اخر الاخبار

حل امس الاثنين اليوم العالمي للبيئة، بينما تواجه البيئة العراقية جملة تحديات، قد تجعل منها مكانا لا يصلح للعيش بعد سنوات، في ظل تفاقم وعدم إيجاد الحلول المناسبة لها من قبل الجهات المعنية.

ففي الوضع الراهن، تشكل هذه التحديات تهديدا وجوديا للكثير من الكائنات الحية، طبقا لمراقبين.

وتبدأ مشكلاتنا البيئية من التلوث على مستوى الهواء والتربة، نتيجة اعمال استخراج النفط وغيرها، اضافة لتلوث المياه الذي تلعب فيه مؤسسات الدولة دوراً كبيراً. وعلى الرغم من المؤتمرات المتعلقة بالبيئة، التي احتضنها العراق خلال هذا العام، وبرغم ادراك المعنيين لحجم التهديد والمخاطر التي تواجهنا، الا ان اصحاب الاختصاص يجدون ان الاستجابة الحكومية لم تزل بطيئة.

عن يوم البيئة العالمي

وبدأ احتفال دول العالم بهذا اليوم في العام 1972، ويُشرف عليه برنامج الأمم المتحدة للبيئة، حيث تستضيف في 5 حزيران من كل عام مدينة في العالم الفعاليات الرسمية لهذا اليوم، كما تم إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة “UNEP” التابع لمنظمة الأمم المتحدة في نفس السنة والذي استغل الاحتفال العالمي بالبيئة في 5 حزيران لتوضيح المخاطر المحيطة بالبيئة، واتخاذ إجراءات سياسية وشعبية للحفاظ عليها.

وتطور يوم البيئة العالمي إلى منصة عالمية لزيادة الوعي واتخاذ إجراءات بشأن القضايا الملحة، بدءاً بالتلوث البحري والاحتباس الحراري وصولا إلى الاستهلاك المستدام والجرائم التي تمس بالحياة البرية.

ويشارك العديد من الناس حول العالم في هذا الحدث للعمل على تغيير العادات الاستهلاكية السائدة وللتأثير على السياسات البيئية الوطنية والدولية.

تهديد وجودي

في هذا الصدد، يقول الخبير البيئي د. شكري الحسن: ان الاحتفال باليوم العالمي للبيئة لا يجب ان يمر مرور الكرام في العراق او كمناسبة عابرة، وانما يذكرنا دائماً بالخسائر الفادحة التي ارتكبت بحق بيئتنا، التي جرى تشويهها والحاق الدمار بمساحات واسعة منها، وتم الاضرار بها بشكل كبير.

ويضيف قائلا في حديثه مع «طريق الشعب»، انه «علينا ان نتذكر في هذا اليوم غابات النخيل في البصرة، ونقاوة مياهنا في الماضي ووفرتها، والتي اصبحت اليوم ملوثة وشحيحة، وازدهار الاهوار وكيف اصبحت اليوم مستنقعات وبركاً يحاصرها الجفاف. هذا اليوم يجب ان يذكرنا بخصوبة تربتنا واراضينا التي يأكلها التصحر واصبحت قاحلة، وكيف ان العراق خلا من الملوثات في الماضي، بينما اصبح اليوم واحدا من اكثر البلدان تلوثاً».

ويلفت الحسن الى ان «البيئة في العراق اصبحت تعاني من جملة تحديات، تفرض نفسها على الواقع البيئي وحياة الناس وصحتهم، وتسببت بتدهور النظام البيئي. إذ تواجه بلادنا اليوم مشكلات تتعلق بالتلوث والتغير المناخي واتساع رقعة التصحر وشح المياه. وهذه تحمل معها مخاطر قد تهدد حياة الناس وارزاقهم، وتشكل تهديدا للكائنات الحية الاخرى».

إهمال ملف البيئة

ويؤكد ان ملف البيئة من «الملفات المهملة التي لم تحظ بالأولوية والا لما شهدنا هذه المشاكل الكبيرة التي نعاني منها في الجانب البيئي، والتي هي بواقع الحال تراكمت على مدار السنوات الماضية حتى وصلنا الى هذه التحديات اليوم»، مبينا انه «في العامين الاخيرين شهدنا انتباها لهذه المشكلات، وادراكا لهذه التهديدات الوجودية المتعلقة بالبيئة، والتي قد تتفاقم وتضيف المزيد من الاعباء على الحكومة والمعنيين. وعلى الرغم من ذلك الا ان الاستجابة لم تزل بطيئة».

ضعف التنفيذ والمتابعة

ويرى الخبير ان «هناك ضعفا كبيرا في الجانب القانوني المتعلق بالبيئة، واضافة لذلك هناك مشكلة اخرى: فبرغم التلكؤ في سن التشريعات، لدينا ضعف في تنفيذ ومتابعة تنفيذ هذه التشريعات. وبالتالي هذا يسمح بزيادة التجاوزات على مستوى الافراد او المؤسسات».

ويختتم حديثه بـ»اننا بحاجة الى بناء استراتيجيات مؤثرة تحرص على الاهتمام بموضوعة البيئة، وان يصبح هذا الملف في اولويات الحكومة، لا ان يكون مادة دسمة لصياغة الشعارات الدعائية للقوى السياسية. ومن المهم اليوم توعية الناس بالمخاطر البيئية التي تداهمنا، وكيفية مواجهتها وسبل تخفيفها».

من جانبه، يقول الناشط البيئي علي نور إن أحد اهم التشريعات القانونية المعنية بالبيئة، هو قانون 27 لسنة 2009، وهو قانون حماية وتحسين البيئة، الذي يحمل في طياته الكثير من الفقرات التي تحمي البيئة، وتمنع سكب الملوثات ومحاسبة الجهات التي تقوم بتلويث الأنهر والهواء او تلويث التربة.

ويضيف، ان هذا القانون «جيد» ويحمي البيئة في الكثير من مواده، لكنه على ارض الواقع غير مطبق؛ فهناك اهمال وتقصير من قبل الجهات الرقابية والحكومية في انفاذ هذا القانون داخل الجهات والشركات او المؤسسات المتسببة بالتلوث».

وفي ما يتعلق بالملوثات البيئية، يقول إنه «حسب المعايير العالمية، فإن اي مصنع او معمل او مؤسسة تنتج بعض الملوثات يجب ان تكون بعيدة عن المناطق السكنية بمسافة لا تقل عن 10 كم، بينما في العراق تبعد حقول النفط ومشاعل الغاز عن بعض المنازل 500 متر فقط. بمعنى انها وسط القرى والمناطق السكنية وهذه كارثة ادت الى ارتفاع نسبة الاصابة بالسرطان في محافظة البصرة وتلويث التربة والهواء».

ونبه الى ان حجم المخاطر والضرر البيئي في البصرة كبير جداً، وانها الاكثر تضرراً بيئياً؛ فالتلوث فيها على جميع المستويات (الهواء والمياه والتربة).

وتابع حديثه ان هناك جهتين تسببان التلوث في المحافظة، وهما وزارتا النفط والكهرباء. اما في ما يخص تلوث التربة فوزارة النفط تسكب المخلفات على الاراضي. أما تلوث المياه فان مصدر التلوث تتحمله جهتان اساسيتان وهما وزارة الصحة التي ترمي المخلفات الصحية المحملة بالمواد الكيميائية والخطرة في الانهر، ووزارة البلديات _ دائرة المجاري التي ترمي مياه الصرف الصحي في الانهر، ما يؤدي الى تلوثها، وبالتالي تسبب مشاكل صحية للأفراد، من بينها الفشل الكلوي.

ويخلص في حديثه الى ان من الضروري اليوم ان «تكثف الجهات المعنية جهودها من اجل حماية البيئة، ومن اجل واقع بيئي افضل»، لكن يرهن تحقيق ذلك بـ»تحقيق العدالة البيئية عبر تطبيق قوانين تخص البيئة. ومن جانب اخر على وزارة البيئة ان تأخذ دورها في التصدي لكل جهة او شركة او مؤسسة تعبث بالبيئة».

عرض مقالات: