اخر الاخبار

جدل كثير يدور منذ فترة بشأن إعادة مجالس المحافظات أو إبقاء الوضع كما هو عليه بعد حلها في خطوة جاءت قبل ثلاث سنوات. وتتفاوت الآراء بهذا الخصوص؛ فهناك من يرى وجودها ضرورة لمراقبة أداء المحافظين مع تعزيز عملها ببعض التعديلات وتجاوز نقاط الضعف السابقة. بينما يقول آخرون أنها كرست للفساد والصرف غير المبرر.

كيان أفرغ من محتواه

يقول عقيل الربيعي (عضو مجلس محافظة بابل السابق)، أن سوء عمل بعض أعضاء هذه المجالس إضافة إلى الدور السلبي للمحافظين ساهم بتقويض عمل هذه المجالس وتأدية دورها الحقيقي. وبالتالي وصلنا إلى مرحلة قيام مجلس النواب بحلها وفق قراره المعروف.

ويوضح الربيعي لـ”طريق الشعب”، أن “البعض كان يمارس الفساد من خلال وجوده في هذه المواقع، ويضع يديه على كل المشاريع التي تجري. على سبيل المثال كان الطريق الذي يخدم 10 آلاف انسان في منطقة ما، يتعرض إلى التأجيل ويتم العمل بطريق اخر اطول منه لا يخدم سوى القليل من العوائل التي تمتلك نفوذا سياسيا من خلال عضو المجلس مثلا، وهذا احد المعايير السيئة التي استخدمت”، مضيفا انه “في بابل لدينا ناحية أسمها (أبو غرق) بنيت فيها خمسة مجمعات سكنية جميعها يشوبها الفساد، في حين ان مجلس الناحية طلب من مجلس المحافظة ان يتم فتح مدرسة ومستوصف ولم يحدث ذلك، وهذا حدث وسط تأثيرات سياسية. فالإدارات عموماً تخضع للمحاصصة”.

أما المجاري في محافظة بابل، فيقول عضو المجلس السابق، أنها “مخدومة بنسبة 12 في المائة فقط. أما الأبنية المدرسية فنسبة الخلل فيها تبلغ حوالي 60 في المائة. عندما كنت رئيس لجنة المستشارين في مجلس المحافظة، اعددنا تقريرا مفصلا اسمه (المعايير والمؤشرات) يتحدث بهذه التفاصيل، وهذا الحديث لم يُعتمد في مجلس المحافظة، وبدلا منه اعتمدت الوساطات والرشاوى والصفقات، كذلك الامر بالنسبة للاستثمارات”، لافتا إلى أنه “من الصعوبة ان تستثني عددا بسيطا من الاعضاء. أما الأغلبية فقد ساهمت في عملية تخريب المدن والمحافظات وما تحدثت عنه في بابل سمعته في محافظات اخرى وربما اسوء ايضاً، ومدراء البلدية كانوا يقودون حملات سيئة في الاستثمارات يشوبها الفساد بشكل رسمي، والبعض منها احيل للنزاهة وتم اتخاذ اجراءات بحق عدد ممن تجاوز على المال العام”.

قرار الحل لم يأت بجديد

وعن اداء المحافظين بعد حل المجالس، قال الربيعي انه “كان سيئ جدا، لانهم جزء من منظومة الفساد والمحاصصة بين قوى السلطة، فتوزيع المحافظين ونوابهم يعتمد ايضا على نسب تمثيل الاحزاب المتنفذة في البرلمان”.

ويعتقد المتحدث أنه وعلى الرغم من التجربة السيئة، فإن “مجالس المحافظات واحدة من دعامات البناء المؤسساتي الديمقراطي في بلدنا، ويحقق خدمات للمحافظة، ومشكلتنا تكمن في اداء الاعضاء حينها، وكان من المفترض ان تراقب الحكومة الاتحادية عمل مجلس المحافظة، والهيئات المكلفة بالرقابة كانت محدودة التأثير باستثناء هيئة الرقابة المالية، التي كان لها دور كبير ووضعت يدها على مشاكل ونواقص وتجاوزات لكن في لحظة الحسم تتدخل الاطراف الكبيرة وقيادات الاحزاب المتنفذة لتعرقل الاجراءات المتخذة بحق المتجاوزين على المال العام”.

ويرى الربيعي أن الدعوة الحالية إلى عودة المجالس “هي صحيحة ودستورية”. ويضيف “نحن الان بحاجة الى قانون يضمن وصول شخصيات قادرة على ان تمثل المواطنين بشكل حقيقي في المحافظات ولديها الخبرة والنزاهة، ومن الممكن ان تكون هناك فرصة لنهوض المحافظات وبناء مدن بشكل صحيح”.

تجربة عالمية يفترض تقويمها

من جانبه، يرى الدكتور غازي الخطيب (عضو مجلس محافظة المثنى السابق)، أن مجالس المحافظات ليست في العراق فقط وانما بكل العالم هنالك مجالس محلية يتم بناؤها على المعطيات المحلية للبلد المعني. هي ليست سيئة ولكنها ارتبطت بالممارسات السيئة التي أضرت بها.

يقول الخطيب لـ”طريق الشعب”، أن هذه المجالس ومع بعض التعديلات “يمكنها تأدية أعمال كثيرة جدا، “ينبغي ان توضع محددات لعمل عضو مجلس المحافظات من خلال تضييق مسألة الرشوة ومراجعة الدوائر والضغط عليها، وينبغي النص على ذلك ضمن قانون المحافظات، ففي هذه الحالة ستقدم المحافظات أداء أفضل”.

ويمضي الخطيب بالقول “كان يفترض تحديد عدد أعضاء المجالس، لا زيادته بزيادة أعداد النفوس فالأداء الجيد لا يعتمد على كثرة العدد. وكان يفترض أيضا بالبرلمان الاتحادي أن يتعاون مع مجالس المحافظات بشكل أقوى وينسق معه لضمان تقديم الخدمات إلى المواطنين. بعد حلّ هذه المجالس أصبح أداء المحافظين سيئا جدا، وزادت السرقات والرشاوى والضغط على المؤسسات وهنالك من أصبح ثريا بسبب المقاولات والابتزاز والفساد نتيجة غياب المجالس برغم المؤاخذات التي تطرح بشأنها”.

مؤسسات دستورية

من جهته، يوضح المحلل السياسي أحمد خضير، أن “مجالس المحافظات هي مؤسسات دستورية لا يجب حلها بهذه الطريقة وأن الأمر ليس رهينة الرغبات السياسية. بكل بساطة، خطوة حلها يجب أن تكون بموجب تعديل دستوري، أو اللجوء كحل أسهل إلى تقويم عملها لو كان البرلمان صادق النوايا بمحاربة الفساد”. ويبيّن خضير لـ”طريق الشعب”، أن “الملاحظات التي تخص الفساد في عمل هذه المجالس موجودة أيضا في الحكومة ومجلس النواب وكل المؤسسات الدستورية والسيادية، فهل يتم حل المشاكل بحلّها؟ أن غياب المجالس غيّب تمثيل المواطنين على الجانب المحلي وحوّل نواب البرلمان إلى معقبي معاملات وناشطين في اكساء الشوارع وبارعين في استغلال الملفات الخدمية بعيدا عن الاداء التشريعي والرقابي”، مردفا ان “هذا السلوك جعل المحافظين وحدهم في الساحة وأعطاهم صلاحيات مطلقة أنتجت الكثير من الفوضى والمشاكل”.

ويقول مراقبون، ان الكتل المتنفذة تحاول ان تبطخ قانون مجالس المحافظات على نار هادئة، بغية السيطرة عليها، اذ توجد محاولات كثيرة لتشريع قانون انتخابات مجالس المحافظات وفق قياسات الكتل المتنفذة، في محاولة لبسط النفوذ عليها، وتغييبها عن دورها الحقيقي، فيما يرى اخرون ان يجري تشريع القانون بمشاورة واسعة من المعنيين وان يعاد العمل بقانون سانت ليغو الاصلي كونه الاكثر عدلاً في تمثيل المواطنين.

عرض مقالات: