اخر الاخبار

طالما كان الاستئثار في المال العام وسرقته صفة ملازمة للأحزاب المتنفذة، التي دائما ما تحاول الاطاحة بصغار الفاسدين حال افتضاح أمر صفقة مشبوهة. وعلى الرغم من تعدد أوجه الفساد، وظهور ملفات تدين قيادات بارزة في تلك الاحزاب، تبقى المحاسبة مقتصرة على الفاسدين الصغار، الذين عادة ما يكون نصيبهم العفو الخاص أو العام بعد مدة معينة.

 

ويعتقد مراقبون للوضع السياسي، ان الفساد في البلاد يسير وفق منهجية ترعاها منظومة سياسية فاسدة، تمنع محاسبة أيٍّ من أعضائها.

 

منظومة عقابية غير رادعة 

ويرى الخبير في مجال مكافحة الفساد سعيد ياسين، ان سيادة القانون وإنفاذه بصرامة وعدالة على الجميع بدون محاباة ولا تمييز يشكل بداية صحيحة ومهنية لردع الفاسدين.

وأضاف ياسين في حديث لـ “طريق الشعب”، ان: “المنظومة العقابية التي لدينا لا تردع الفساد وغير قادرة على ردع المفسدين، فهناك استغلال للنفوذ السياسي وهذا يعني أننا بحاجة ماسة الى تجريم أفعال جرمية جديدة بضمنها استغلال النفوذ السياسي”.

واشّر ياسين وجود “تمدد لدى السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية من خلال استغلال هذا النفوذ، للاستحواذ على العقود والمشتريات والمناقصات والمنافع العامة، وهذه القضية تحتاج الى ردع بقوانين خاصة”.

ومن جانب اخر، قال ان “المنظومة العقابية التي تتمثل بالقانون 111 المعدل لسنة 69، لا تلبي متطلبات مكافحة الفساد بهذا الحجم، لذا كانت المقترحات تسير نحو تعديل قانون العقوبات او تشريع قانون عقوبات جديد، يلبي المتطلبات الدولية”، منوها الى ان “منظومة العدالة يجب ان تكون متكاملة بين الادعاء العام والقضاء وانفاذ القانون والمؤسسات الاخرى، ونحن لدينا خلل كبير وهناك فراغات في القوانين وجرائم تكيف قانونياً، لأننا لا نمتلك مادة قانونية تحكم”.

وعن فشل محاولات مكافحة الفساد قال الخبير لـ “طريق الشعب”، انه “طالما النظام السياسي يعتمد على المحاصصة، وبدون وجود أقلية معارضة سنرى الفساد يتفاقم يوما بعد اخر، فالقوى السياسية جميعها مشتركة في الحكم بنظامنا السياسي”، مشيرا الى اننا “نعتمد في الرؤية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد على نظام النزاهة الوطني”. 

وعن إفلات رؤوس الفساد الكبيرة من العقاب أوضح بالقول: ان “الانطباع المسبق شيء والجرائم التي يتم التحقيق فيها وبالوثائق والتي تحمل تواقيع من يسهل عمليات الفساد والاعتداء على المال العام شيء اخر. ونحن كمواطنين لدينا انطباعات كاملة ولا تستثني أحدا، لكن عندما نكون قضاة او نتحول الى محققين سنجد ان هؤلاء لا يوجد لديهم حتى توقيع او اقرار على الورق”.

 

آخر أوراق النظام السياسي 

وعلى صعيد ذي صلة، قال الناشط حسين النزال ان “حكومات المحاصصة خسرت كل اوراقها طيلة السنوات الماضية، بسبب توجهاتها وسياستها ونهجها السياسي الذي يرتكز على الفساد”. 

ويعتقد النزال في حديث خصّ به “طريق الشعب ان “الموجودين الان في دفة الحكم لو فتحت ابواب الانتخابات لن يجدوا اصواتاً، لذا فان الورقة الاخيرة التي قد تعيد جزءا من وجودهم في الشارع الذي خسروه، تتطلب كشف جزء من حقائق الفساد الذي أسسوه”، مؤكدا على ان الفساد هو “نتيجة المحاصصة المرهونة بوضع الاشخاص في مناصب معينة بغض النظر عن مؤهلاتهم ونزاهتهم ومهنيتهم”.

وعن قضايا الفساد التي يجري كشفها، قال ان هناك جانبين في هذه القضية؛ الأول ان هناك “رؤوسا كبيرة سمحت بكشف ملفات الفساد التي تريدها ان تكشف، وهذه العملية جزء منها بهدف تصفية حسابات كما جرت العادة: كلما جاءت امة لعنت اختها، فكل حكومة جديدة يجب ان تلعن جزءا من الحكومة السابقة لكسب ود الشارع”. 

وفي الجانب الاخر فإن القوى السياسية تدرك جيدا ان عليها “التنازل عن مجموعة من مكتسباتهم واحراق بعض الاسماء، وهذه السيناريوهات ليست بجديدة، فكما قلنا سلفاً ان الورقة الاخيرة التي بجعبتهم هي التنازل عن جزء من فسادهم الكبير والكشف عن جزء من الاموال التي تم اختلاسها ونهبها مثلاً، والتضحية بعدد قليل من منظومات الفساد الداخلية التي لديهم”. 

ووصف النزال الوضع الراهن للقوى السياسية المتنفذة بأنه “السقوط الاخير للنظام السياسي. وان كشف الملفات التي تطيح بصغار الفاسدين هو اخر لعبة يلعبها النظام الحالي، حيث تسعى هذه القوى لاستعادة جزء من قاعدتها الانتخابية والمكانة السياسية التي فقدتها”.

ورهن انتهاء دوامة الفساد بوجود “رئيس وزراء قوي من خارج قوى السلطة والمنظومة السياسية. بحيث لا يوجد لديه ما يخسره، ولا يخشى الاصطدام بالفاسدين، وهذا يعني ان الفساد لن ينتهي مع حكومة السيد السوداني”

عرض مقالات: