اخر الاخبار

في بلد شُكلت فيه عشرات اللجان المختلفة على كافة مستويات السلطة، كان للفساد منها حصة الاسد؛ لا تزال الوعود الحكومية واللجان التي تشكل ضمن هذا الاطار، أمرا روتينيا يمارسه اي مسؤول يتسنم منصباً في الحكومة.

ففي خلال انجاز هذا التقرير، كانت وسائل الإعلام تتناقل خبر هروب رئيس ديوان الوقف السني السابق سعد كمبش من التوقيف في مركز شركة كرادة مريم، في حادثة ليست بجديدة على المشهد العراقي.

وفي الكثير من الاحيان، جرى استغلال هذه اللجان في الابتزاز السياسي وتصفية الحسابات مع الخصوم، فيما اثيرت شبهات حول تورطها بانتهاكات حقوق الانسان، كما في اللجنة رقم 29 المعروفة للرأي العام باسم لجنة ابو رغيف.

الارادة السياسية

وفي هذا الصدد، يقول المختص بمكافحة الفساد، سعيد ياسين، ان “عملية تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد هي من الاجراءات والالتزامات الدولية على العراق، والعملية فيها تعدد وتكامل أدوار. ومن المفترض ان يكون هناك تعاون كامل بأطر واضحة بين السلطات الثلاث واصحاب القرار والجهات الرقابية والاعلام والمجتمع المدني.

ويضيف ياسين لـ”طريق الشعب”، بقوله ان: “المؤشر على العراق هو ان الفساد فيه فساد سياسي نتيجة لاستغلال المتنفذين، وهنا يأتي دور اختيار عدم الكفاءة والخبرة والنزاهة في الوظيفة العامة، مما ينتج لنا استغلال النفوذ في احالة العقود والمشتريات الحكومية دون مراعاة الشفافية، حيث هنالك شبهات تحوم حول شركات هي واجهة لجهات سياسية تابعة او تدعي انها محمية من تلك الجهات”.

وعن الإجراءات التي نحتاجها لمكافحة الفساد أوضح بالقول “يجب ان يكون هناك تحديد معمق لبيئة العراق يتضمن تحديد المؤسسات والاحتياجات اضافة الى جداول بالوظائف الاكثر عرضة للفساد، وان توضع على طاولة صانع القرار وتوفير ارادة سياسية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد فيها”، والى جانب ذلك، يقوم مجلس النواب بتشريع القوانين اللازمة والمرفوعة من قبل الحكومة في هذا الخصوص، اضافة الى تقديم قانون العقود والمشتريات الحكومية من قبل الحكومة.

حماية سياسية للفاسدين

وذكر المتحدث ان “هناك فجوة قانونية بين القوانين العراقية واتفاقية الامم المتحدة. ولتعزيز دور السلطة القضائية يجب تجريم الافعال غير المجرّمة وفق اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد، وتشريع قانون جديد للعقوبات، لان القانون النافذ رقم 111 لسنة 69 المعدل، لا يلبي متطلبات الدولة الديمقراطية والنظام السياسي الديمقراطي”.

ونبه الى ان مواد هذا القانون في مجال مكافحة الفساد غير رادعة. لذلك نحتاج الى مواد عقابية جديدة من اجل ردع الفساد واتخاذ تدابير وقائية.

واشار الخبير في شؤون مكافحة الفساد الى ان هذه العملية “لا تتحدد بسجن فلان او فلان، بل باحتواء عملية الفساد، اما الحماية السياسية فهي متوفرة وواضحة للمواطن، وهو ليس انطباعا بل يرقى لان يكون معلومة. لذلك نلاحظ ان هناك مسؤولا يدان بـ سرقة او هدر 95 مليار دولار ويطلق سراحه، وطفل يُحكم عليه 6 سنوات نتيجة سرقة اكياس محارم ورقية”.

«حاميها حراميها»

وعلى صعيد متصل، قال المحلل السياسي والاكاديمي داوود سلمان، انه يؤمن بان لا اجراء حقيقيا لمكافحة الفساد ما لم تتم الاطاحة برؤوس الفساد الكبيرة المتنفذة بغض النظر عن مواقعهم ومناصبهم، فالفساد اصبح اليوم منظومة متكاملة وجزء من عمل الدولة ومؤسساتها، حتى وصلنا الى مرحلة لا يستطيع الموظف النزيه العمل في بيئة فاسدة تعرقل عمله ولا يمكن ان يتسلم منصبا في الدولة.

ولفت في حديثه الى ان “الدلائل الواضحة والمهمة تشير الى ان المتحكم بالأموال العراقية هو بعض القيادات الكبيرة المتنفذة في البلاد، حتى نراهم انهم بدأوا من الصفر، واصبحوا الان في اعلى القمة نتيجة لغسيل الاموال وتهريبها وغيرها من اشكال الفساد المتعددة”.

وتابع حديثه لـ”طريق الشعب”، قائلا: ان من يريد محاربة الفساد بشكل حقيقي “عليه البدء من رموز الفساد حتى تسقط العناصر الاخرى كما يحدث مع ـ قطع الدومينوـ  وبغير ذلك لا يمكن ان نعتقد ان هناك جدية في محاربة ومكافحة الفساد وانما هي عملية اشغال الرأي العام بهذه الملفات التي تفتح وتخص رؤوسا صغيرة لا قيمة لها”.

الحارس لص!

ووصف الاكاديمي “الدعوات التي يطلقها المسؤولون الحكوميون على مدى عقدين تشبه من يرتدي معطفاً جميلاً ولكن جسده عفن، حيث لا يستطيع تغطية العفونة بتلك البدلة. وبالتالي فان هذه التصريحات لا يمكنها ان تغطي او تبرئ حيتان الفساد الكبيرة في الدولة التي تقود هذه العملية بالبلاد”.

ويتساءل بسخرية: “كيف يكُافح الفساد والحارس هو اللص؟”.

ويخلص الى ان لدى هيئة النزاهة “الآلاف من الملفات المتروكة والمعلقة على الرفوف، والتي لا تُحرك الا بأوامر من قادة الفساد، لذلك نقول دائما اننا بحاجة الى ضغط جماهيري ورئيس دولة شجاع ذي قرار صارم وحازم”.

عرض مقالات: