اخر الاخبار

قصص كثيرة وحكايات جميلة، تختزنها ذاكرة الشيوعيين وغيرهم في فترات مختلفة من حياتهم النضالية، خصوصاً مع صحافة الحزب الشيوعي العراقي العلنية والسرية.

وقد أجرى مراسل جريدتنا حوارات مع عدد من المساهمات والمساهمين في مهرجان (طريق الشعب السابع) الذين يتذكرون حكايات وذكريات خاصة مع صحافة الحزب في فترات مختلفة، ويكشف المتحدثون عن أساليب مثيرة جدا بخصوص نشر وتوزيع الجريدة وطبعها وطرق استلامها، لافتين إلى أنها لعبت دورا مهما في تلك الحقبة وكانت أولى الجرائد التي تصدر بعد سقوط النظام الدكتاتوري.

صاحبنه يم الراس الجبير

يقول الرفيق علي صبري، وهو أحد كوادر الحزب، وقد انضم إلى صفوف الحزب عام 1958، وكان عمره حينذاك 17 عاما، إنه ورفاقه “كانوا يتلهفون لتناول الجريدة والحصول عليها بصبر وحماس كبيرين، وكان الاهتمام يتزايد كلما ضّيق البعثيون الخناق على الوضع السياسي”.

ويوضح صبري خلال حديثه، أن الكثير من الشيوعيين كانوا “ينتظرون أعداد الجريدة بلهفة كبيرة، ويعتبرون كل كلمة فيها بمثابة خزين معرفي وعلمي واتصال ناضج مع العالم. لقد كانت إحدى أمنياتنا هي الحصول على نسخة بأقل الجهود والمخاطر والتمتع بها بعيدا عن الملاحقات البوليسية”.

أما عن طرق الحصول على الجريدة، فيقول إن “العملية كانت شاقة. كنت أتوجه من ساحة بيروت وصولا إلى النهضة سيرا على الأقدام لأحصل على نسخة، وبعد الحصول عليها أقوم بلفها حول ساعدي وأغطيها بأكمام قميصي أو معطفي. كانت الجريدة هي المحرك الذي يدفع بالرفاق والمناضلين إلى المزيد من النشاط، والوقود الذي يديم عملهم اليومي، وأن أول خطوة نقوم بها بعد الحصول على الجريدة هي عملية النسخ اليدوي وخلق أعداد جديدة كثيرة جدا منها لنقوم بتوزيعها”.

وما بين الماضي والحاضر يرى صبري ان هنالك “فرق شاسع، ففي الماضي كانت جريدة طريق الشعب قد تؤدي الى فناء الشخص وعائلته، وأيضا تؤدي إلى العيش في قلق متواصل لكن لهفتنا اليها تدفعنا إلى ابتكار أساليب رائعة وغريبة لتداولها وتوزيعها على أوسع نطاق”.

وبحسب المتحدث، فأن إحدى طرقهم لاستلام الجريدة تكون عن طريق صديقهم “شيخ مظفر” وهو “بائع للأجبان في منطقة الصدرية. كان يخفي جريدة الحزب داخل (رأس الجبن)، وكنا نستعمل شفرة رمزية: (صاحبنه يم الراس الجبير) وتعني ان الجريدة أسفل رأس الجبن. وفي مرة أخرى، أشترى أحد رجال الأمن قطعة الجبن وكانت الجريدة داخلها، لم نعلم نحن ولا هو بذلك وبعد اكتشافنا الأمر حاولنا الخلاص من هذه المصيبة ولم يكن أمامنا خيار سوى التواري لأسابيع عن الأنظار”.

لهفة انتظار صدورها ووصولها

وعن القصص الغريبة والرائعة للشيوعيين مع جريدتهم، تقول الرفيقة خلود مثنى (أم فجر)، أن لقراءة الجريدة في تلك الأوقات العصيبة “طعم خاص. كنا نفرح بوصولها ونفضلها على بقية الجرائد وبقينا هكذا لغاية اليوم. وبعد الانتهاء من قراءتها كنا نسلمها إلى رفيق اخر، علما انها كانت تصل في فترات متباعدة وهذه الفترات تعني انتظارا شاقا وحماسا أكبر”.

وأكثر ما كان يجذبهم لقراءة أعداد “الطريق” في تلك الظروف، هو “اللهفة لمعرفة الاخبار والتعرف على الذي يجري في البلاد، خصوصا وأن المضايقات والاساليب التي يمارسها الطغاة في تلك الفترة من الزمن كانت متواصلة. أنا شخصيا تعرضت للمضايقة 3 مرات من قبل الامن عندما كنت أساهم في ايصال الجريدة قرب الإعدادية المركزية، لكنني تمكنت من الإفلات في المرات الثلاث”.

وأن الصعوبة من وجهة نظر أم فجر تكمن في “الحصول على الجريدة وكذلك في ايصالها، خصوصا داخل البيوت المراقبة مثل بيتنا وبيوت الرفاق الاخرين. عائلتي من ضمن العائلات التي ضحت في سبيل جريدة حزبها، وفي سبيل الوطن الحر والشعب السعيد”.

القراءة تحت وابل الرصاص

للصحافة الشيوعية أرث مجيد ومحطات هامة جدا في التأريخ السياسي الحديث للعراق، اقترنت بنضالات الرفيقات والرفاق.

ويصف الرفيق والنصير مزهر بن مدلول، والذي كان مشاركاً ضمن خيمة رابطة الانصار الشيوعيين العراقيين، تلك الأجواء من خلال ذاكرته التي خزنت أحداث كثيرة.

ويستعرض بن مدلول حكايته عندما التحق بالرفاق في حركة الانصار الشيوعيين الكفاحية عام 1981، وهو في العشرينات من عمره. ويقول الرفيق “استمريت بالتجربة حتى عام 1990، وعلى وقع اصوات الرصاص والقنابل في الجبهة ووسط الموت المحدق من حولنا، لم يضعف شغفنا في قراءة “طريق الشعب”.

ويلفت إلى أن “الإعلام المركزي في إقليم كردستان كان يطبع بأدوات بسيطة بالإضافة إلى جريدة طريق الشعب. كانت في وقتها هنالك صحف أخرى مثل نهج الانصار وقنديل والجبل الابيض ومتين والخابور والانتفاضة وغيرها العديد. أن الانصار الشيوعيين ليسوا حملة بنادق فقط، وانما كانوا يقاتلون بالفكر والفن والكتابة والصحافة الدفترية والنشاط المسرحي في جبال كردستان، واخرجوا ايضا العديد من المسرحيات”، لافتا الى ان هنالك “فرق شاسع ما بين الماضي والحاضر، ليس فقط بجزئية الصحافة السرية وانما العمل الحزبي بطبيعته السرية كان صعباً”.

على ورق الكاربون

وفي السياق ذاته، يسرد الرفيق زهير النجار والذي كان يعرف باسم (سلمان)، في حقبة معارضة النظام الدكتاتوري، قصة انضمامه للحزب ويقول: كان الانضمام للحزب سنة 1970، وكان عمري حينها 18 سنة، فانا من عائلة شيوعية عمالية تحمل الفكر الشيوعي الماركسي”.

وعن كيفية حصوله على الجريدة يبين قائلا “في فترة العمل السري، كانت تصلني من خلال أحد اعمامي الذي كان يطبع الجريدة، وكنت استنسخها بالكتابة يدويا على ورق الكاربون، بهدف توزيعها على من نعرفهم من الرفاق بشكل سري”.

ويتطرق الى آلية توصيلها: “عندما كنا نريد ايصال الصحيفة للرفاق في السجون، كانت هنالك طرق عديدة من خلال تحشيتها داخل الطعام او في حفاظات الاطفال وغيرها من الطرق العديدة التي كانت متبعة. كانت تغمرنا سعادة كبيرة عندما نسمع بصدورها لنتلقفها سريعا”.

ويقول النجار: “لا شعور يضاهي شعور الفرح الذي احسسنا به عقب اصدار الجريدة بعد سقوط النظام البائد. كانت لحظة عاطفية بامتياز بعد عقود طويلة من القسوة والحرمان والاجرام بحق الشيوعيين الذين صمدوا حتى النهاية. بعد كل هذا، كانت جريدة طريق الشعب هي أول الجرائد العراقية التي صدرت في بغداد عقب سقوط النظام البعثي، وبشكل علني”.

كذلك الحال بالنسبة للرفيق ابراهيم ادريس الذي قال انه كان من المتابعين والمواظبين على قراءة الجريدة.

ورغم كل ما جرى من قبل الدكتاتورية، يبين ادريس أن الجريدة وفي فترة السبعينات، كانت في طليعة الصحافة من جميع النواحي. وفي تلك الحقبة، كانت مثار نقاشات الجمهور والمثقفين، ولم نكن نعير اي اهمية للخوف وكنا نقرأها ونتابعها باستمرار بسبب موادها الثرية والغنية مثل الصفحة الثقافية او صفحات التعليم وصفحة المرأة والطلبة والشباب آنذاك”.

عرض مقالات: