اخر الاخبار

في العادة، لم تنجح محاولات السلطات والحكومات، أيا كانت، في قمع الحريات وكبتها، بل على العكس دائما ما زادتها انتعاشاً وقوة في مواجهة تلك الممارسات البوليسية والاستبدادية.

وفي ظل المؤشرات الخطيرة على تراجع حرية التعبير عن الرأي في العراق، تتعمق يوماً بعد اخر تلك النظرة حول دكتاتورية السلطة في العراق، المغلفة بالديمقراطية، خصوصاً بعد حملة إغلاق وتقييد حسابات ناشطين ومؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، قبل ايام.

سلوك مقلق

في هذا الشأن، يقول الاعلامي ومقدم البرامج حسام الحاج: ان ما يقلقه هو تنامي الرغبة السلطوية لدى بعض احزاب السلطة والحكومة في تكميم الافواه.

ويضيف، ان هذا السلوك “يقودنا الى مساحات تتعارض مع الحرية التي منحها الدستور للتعبير عن الآراء”.

ويذكر الحاج في حديثه لـ “طريق الشعب”، ان “السلطة سمحت لنفسها ان تفسر الدستور والقوانين بحسب منظورها، وتعتقد ان التعبير عن الآراء بحرية هو تهديد لها، وهذا في الحقيقة ليس سلوك دولة ديمقراطية مبنية اساساً على الانتخاب وعملية الرقابة المجتمعية والانفتاح على الآراء، بل على العكس تماماً هذا سلوك سلطة دكتاتورية، تخشى من الاصوات والانتقاد، وحتى الرقابة”.

واعرب الحاج عن قلقه من “هذا السلوك الذي تنتهجه الحكومة واحزاب السلطة، حيث لاحظنا الارتفاع غير المسبوق في نسبة رفع الدعاوى القضائية على ناشطين ومحللين سياسيين واعلاميين وصحفيين فقط لانهم ادلوا بآرائهم، والان هنالك اجراءات اخرى تتمثل بتقييد وغلق الحسابات من قبل مؤسسة رسمية. هذا السلوك مقلق ويجب ان لا يترسخ فضلا عن ذلك هو غير ديمقراطي ولا دستوري او قانوني”. ونوه الى ان “الضمانة الوحيدة التي بالإمكان ان تعيد الامر الى نصابه هي كيفية تعامل القضاء مع هذه التفاصيل، والى غاية الان هو يتعامل بمسؤولية ازاء هذه الامور”. ولا يجد الحاج مبررا منطقيا لـ”حجم القلق الذي يساور احزاب السلطة من حرية الرأي ومحاولة تقييده وتكميمه بشتى الوسائل”، مردفا أن “هذا يعطينا انطباعا عن طريقة التفكير التي تذهب بها احزاب السلطة والحكومة”.  ويحذر الحاج من ان “السير باتجاه هذا النهج خطر على الديمقراطية والنظام الدستوري والدولة، بل ممكن ان يأخذنا هذا الى اللون الواحد والحزب الواحد والعودة الى الماضي الاسود”.

ويدعو المتحدث، جميع الصحفيين والاعلاميين والناشطين المتضررين من هذه الاجراءات الى “عدم السكوت، لكي لا نجذر هذه الظاهرة، ولكي لا نذهب باتجاه الخشية من الادلاء بالآراء وحرية التعبير عن الرأي”.

يتداركون اخطاء الماضي

أما الناشط سلام الحسيني، الذي تعرض حسابه على منصة فيسبوك للإغلاق، فيقول انهم “حذرون ودقيقون في ما يكتبون، وحريصون على أن يكون النقد موضوعيا، ولا يطال أو يستهدف شخصية معينة، وإنما نحن موجهون ومقومون للأداء ونبذ نهج المحاصصة والفساد الذي تعمل به الدولة العميقة. وان مشكلتهم هي مع النهج الذي يؤسس له هذا النظام”. وعن تفاصيل إغلاق حسابه قال الحسيني: “في البدء كنت أظن ان إغلاق الحساب بسبب اخطاء قمت بها اثناء التدوين وتقييد الحساب على ضوء ذلك”، مردفا “لكن تبين في ما بعد أنه جرى تقييد حسابات اخرى لشخصيات هي الاكثر حدة في معارضة حكومة السوداني. هذا ما أخبرني به مختصون في وسائل التواصل، وبعض الزملاء من الصحفيين والاعلاميين والمحللين”.

وقال الحسيني لـ”طريق الشعب”، ان “هذه الحسابات المعارضة ترسل ملفاتها الى الشركات بعنوان شخصيات تهدد الامن الوطني. وعلى هذا الاساس يتفاعل فيسبوك مع هذه القضايا لإغلاق الحسابات، وقمنا بالاتصال بالشركات المختصة واستوضحنا عن الامر”، مؤكداً انه “لا قدرة لفيسبوك على غلق اي حساب، الا اذا كان الحساب يخالف معايير الشركة، والقضية الاخرى تتعلق بأن يكون الشخص مهددا للأمن الوطني”.

واشار الى ان “الجهة التي كلفتها حكومة السوداني تولي هذا الملف، تضلل مكتب فيسبوك بأن حساباتنا تهدد الأمن الوطني، وهذا يعني ان اي صوت معارض ويمكن ان يؤثر في الشارع العراقي، يهدد الامن الوطني”.

واردف الحسيني قائلا: “انهم يتصورون بان ما حصل في ايام انتفاضة تشرين، كان نتيجة اخطاء كارثية، حيث لم يتم قمع الاصوات التي دعت للتظاهرات، وبالنهاية ادت الى اسقاط حكومة عادل عبد المهدي، لذا هم لا يريدون ان يعاد درس حكومة عبد المهدي في الحكومة الحالية”.

ولفت الى ان القوى المتنفذة تعمل “على إنشاء دكتاتورية مصغرة، تحمل عنوان الديمقراطية والحرية ولكنها قامعة للأصوات ومكممة للأفواه. وفي الوقت نفسه تنشئ معارضة مطبلة للسلطة، حيث هنالك جهات سياسية تابعة للاطار التنسيقي تعمل على انشاء معارضة موالية لحكومة الاطار”.

لتتكاتف الاصوات الحرة

الناشط السياسي حامد السيد، قال ضمن هذا السياق ان الاستهداف طال اصواتا معارضة وحسابات ناقدة لأداء السلطة الحالية، ورافضة لائتلاف ادارة الدولة الحاكم، مشيرا الى ان “تحديد حسابات بهذه الصبغة يجعلنا نعتقد بالنهاية بأنها حملة ممنهجة”.

وأضاف ان “هناك ابلاغا رسميا صادرا عن مؤسسة حكومية، وجرى تقييد حساباتنا”.

ونوه السيد في حديثه مع “طريق الشعب”، بأنها “محاولة لإفراغ الفضاء الالكتروني من الرأي الناقد والمعارض او الذي يشخص أخطاء حقيقية وجدية”.

وتابع، ان هذا السلوك يشكل “نوعا من انواع العزل للرقابة الشعبية. بينما السلوك الذي يقدم عليه مدونو القوى المتنفذة واتباع الاطار التنسيقي هو سلوك منحرف، يستخدمون فيه ألفاظا بشعة، ويقذفون بأعراض من يخالفونهم، ويحرضون على الاخرين”.

وحذر الناشط من ان “هذا السلوك وارد جداً ان يتطور مستقبلاً ويأخذ شكلاً اكثر استبدادية، فعندما يقيد الحساب اليوم، سيقومون غداً بتقييد اليدين، كما هو الحال مع زميلنا محمد نعناع، الذي عاد قبل قليل من المحكمة، بسبب دعوى قضائية جديدة من قبل الممثل القانوني لرئيس مجلس الوزراء ضده، بسبب تغريدات معارضة وعامة يكتبها، بينما يعتبرونها مسيئة، وقد خرج بكفالة مرة اخرى”.

وشدد حامد السيد على ضرورة ان تتكاتف الاصوات الحرة وتواجه الممارسات القمعية، اذا كانت اصواتا صحفية او ناشطة او سياسية، موجهاُ نداءه للقوى المدنية والنخب المثقفة، لان تقف بالضد من ممارسات اسكات صوت المعارضين.

عرض مقالات: