضاف في حديثه لـ”طريق الشعب”، ان الحكومة “لم تكن بمستوى التأسيس لخطط اقتصادية سليمة، لان الامر يتطلب في البداية فهماً للمتغيرات الكبيرة التي طرأت على الاقتصاد العراقي خلال السنوات الماضية ومعالجتها، وبالنسبة للإصلاح المالي فانه فلم يكن بالقدرة الكافية على مكافحة الفساد، باعتباره أحد أبرز الملفات الحساسة في الاقتصاد”.

وأوضح ان الفساد اتسع في العراق بسبب جملة من المعطيات، منها ذات طابع قانوني، تتعلَق بنظام السياسات العامة القائمة في العراق في ما بعد عام (2003) وأخرى ترتبط بضعف نظام الرقابة.

وخلص الى ان فترة رئاسة الحكومة الحالية “ستنتهي بفضيحتين كبيرتين على الجانب المالي وترتبط الفضيحتان بمصرف واحد هو مصرف الرافدين؛ كانت الأولى تخص عقدا وقعه المصرف ويلزمه بدفع تعويضات تقدر بـ(600) مليون دولار لشركة بوابة عشتار لخدمات الدفع المالي، والثانية تتعلق باختفاء مبلغ (2.5) مليار دولار من حسابات الهيئة العامة للضرائب المودعة لدى المصرف ذاته”.

حكومة اقوال لا افعال

وفي ما يخص ملف انتفاضة تشرين فإن وعود رئيس الوزراء المنتهية ولايته، بحسب مراقبين.

يقول الناشط مرتضى علي ان “ السيد الكاظمي تعهد والزم نفسه بالكثير من الالتزامات التي تخص الانتفاضة ومطالبها، لكننا لم نشهد أي تطبيق فعلي للوعود التي أطلقها؛ فلم يتم الكشف عن قتلة المتظاهرين او التحرك بخطوات جادة في هذا الملف”.

وأردف قائلا لـ”طريق الشعب”، انه “بعد انتهاء عمر حكومة الكاظمي، لم يتم حسم الكثير من ملفات انتفاضة تشرين، منها محاسبة القتلة والجهات التي تحميهم، وكذلك الكشف عن مصير المغيبين من الناشطين لذلك يمكن ان نسميها حكومة اقوال لا أفعال، وهي فشلت على مختلف الأصعدة ليس في هذا الجانب فقط”.

غياب الإرادة

وفيما يتعلق بمكافحة السلاح المنفلت قال الناشط الحقوقي زين العابدين حسين: ان “السلاح المنفلت أثر بشكل سلبي على العملية السياسية واستقرارها، وهذا ما نلاحظه في الشارع وانعكاساته، خصوصا في الآونة الأخيرة حيث شهدنا مواجهات مسلحة بين أطراف سياسية استخدمت السلاح، ولم تتوان عن تعريض حياة الناس للخطر”.

واوضح في حديثه لـ “طريق الشعب، انه “ما لم تكن هناك إرادة حقيقية لحصر السلاح بيد الدولة، فلن يتحقق شيء، فعندما تكون الدولة قوية وهنالك إرادة لغرض معين فانه يحدث وان علت الأصوات، ونلاحظ ان الزعامات السياسية تطالب بحصر السلاح بيد الدولة لكنهم في واقع الحال يمتلكون مجاميع مسلحة خارج إطار الدولة”.

واكد ان “ضعف الحكومة هو سبب في استمرار المظاهر المسلحة، فلا بد ان يكون هذا السلاح المنفلت ضمن إطار المؤسسات الأمنية فقط، وهذه المجاميع المسلحة التي لديها تمثيل سياسي لا بد ان تخضع لقانون الأحزاب بكافة اصنافها وحتى تلك التي تدعي انها ليست طرفا في العملية السياسية”.

عرض مقالات: