اخر الاخبار

في بلد عانى من بطش نظام دموي دكتاتوري أوغل في دماء العراقيين بالقمع والحروب العبثية، وتفاقمت المعاناة فيه بعد التغيير، نتيجة المآسي والاقتتال الداخلي ومجازر الإرهاب، جميعها عوامل ساعدت في أن يكون العراق واحدا من البلدان المتقدمة في أعداد المقابر الجماعية التي ابتلعت جثامين الآلاف من أبناء شعبنا.

وفي الوقت الذي فُتح فيه عدد من المقابر، لا يزال هناك الكثير لم يكتشف والبعض الآخر لم يفتح.

هذه القصص المرعبة والمحزنة في آن واحد لا يشعر بها إلا أهالي الضحايا، ممن تجرعوا مرارة الخسارة وتغييب من فقدوا، لذلك يطالب معنيون ومهتمون بحقوق الإنسان بتحويل الملف من مصدر ألم الى حالة من الإنصاف والتعامل بقانونية وإنجاز فتح المقابر وتحويلها الى متاحف، لتكون شاهدا على جرائم ووحشية التطرف والإرهاب.

أرقام مخيفة

يؤكد أصحاب الاختصاص، أن هناك الكثير من المقابر الجماعية لم تفتح حتى الآن، والقسم الآخر غير مكتشف نتيجة لإهمال هذا الملف، وأيضا التعقيدات وضعف الإمكانيات.

مقبرة عبلة وعنتر، إحدى هذه المقابر التي تقع في تلعفر، وتضم ما لا يقل عن 5000 ضحية بحسب تقديرات ذات خلفيات مختلفة وشهادات عديدة، وهي أشبه بوادٍ كان يستخدمه تنظيم القاعدة الارهابي، لإخفاء ضحاياه، واستخدم في ما بعد من قبل داعش.

وشبيهة بمقبرة عبلة وعنتر، هناك حفرة الخسفة، التي يطلق أهل الموصل عليها “حفرة الموت”. وتقع على بعد 20 كم جنوب المدينة، واستخدمها تنظيم داعش الارهابي لتغييب ضحاياه ودفنهم فيها، خلال سيطرته على المدينة في العام 2014.

وفي 22 آذار 2017 كشفت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الانسان، في تقرير لها: أن تنظيم داعش أعدم قرابة 25 ألف شخص في الخسفة.

بينما حذرت مديرية الدفاع المدني في نينوى العام الماضي من أن حفرة الخسفة محاطة بأرض هشة، لا تملك أي جهة حكومية الإمكانات اللازمة لفتحها.

ولفتت الى أنه حتى الصليب الأحمر أو الفرق الدولية لم تتمكن من فتح المقبرة، بعد أعوام من التحرير.

120 مقبرة

وفي هذه المناسبة، قال الخبير في قضايا حقوق الانسان وعضو المفوضية سابقاً د. علي البياتي: ان العراق واحد من الدول التي شهدت حروبا وازمات وكوارث، ومقابر جماعية، كانت نتاج نظام حزب البعث الذي كان يقمع ويقتل الناس ويدفنهم في المقابر الجماعية. لكننا بعد العام 2003 شهدنا مقابر جماعية كانت من نتاج الإرهاب والمجازر والابادات الجماعية.

وأضاف قائلا: “بالنتيجة فان العراق للأسف يعد واحدا من البلدان المتصدرة في إحصائيات المقابر الجماعية”.

وأحصى البياتي عدد المقابر الجماعية في مرحلة ما بعد 2003، وتحديداً التي تسببت بها داعش، بما يقارب 120 مقبرة، وفيها اكثر من 12 الف ضحية.

ويصف البياتي في حديثه مع “طريق الشعب”، الجهود المبذولة في هذا الملف بانها “متلكئة على الرغم من وجود جهة دولية مخولة من مجلس الأمن الدولي للتحقيق بجرائم داعش، لكن هناك غيابا للاولوية في هذا الملف من قبل الحكومات المتعاقبة”، لافتا الى ان “الحكومة الحالية وعلى الرغم من الميزانية الكبيرة التي قدمتها للسنوات الثلاث القادمة، لم نرَ من جانبها اهتماما حقيقيا بهذا الملف او تخصيص مبالغ مالية له، وحتى مديرية المقابر الجماعية المعنية في مؤسسة الشهداء فقيرة من ناحية الموارد البشرية والتخصيصات المالية والامكانيات والخبرات والادوات التقنية والفنية”.

مسؤولية أخلاقية وإنسانية

وقبل أسبوع، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورا لمقبرة جماعية كشف عنها حديثا، بينما انتقد ناشطون طريقة التعاطي مع المقبرة والعبث بها.

وللإيضاح اكثر قال البياتي، إنّ “ما حدث مثال واضح على إهمال الملف، فحسب ما فهمنا وفق ما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي، ان هناك مقبرة تم العثور عليها خلال عمليات الحفر لإعداد مشروع معين، وهو الفندق السياحي في سنجار”.

وتابع قائلا: انه “تم العثور على عدد من الجثث، وقامت منظمة معينة يبدو انها منظمة مجتمع مدني لا نعلم ان كانت مسجلة ام لا، بفتح المقبرة وتحديد الهويات ونشر صور الضحايا، بشكل مخالف للقانون، وتلاعب بمشاعر ذوي الضحايا، حيث كان يجب ابلاغ الجهات المعنية وغلق المكان بالكامل ومنع الوصول اليه، لان النبش في هذه المقابر والبحث والاحتكاك مع الجثث، يؤدي الى فقدان بعض الادلة وتغيير ملامح المقبرة”.

وخلص الى ان هذا الملف بحاجة الى “دعم حقيقي من صناع القرار على مستوى السلطتين التشريعية والتنفيذية والقوى السياسية والمجتمع الدولي”.

مقابر كثيرة لم تفتح!

وعلى صعيد متصل، قال رئيس مؤسسة حق لحقوق الانسان عمر العلواني: إن “اليوم الوطني للمقابر الجماعية وضع للتوعية والحد من هذه الجرائم ومنع استمرارها”، مبيناً ان “موضوع المقابر الجماعية مرتبط بأكثر من نمط انتهاك، ويتعلق بحق الحياة وملف الاختفاء القسري والمفقودين، وهو انتهاك مركب”. 

وأوضح بالقول إنّ “فريقاً واحداً فقط في العراق معنياً بفتح المقابر الجماعية. بينما المشكلة تكمن في أن أعداد المقابر كبيرة، ولا يكفي وجود فريق واحد لهذه المهمة، لأنّ المقبرة الواحدة، تحتاج مدة قد تستغرق عملية فتحها شهورا”.

واكد العلواني لـ”طريق الشعب”، ان هناك “الكثير من المقابر غير مكتشفة حتى الان. قبل اشهر اكتشفت منظمتنا مقبرة في أطراف مدينة الرمادي، نتيجة إحدى مجازر تنظيم داعش الارهابي، وقدمنا بلاغا لمؤسسة الشهداء بشكل رسمي عن المقبرة”.

واوضح بالقول: إن اعداد المقابر الجماعية “وفق التقديرات الاولية هناك تقريباً 202 مقبرة جماعية، وتتوزع هذه المقابر على ثلاث فئات؛ الاولى ترجع الى عهد النظام الصدامي الدموي، ومقابر تسبب بها تنظيم داعش الارهابي، والفئة الثالثة مرتبطة بالحروب والعمليات العسكرية”.

ولفت الناشط الحقوقي الى ان “هذا الملف هو حكومي بالدرجة الاساس، وحتى نحن كمنظمات معنية بحقوق الانسان، لا يحق لنا ان نفتح المقابر او نتصرف بها، فهذه المقابر هي مسرح جريمة، واي تغيير او تأثير يعتبر تلاعبا في مسرح الجريمة”، مؤكدا أن الملف “مرتبط بالدولة التي يجب ان تكثف اهتمامها وتخصص الاموال من اجل فتح تلك المقابر وتحديد هويات ضحاياها”.

وخلص العلواني الى “أننا بحاجة الى توعية وفهم للسياق القانوني في التعامل مع المقابر الجماعية؛ فأهالي الضحايا في بعض الاحيان يستخرجون الرفات عندما يجدون مقبرة جماعية، وينتج عن هذا تلاعب بمسرح الجريمة، وربما تضيع حقوق الضحايا، لان ذلك هو مهمة الجهات الحكومية المعنية فقط”.

عرض مقالات: