اخر الاخبار

المعروف عن السجون أنها المكان الذي تقيد فيه حرية الفرد، كعقوبة له اذا ما تمت ادانته بمخالفته القانون، ومعروف عنها أنها ليست عقابية فقط وإنما دار للإصلاح، تهيئ وتصلح مَن لا يحترم القانون، تمهيداً لإعادة دمجه مع المجتمع اذا ما كانت القضية التي تمت إدانته بها بسيطة.

وفي الوقت الذي يعيش فيه غالبية الناس واقعا اقتصاديا صعبا، يعيش الفاسدون رفاهية مطلقة، متنعمين بأموال الشعب التي تُنهب، واذا ما تمت ادانتهم فلا يوجد ما يقلق حيتان الفساد بشأن ذلك، لأن المافيات تحرص على ان يتمتع اتباعها بإقامة مريحة داخل السجون، وتوفر لهم كافة وسائل الراحة المطلوبة. وفي نهاية المطاف يتم تهريب المدان بكل سهولة وبلا صعوبات او مخاوف، كما حدث اول امس الثلاثاء في حادثة هروب رئيس ديوان الوقف السني السابق سعد حميد كمبش.

تفاصيل القضية

وأصدر الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء قوات خاصة يحيى رسول، امس الاربعاء، توضيحاً بشأن هروب المتهم سعد كمبش. وقال اللواء رسول في بيان تلقته «طريق الشعب»، انه «بتاريخ الـ21 من آذار الماضي تم إلقاء القبض على المتهم سعد حميد كمبش رئيس ديوان الوقف السني السابق، من قبل الفريق الساند على ذمة الهيئة العليا للنزاهة، وبتاريخ الـ11 من نيسان الحالي، أصدرت محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزية حكمها بالحبس الشديد لمدة أربع سنوات على هذا المجرم وفق المادة 331 ق.ع والموقوف في مركز شرطة كرادة مريم».

وأضاف، أنه «بتاريخ الـ18 من نيسان الحالي، وبعد زيارة النائبة أسماء حميد كمبش إلى مركز الشرطة وقت الإفطار ومغادرتها له، وعند الساعة 2230 هرب المحكوم بمساعدة ثلاثة أشخاص من خلف المركز والوصول إلى عجلتين كانتا بانتظاره لتأمين هروبه إلى جهة مجهولة».

وأكد اللواء في بيانه، أن «الأجهزة المختصة باشرت التحقيق ووضعت يدها على الوثائق والأدلة، وباشرت كشفها وإلقاء القبض على كلِّ من له علاقة بالهروب والأطراف التي سهَّلت ذلك»، مشيراً إلى، أن «قاضي التحقيق أصدر أمراً بتوقيف ضباط ومنتسبي المركز المسؤولين عن حماية الموقف». من جهته، وجه وزير الداخلية عبد الأمير الشمري باحتجاز جميع الضباط الموجودين داخل المركز لأغراض التحقيق، ووجه بإيداع ضابط قسم شرطة الصالحية وضابط مركز شرطة كرادة مريم وضابط خفر المركز بالتوقيف على خلفية هروب كمبش وتشكيل لجنة تحقيق وجهد استخباري لمتابعته والقبض عليه.

السلطة والمال والنفوذ

وتعقيبا على هذه القضية، يقول الخبير الامني عدنان الكناني: ان هناك سجونا تابعة الى وزارة العدل، وضمن سيطرتها وخارج سيطرة وزارة الداخلية، تسمى سجون الاصلاح، وهي: سجن رئيسي في التاجي، وسجن ابو غريب وبوكا وبادوش في السليمانية وغيرها.

وتابع قائلا لـ»طريق الشعب»، ان الحديث عن «سجون الـvip ليس جديدا، انما هي متوارثة من النظام البائد، حيث كان هناك سجناء يتمتعون بمزايا معينة لديهم خدمة مميزة، وبالتالي تعتبر هذه السجون 5 نجوم، وليس سجنا اصلاحيا»، مبينا انه حتى في ظل هذا النظام السياسي «لا تزال هذه السجون موجودة، ويكون فيها التعامل vip إذ انها توفر لسجنائها خدمة الانترنت وقسم منهم يمكنه التجول في المركز، ويوجد لديهم غرف خاصة. ومن لديه السلطة والمال والنفوذ يتمتع بكل هذه المزايا».

واكد الخبير الامني انه «من أمن العقاب اساء الادب، والسلطة التنفيذية اليوم هي غير امينة على ما اؤتمنت عليه، ونحن لا نتحدث عن الحكومة بل عن القيادات الميدانية في السلطة التنفيذية»، مشيرا الى انه «من غير المعقول ان يسرق فلان بينما تكون محاكمته مريحة، نتيجة الضغوطات وغيرها»، مستشهدا على ذلك بـ»سرقة القرن، حيث نجد نور زهير حرا طليقا، وهو متورط بسرقة اموال الشعب العراقي».

سجون للترفيه

من جانبه، يعتقد الناشط عمار القنصل أن «هروب رئيس ديوان الوقف السني سابقاً سعد گمبش «يتعلق بالمحاصصة، وربما يرتبط بالإفراج عن المتهم في سرقة القرن نور زهير، وإن صح ذلك فهذه مشكلة تدلل على ان المحاصصة أخذت مدى أوسع وأكبر حتى وصلت إلى السجون وتهريب المدانين بقضايا الفساد».

وأضاف، «لا أعتقد انه كان حادث هروب فمركز الشرطة يقع في منطقة محصنة ومؤمنة جيداً ومراقبة بالكاميرات، ولا يمكن لأي سجين ان يهرب بسهولة ويختفي ببساطة، ما لم تكن هناك جهات متواطئة تسهل تهريبه، وبكل الأحوال نحن نتابع مستجدات التحقيق بالقضية».

ولفت القنصل إلى أن هناك نوعا من التمييز في ما يتعلق بقضية سجون المسؤولين الفاسدين، فهي سجون مرفهة اكثر من كونها سجون عقابية.

وطبقا لما ذكره في حديثه مع «طريق الشعب»، فأن «احد النواب في الدورة السابقة، محكوم مؤبد بقضية قتل، بينما يُسير جميع أعماله ويتواصل مع ذويه بكل سهولة من خلال السجن الذي يمكن وصفه انه منتجع، لا دائرة إصلاحية يعاقب بها الفرد على جريمة معينة، واذا كان التعامل مع الفاسدين والمجرمين بهذا الشكل في سجونهم المرفهة، فلمَ لا يقضون محكوميتهم في منازلهم؟».

واكد الناشط ان «المحاصصة هي السبب في ان تدار اليوم مؤسسات الدولة بهذا الشكل غير المهني، وجعلها عرضة للمساومات وتتأثر بالضغوط السياسية، بينما الفاسدون من كبار المسؤولين نجدهم يقضون وقتا ممتعا في محكوميتهم على الرغم من جرائمهم المشينة، والدولة لديها علم بهذه القضية بكل تفاصيلها، لكنها تغض النظر».

وخلص الى انه «المطلوب اليوم هو ان يتم الوقوف بشكل جدي على ملف هذه السجون وكشف الجهات التي حولت دوائر الاصلاح الى اماكن ترفيهية، وان تتم محاسبة والتعامل بعدالة مع اي سجين مهما كان اسمه او منصبه».

عرض مقالات: