اخر الاخبار

شهد العراقيون منذ مطلع العام الحالي أحداثاً مهمة على مختلف المستويات، رافقها جدل واسع بشأن التضييق الكبير الذي جرى على الحريات ومحاولة تجريمها وفق قوانين خطيرة وممارسات أمنية قوبلت بالرفض والاستهجان.

ولا يفصل عن العام 2023 سوى أسبوعين فقط، بينما يتوقع معنيون احتمالية الاستمرار في هذا النهج المثير للجدل دون أي مراجعة لما حصل، مشددين على أهمية مواجهته وعدم الخضوع لمحاولات تأسيس نهج شمولي – أمني، يحد من هامش الحريات المتبقي، فضلا عما يجري من انتهاكات لبقية الحقوق والحريات التي ينص الدستور عليها، ويدعو إلى حمايتها.

سلطات منشغلة بالقمع

قضية الحد من الحريات والتضييق عليها ومحاولة تقنينها وفق مقاسات القوى الحاكمة هي مسألة قديمة واعتادت القوى المدنية والمدافعة عن حقوق الإنسان أن تواجهها بين فترة وأخرى، لكن ما حدث خلال عام 2022 أثبت عدم صلاحية الأطراف الحاكمة لبلد متعدد مثل العراق، بحسب قول ناشطين ومختصين.

ويرى الصحفي أسعد علي (مسؤول العلاقات الخارجية في مركز ميترو للدفاع عن حقوق الصحفيين)، أن عام 2022 شهد تكالب المصاعب والعقبات على حرية التعبير، وحصلت مشاكل كثيرة جدا.

ويقول علي لـ”طريق الشعب”، إنّ أبرز المشاكل هي “محاولة تشريع قوانين جائرة تكمم الأفواه وتنهي حرية الرأي والتعبير، مثل قانون جرائم المعلوماتية والقانون الآخر المعني بالتعبير والتظاهر السلمي”.

ووفق السياق ذاته، يؤكد أن “المحاولات جرت أيضا في إقليم كردستان وبقوانين مشابهة، لكن منظمات المجتمع المدني أوقفت إصدارها، لكن الاعتداءات والانتهاكات والتجاوزات بحق الإعلاميين والصحفيين ووسائل الإعلام تواصلت في مختلف مناطق البلاد”.

ويعتقد علي أن عام 2022 كان “سيئا جدا” وانعكست المحاولات القمعية فيه على ترتيب البلاد في قائمة أكثر الدول غير الآمنة في توفير أجواء العمل الصحفي، وأصبحت بلادنا في عرف المنظمات الدولية من البلدان التي تنتهك حرية التعبير.

ويضيف، أن “الانتهاكات قائمة في عموم البلاد؛ ففي الوسط والجنوب يواجه الصحفيون والإعلاميون انتهاكات تصل إلى مرحلة القتل والتهديد المباشر بالقتل. كما تجدر الإشارة إلى أن التضييق في الإقليم أكبر بكثير من بقية المناطق لكن الفارق هو عدم بلوغ الأوضاع هناك إلى مرحلة الاغتيالات”.

ويشدد ناشطون في حقوق الإنسان على أن مناطق غرب العراق تشهد هي الأخرى حالة مرعبة من القمع والتضييق على كل من يحاول انتقاد السياسيين المتنفذين هناك، أو يكشف ملفا فيه فساد أو تقصير بالجوانب الخدمية، وما يدور ضمن هذا الإطار من تفاصيل كثيرة.

استهداف للقوى المدنية

أما أثير الدباس (عضو المكتب التنفيذي للتيار الديمقراطي) فيعتقد أن فترة نهاية حكومة رئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي، شهدت تصاعدا في محاولات التضييق على المتظاهرين وخصوصا المدنيين، لكن الأمر زاد كثيرا بعدما تسنم محمد السوداني منصب رئاسة الوزراء.

ويوضح الدباس لـ”طريق الشعب”، أن فترة طويلة لم تمض على الحكومة الجديدة، لكن رأينا “طرح أكثر من قانون جدلي والحكم بالسجن بحق الناشط حيدر الزيدي كونه شارك في تغريدة لا أكثر. أن المحاولات تثبت بشكل رسمي سعي القوى الحاكمة لتأسيس نظام شمولي قائم على قوانين دكتاتورية”، لافتا إلى أن “القوى المدنية متكاتفة منذ عام 2011 ضد هذه القوانين السيئة، إلا أن القوى المتنفذة تنظر إلى البرلمان كمؤسسة تابعة إلى جهة واحدة، وهي حتما لا تمثل تطلعات الشعب. وبالتالي توضح للجميع محاولات هذه القوى الحاكمة تقنين كل ما تؤمن به دون النظر إلى خصوصية البلاد”.

ويشدد المتحدث على أن “جزءا من القوانين الجدلية بخصوص الحريات هي (قوانين) أمنية لتكميم الأفواه وموجهة بشكل خاص إلى القوى المدنية. الخطورة في الأمر تكمن في رغبات الحاكمين أن يجعلوا السلطات بوليسية، وتحاكم الناس على مفاهيم فضفاضة مثل (السلوك العام/ الوضع المجتمعي) وغيرهما الكثير، وأن هذه المفاهيم سهلة الاستغلال”، منوها بأن “البرلمان الحالي لا يمثل سوى أقل من 20 في المائة من المواطنين، تجاهل تماما غياب الموازنة العامة عن البلاد لمدة سنتان كاملتين، وبدلا من ذلك يريد خنق الحريات”.

وفي نهاية حديثه، عرج الدباس إلى جانب آخر من التضييق على الحريات، وهو المتعلق بالاحتجاجات وما تعرضت له خلال الفترة الماضية، إضافة إلى وعود البرنامج الحكومي الحالي مثل تقديم قانون انتخابي خلال 90 يوم، لكن الفترة ستنتهي والبرلمان بدأ في عطلته رغم أنه لم يكمل أي شيء ولا الحكومة نفذت جانب مهم من برنامجها.

ملف التظاهرات

أن الحق في حرية التعبير، إلى جانب الحق في تكوين الجمعيات والتجمّع السلمي، محمي بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون العرفي، ويشمل الحق في الحصول على المعلومات وتبادلها، وهي ليست مجرد حريات مهمة بحد ذاتها، بل هي ضرورية لضمان أن تكون جميع الحقوق الأخرى – المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية – متاحة لجميع الأشخاص.

يقول الناشط في الاحتجاجات، محمد مازن: أن التظاهرات المطلبية والمنددة بالمحاصصة والفساد تواصلت على مدى 12 شهرا تقريبا، وواجه العديد منها القمع والتضييق للأسف الشديد. ويؤكد مازن لـ”طريق الشعب”، أنه على أثر “الهبوط في نشاطات انتفاضة تشرين، برزت الاحتجاجات المناطقية التي وصلت إلى أبعد مناطق البلاد، ولم تتوقف لعام كامل. فيما استمر التضييق عليها واعتقال بعض ناشطيها وضرب آخرين كما جرى مع الخريجين والمحاضرين، وصولا إلى التظاهرات التي كانت تندد بالمحاصصة والمواجهات المسلحة التي اندلعت في الصيف الماضي داخل المنطقة الخضراء”، مبينا أن “السلطات ومن يتحكم فيها أثبتوا جميعا حجم العداء مع هامش الحريات التي توفرت بعد عام 2003”.

ويبيّن أن انتهاكات كثيرة ما زالت متواصلة، وهي تضر بحريات مثبتة في الدستور مثل “التهديد، التعذيب داخل مراكز الاعتقال وفق ما تشير إليه تقارير المنظمات الدولية، كذلك التجارة بالنساء والأطفال والجنس والحرمان من حقوق التعليم المجاني بعد الانحدار في مستواه والرعاية الطبية الملائمة والعدالة الاقتصادية وفرص العمل وغيرها الكثير”.

48 محاولة اغتيال

وشهد العراق 48 محاولة اغتيال خلال العام الجاري، من بينهم 32 متظاهرا وناشطا، فضلا عن تسجيل 32 حالة اختطاف وتعذيب، 20 منهم لا يزالون في مصير مجهول، بحسب عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان السابق علي البياتي.

وأوضح البياتي، في تصريح صحافي، أن هذه الإحصائيات تم جمعها من خلال اللجان الحكومية التي شُكلت بعد تظاهرات تشرين 2019 وحتى اليوم، موضحا أن “تلك اللجان استقبلت ما يقارب 8 آلاف حالة شكوى، تتراوح بين قتل وتهديد وضرب واختطاف”.

وذكر أن “الجهات المختصة لم تصدر سوى أوامر معدودة لإلقاء القبض على مرتكبي هذه الجرائم، لا تتجاوز 13 حالة”، لافتا إلى أن “باقي القضايا في إطار التحقيق، ولم تصل إلى مستوى المحاكمة”.

الشرطة في قمع الشعب

ورصدت “طريق الشعب” من خلال التقارير الصحافية، انه في 26 تشرين الثاني من العام الحالي، منعت عناصر من قوات الشغب في منطقة الكاظمية بالعاصمة بغداد العديد من وسائل الاعلام، من تغطية تظاهرة نظمها اهالي المنطقة. واعتدت بالضرب بالهراوات على مصور صحفي.

واعتقلت قوة امنية في السليمانية الصحفي روا حسين الذي يعمل في وكالة “زمن برس” الناطقة باللغة الكردية، ومحدودة الانتشار في منطقة كردستان، واقتادته الى جهة مجهولة دون معرفة الاسباب.

وفي ميسان اقدمت عناصر من شرطة ميسان على تحطيم معدات مصور قناة المربد، اثناء تغطيته تظاهرة للخريجين التربويين، امام مبنى تربية المحافظة.

واحتجز قائمقام قضاء الغراف في ذي قار حسن الخفاجي، مراسلا قناتي “التغيير” سلامة السرهيد  و”الفلوجة” سعد الركابي، لأكثر من نصف ساعة في مركز الشرطة.

وفي كركوك استولت عناصر تابعة للشرطة الاتحادية على معدات كادري قناة NRT ومؤسسة “زوم ميديا” الاعلامية، اثناء عودتهم من تغطية اجروها للواقع الأمني لقضاء داقوق التابع لمحافظة كركوك.

وكان الصحفيون في تغطية خاصة لأبرز تطورات الأوضاع الأمنية في القضاء داقوق، بعد ورود معلومات عن نشاط لعناصر تنتمي الى تنظيم داعش لإرباك الوضع الامني في القضاء.

وبعد إكمال الزملاء التغطية، وهم في طريقهم للعودة الى ديارهم، استوقفتهم احدى نقاط التفتيش في المنطقة، واستولت على معداتهم الصحافية، ومسحت مقاطع الفيديو المسجلة في كاميراتهم، ومن ثم تم إرجاع المعدات لهم.

عرض مقالات: