اخر الاخبار

كشف عضو مفوضية حقوق الانسان السابق علي البياتي عن كواليس عمل لجنة أبو رغيف المختصة في قضايا الفساد، مؤكدا ان كثيرا من الانتهاكات قامت بتوثيقها المفوضية، لكن الحكومة السابقة بدلا من معالجة الانتهاكات، أخذت تلاحق أعضاء مجلس المفوضين، ممن حاولوا تدويل تلك الانتهاكات. 

إلغاء اللجنة

وقررت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، في شهر آذار من العام الماضي، إلغاء اللجنة المختصة في قضايا الفساد والجرائم المهمة المعروفة باسم «لجنة أبو رغيف».

وقالت المحكمة في بيان إنها أصدرت قرارا يقضي «بعدم صحة الأمر الديواني رقم 29 لسنة 2020 المتضمن تشكيل لجنة دائمة للتحقيق في قضايا الفساد والجرائم المهمة وإلغاءه اعتبارا من تاريخ صدور الحكم».

وأضاف البيان أن قرار إلغاء اللجنة جاء نتيجة «مخالفتها أحكام الدستور التي تضمن حماية حرية الإنسان وكرامته ولمبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء».

وأشار البيان إلى أن «هيئة النزاهة هي هيئة دستورية تختص في التحقيق في قضايا الفساد المالي والإداري»، مبينة أن تشكيل لجنة للتحقيق في قضايا الفساد والجرائم المهمة «يعد بمثابة تعديل لقانون هيئة النزاهة».

وكان رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، أعلن في آب 2020 تشكيل لجنة تحقيق عليا بملفات الفساد الكبرى والجرائم الجنائية برئاسة وكيل وزارة الداخلية لشؤون الاستخبارات الفريق أول أحمد أبو رغيف.

صلاحيات واسعة

ومنحت اللجنة صلاحيات واسعة، واعتقلت مسؤولين كبار وسياسيين معروفين بتهم تتعلق بالفساد، لكن عملها لم يخل من الاتهامات، التي وصفها الكاظمي بأنها «باطلة». ويتسبب الفساد وضعف الإدارة في النظام الراهن بهدر مليارات من الدولارات سنويا، ولا تسفر حملات الحكومة أو المنظمات المدنية عادة عن نتائج كبيرة أو انتصارات في هذا الملف.

وتعد مكافحة الفساد أحد أهم مطالب احتجاجات تشرين في عام 2019، التي أدت إلى إسقاط حكومة عادل عبد المهدي.

ما قصة اللجنة؟

ويكشف عضو المفوضية السابق لحقوق الانسان د. علي البياتي عن غاية تأسيس اللجنة وصلاحياتها، وحجم الانتهاكات التي خلفتها اللجنة، قائلا: انها «قامت باعتقال مجموعة من المتهمين بقضايا الفساد ومسؤولين ورجال اعمال»، مردفا أن «المشكلة ظهرت عندما وردتنا مؤشرات حول وجود اعتقالات بدون مذكرات القاء قبض».

ولم تتمكن المفوضية، بحسب البياتي، من التواصل مع لجنة ابو رغيف أو الاشخاص الذين تعتقلهم، كونها تحتجزهم في «مواقع سرية وغير معروفة للجهات الرسمية».

ويشير البياتي في حديث خص به «طريق الشعب»، الى ان أعضاء مفوضية حقوق الانسان تلقوا شكاوى حول «اخفاء قسري» حيث انقطع تواصل المتهم بشكل نهائي مع ذويه لفترات مختلفة، شهر او شهرين.

تعذيب وتشويه

ونقلا عن ذوي محتجزين لدى اللجنة، يذكر البياتي، ان «هناك حالات تعذيب بشكل مباشر: بعضهم تعرض لتشويه أو عوق جسدي وشلل رعاشي، وقد أثبتت التقارير الطبية وجود حالات تعنيف شديدة».

ورافقت تلك الانتهاكات «حالات ابتزاز، شملت المطالبة بدفع أموال أو التنازل عن عقارات لصالح لجنة التحقيق»، يقول البياتي.

كما يزعم أن هناك «عمليات مداهمة للبيوت لسرقة وثائق أو للتصوير والاعتداء على عوائل المحتجزين، وابتزازهم عبر فتح كاميرا أمامهم تصوّر تعذيب المتهم، حتى تضطر العائلة الى دفع أي مبلغ مقابل اطلاق سراح المتهم».

وطبقا لحديث البياتي فإن حالات التعذيب تشمل «اقتلاع الأظافر والضرب المبرح واستخدم الصعق الكهربائي خاصة في المناطق الحساسة وتعليق في السقف، وهنالك حتى محاولات وتهديد بالاغتصاب».

وينقل البياتي حديثا لأحد المحتجزين قائلا، إن والده اختفى فجأة، وبعد أكثر من شهر، جرى إخباره بأنه محتجز لدى لجنة ابو رغيف، وقد استدعت اللجنة ذلك الولد، فهددت الأب باغتصاب الابن، إذا لم ينفذ طلباتهم التي لم يكشفها البياتي.

وكان مجلس المفوضين قابل رئيس اللجنة أبو رغيف الذي رفض تلك الاتهامات ودعا المجلس الى عرضها على مدير مكتب رئيس الوزراء، الذي لم يتعاط هو الاخر مع وفد مجلس المفوضين «بداعي ان الموضوع حساس»، بحسب قول البياتي.

ويواصل البياتي حديثه، بأن المدير احال الملف الذي بحوزة المجلس الى رئيس مجلس الوزراء ، في حينها «لكن لم يسمحوا لنا بمقابلته».

ويلفت البياتي الى ان مجلس النواب كان قد شكل لجنة للتحقيق في الانتهاكات المزعومة ضد لجنة أبو رغيف، ولم يكن اعضاء اللجنة البرلمانية على توافق دائم بخصوص عمل أبو رغيف ولجنته وكيفية الوصول الى المحتجزين لدى اللجنة، لكن بعض اعضائها قابلوا اربعة من المحتجزين، الذين أكدوا «فعلوا بنا كل ما تتوقعونه».

وعلى أثر تلك المقابلات، نشر البرلمان تقريرا يؤكد فيه وجود حالات تعذيب.

ويتهم البياتي ما اسماه «رأس الهرم» بحماية تلك الانتهاكات، وواجه البياتي هو الاخر مضايقات وملاحقة من قبل لجنة أبو رغيف، على أثر حديثه لاحدى القنوات الفضائية المحلية حول وجود ادعاءات بالتعذيب والاختفاء القسري، بحسب ما اكده البياتي في تصريحه للجريدة.

ترك المنزل

ويقول لـ»طريق الشعب»، انه تلقى ورقة استقدام من محكمة الكرخ، «لان الأمانة العامة لمجلس الوزراء رفعت دعوى ضدي، وتبين في ما بعد ان لجنة ابو رغيف هي من رفعت الدعوى».

وواجه البياتي معاملة سيئة في المحكمة، وخرج بكفالة أحد أفراد حمايته. لكنه أبلغ جهات دولية ومنظمات معنية بحقوق الانسان بما حدث معه، فصدرت بيانات ورسائل لاستنكار ذلك، لكنه في اليوم ذاته داهمت قوة أمنية رسمية بيته، وعلى أثر ذلك ترك منزله في بغداد.

ويضيف أنه «في بداية الشهر السادس غادرت العراق. كان هذا التعامل معي وانا مسؤول في الدولة ولدي حصانة، فما بالك بالناشط والصحفي والمواطن البسيط؟».

تضييق وخوف

وكان فريق مدافعون عن حقوق الانسان، أصدر قبل ايام، تقريرا مفصلا حول لجنة أبورغيف، واستعرض شهادات ذوي المحتجزين.

وحول تفاصيل إعداد التقرير قال الفريق الحقوقي في تصريح بعث به الى جريدة «طريق الشعب»: ان «التقرير أعد خلال فترة سنة تقريبا، بعد التواصل مع ذوي المعتقلين والتعرف إلى الانتهاكات».

 وتمكن الفريق إجراء ٣٠ مقابلة. «كنا نخشى من استهداف ذوي المحتجزين».

ويشير الى ان الكثير من التفاصيل «لم توثق ضمن التقرير انما جرى التحفظ عليها. التقرير كان موجزا».

وبحسب تصريح الفريق، فان «ذوي المحتجزين يطالبون بإعادة التحقيق مع المحكومين، الذين صدرت الأحكام بحقهم على اثر اعترافات انتزعت منهم بالتعذيب والإكراه والابتزاز».

«واشنطن بوست» تكشف

وكان تحقيق لصحيفة «واشنطن بوست» (washingtonpost) كشف عن أن لجنة مكافحة الفساد الحكومية في العراق استخدمت السجن الانفرادي والتعذيب والعنف الجنسي لانتزاع اعترافات من كبار المسؤولين العراقيين ورجال الأعمال.

وفي تحقيق نشرته الصحيفة الأميركية بينت أن هذه الحملة قامت على سلسلة من المداهمات الليلية وحظيت بتغطية إعلامية واسعة في أواخر عام 2020 على منازل الشخصيات العامة المتهمة بالفساد، والتي أجريت تحت سلطة اللجنة الدائمة للتحقيق في قضايا الفساد والجرائم المهمة، المعروفة باسم اللجنة 29؛ التي كان يرأسها الفريق أحمد طه هاشم (أبو رغيف)، والذي اشتُهِر في العراق باسم «الزائر الليلي».

ووفقا لتقديرات لجنة الشفافية البرلمانية في البلاد، خسر العراق أكثر من 320 مليار دولار بسبب الفساد منذ عام 2003 بعد أن أدى الغزو الأميركي إلى تشكيل نظام سياسي بتوافق بين الأحزاب التي تقسم موارد الدولة لتمويل شبكات المحسوبية وإثراء أعضائها. وقد أعلن معظم رؤساء الوزراء الجدد عن مبادرات للتصدي للفساد، ولكنها استُخدمت في كثير من الأحيان لتشويه سمعة الخصوم السياسيين بدلا من معالجة المشكلة.

وتقول جمعيات حقوق الإنسان، وفقا للصحيفة، إن حالات الاختفاء القسري والتعذيب منتشرة منذ فترة طويلة داخل المراكز التي تديرها قوات الأمن العراقية.

عرض مقالات: