اخر الاخبار

لا يمر يوم على العراقيين دون أن يسمعوا أن يشاهدوا أو يشاركوا في احتجاجات تطالب بفرص العمل والتعيينات، بينما تجري السلطات الحكومية المعنية مسوحاتٍ ميدانية لسوق العمل، والتي عادة ما تنتهي باعلان نتائجها فحسب، على الرغم من ان الهدف من اجرائها هو فهم ومعرفة الواقع ورسم الخطط والسياسات التنموية ووضع المعالجات.

يقول اقتصاديون، ان هذه المسوحات والمعطيات لا يأخذها صانع القرار الحكومي بنظر الاعتبار، ولا يتم التعاطي معها بشكل صحيح، الى جانب وجود تحديات اقتصادية وامنية وسياسية تحول وتعرقل تنفيذ تلك الخطط والاستراتيجيات، التي تستهدف معالجة الازمات.

 دعوة للاستفادة من مخرجات المسح

وأعلن نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التخطيط محمد تميم، الخميس الماضي، إطلاق نتائج مسح سوق العمل في القطاع الخاص للمؤسسات المتوسطة والكبيرة في عدد من الأنشطة المختارة في جميع المحافظات عدا إقليم كردستان، والذي نفذه الجهاز المركزي للإحصاء بالتعاون مع دائرة التنمية البشرية في الوزارة.

ودعا الوزير جميع الجهات ذات الصلة من “القطاعين العام والخاص، ومنظمات المجتمع المدني، والمنظمات الدولية، إلى التعاون الجاد في الاستفادة من مُخرجات المسح في تحسين مستوى سوق العمل في القطاع الخاص العراقي وتمكينه من القيام بدوره المطلوب، بما يخدم التنمية وتحقيق الشراكة الحقيقية بين القطاعين”.

اهداف المسح

وعن تفاصيل المسح، قال المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي: ان هذا المسح شمل أكثر من 493 مؤسسة كبيرة ومتوسطة، وان الهدف منه هو معرفة واقع هذه عمل المؤسسات من حيث عدد العاملين في الأنشطة الاقتصادية، ونسبة العمالة الأجنبية، والتخصصات الموجودة والوضع القانوني لهذه المنشآت والعاملين فيها ومؤشرات اخرى مهمة. وشمل المسح جميع محافظات العراق عدا إقليم كردستان.

واضاف لـ”طريق الشعب”، ان “المسح يشكل لدينا تصورا عن واقع القطاع الخاص، نعرف من خلالها اين مكامن الخلل لنعالجها، وأين المفاصل الإيجابية لكي يتم تعزيزها. وهذه النتائج تمثل خطوة باتجاه رسم صورة لواقع القطاع الخاص باتجاه تحقيق الشراكة مع نظيره القطاع العام”.

وعن نتائج المسح كشف الهنداوي، ان النتائج أظهرت ان “نشاط التعليم يستحوذ على المساحة الكبرى ضمن الأنشطة الاقتصادية، واغلب العاملين في هذه المؤسسات لا يتوافرون على مهارة اللغة الإنكليزية، وان نسبة عمل النساء في هذه المؤسسات تمثل 32 في المائة، مقابل 55 في المائة هي نسبة الرجال، وهذا يمثل تحسناً في دور وحضور المرأة الاقتصادي في القطاع الخاص”.

وتابع قائلا ان “نسبة 99 في المائة من العاملين في هذه المؤسسات هم من العراقيين. اما العمالة الأجنبية فكانت النسبة 0.9 اي انها اقل من 1 في المائة، وعلى مستوى جنسيات العاملين، كانت الجنسية البنغالية هي الأعلى وتمثل 28 في المائة من مجموع العاملين الأجانب تليها العمالة اللبنانية وثم السورية والتركية والصينية”.

وتابع، “هذه أبرز النتائج التي تمخض عنها هذا المسح، وهناك تفاصيل أخرى في المسح، رسمت بمجملها صورة عن واقع هذه المؤسسات في القطاع الخاص”، بحسب الهنداوي.

قراءة الواقع

ولفت المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط الى انه في الأساس “الهدف من اجراء هذه المسوحات هو قراءة ومعرفة الواقع والاستفادة من هذه المؤشرات في رسم الخطط والسياسات التنموية بعيدة المدى، وبضمنها هذا المسح الذي أجرته الوزارة باتجاه تعزيز مبدأ الشراكة بين القطاعين الخاص والعام، وتعزيز ما رسمه قانون العمل والضمان الاجتماعي من تحسين مستوى واقع العمل في القطاع الخاص، وعلى هذا الأساس يتم وضع الخطط والسياسات التنموية بعيدة المدى”.

ورغم كثرة المسوحات التي تجريها الوزارة، الا اننا لا نستفيد منها في الواقع، وهذا ما أكده الخبير الاقتصادي، ماجد الصوري.

وقال لمراسل “طريق الشعب”، ان “وزارة التخطيط تقوم بدورها بشكل كامل مع منظمات ومؤسسات دولية في ما يتعلق في هذه المسوحات، لكن المشكلة هي ان الحكومة لا تستفيد منها ولا تأخذها بنظر الاعتبار، وتضع سياسة اقتصادية لمعالجة ما هو سلبي فيها وتعزيز ما هو ايجابي بإجراءات محددة واستراتيجية من قبل الحكومة ومؤسسات الدولة”.

من جانبه، أوضح الهنداوي الإشكاليات التي تواجه عمل الوزارة في هذا الإطار، بالقول: “هناك صعوبات في الواقع العراقي تحول او تعرقل او تؤخر تنفيذ هذه الخطط والاستراتيجيات، وبالتالي لا يتحقق كامل الهدف الذي تستهدفه هذه الخطط او الاستراتيجيات. وهذه التحديات ناتجة عن أسباب كثيرة قد تكون اقتصادية وامنية وسياسية”.

وخلص الى ان التحديات “ما زالت موجودة، لكن الان المؤشرات تشير الى ان هناك تحسنا وقوة في مواجهة هذه التحديات، في ظل توجه الدولة نحو إقرار موازنة ثلاثية لثلاث سنوات، بينما تستعد وزارة التخطيط لإطلاق خطة تنموية جديدة. وهذه المعطيات تأخذنا الى انه في قادم السنوات ربما سنشهد تغييراً في مسارات تنفيذ هذه الخطط من خلال معالجة التحديات التي عرقلت خلال السنوات الماضية” بحسب تصوره.

وقال، انه لا فائدة من وجود هذه المسوحات ما لم يتم استثمارها في معالجة هدف اجرائها، مردفا أنه “لا توجد لدينا استراتيجية اقتصادية واضحة المعالم، ذات اهداف ومؤشرات تؤدي الى تحسين الاوضاع وتشجع المعطيات الايجابية في المسوحات والاحصاءات وتقضي على السلبيات وتعالجها”. واكد الصوري ان “صانع القرار الحكومي والمعنيين لا يتعاطون بشكل صحيح مع هذه الملفات، بدليل أنها ليست ضمن الخطة الاقتصادية للدولة، وعلى سبيل المثال البطالة، حيث لا توجد اي طريقة لدى المعنيين لمعالجة هذه الازمة سوى التوظيف، ولذلك ارتفع عدد الموظفين عام 2004 من 850 ألف موظف 4 ملايين موظف في موازنة 2023”.

وتساءل في سياق حديثه بالقول: ان هناك “مؤشرات من وزارة التخطيط كبيرة جداً: الفقر ارتفع، البطالة كذلك، عدد الموظفين ارتفع. بما معناه ان البطالة المقنعة والبطالة الفعلية ارتفعت. فما هي الاجراءات الحكومية للقضاء على هاتين الظاهرتين السلبيتين؟ الجواب: هو لا توجد اجراءات غير التوظيف”.

واستدرك بالقول: ان هناك لمسات “لتشجيع القطاع الخاص والانتاجي بشكل عام، سواء الحكومي او الخاص او المختلط، لكن لا يمكن التقدم نحو الامام اذا لم تكن هناك حزمة اجراءات تتضمن المبالغ المخصصة وتنظيم توزيع الاموال المتعلقة بالتنمية وتركيزها، في نفس الوقت وضع المؤشرات الاساسية للإنجازات التي يمكن ان تحصل”.

وأردف الخبير الاقتصادي بالقول ان “صناديق التنمية في العراق كثيرة جداً، ومصارف تنموية موجودة بكثرة، لكن للأسف الشديد انتقلت للعمل التجاري أكثر من التنموي. وهذا يعني وجود تشتت كبير في الاموال”، مبينا ان احد الاجراءات المهمة التي يمكن ان تتخذ هو “تركيز هذه الاموال في مصرف تنموي واحد في العراق، وبرأس مال محترم يبلغ بحدود 10 تريليون دينار. وهذا المصرف يضع خطة تنموية مستقلة عن الحكومة والنفقات التشغيلية في الموازنة، ما يسهم بشكل كبير في دعم عملية التنمية الاقتصادية في القطاعات الإنتاجية بالذات”.

تشتت بين الأجهزة التنفيذية

الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم، ذكرت من جانبها، ان كل السياسات في العراق وعلى رأسها السياسة الاقتصادية لا تستند على اسس علمية او منطقية. بمعنى أدق نحن لا نستفيد من هذه المسوحات بتوجيه السياسات في البلد.

وتابعت قائلة لـ”طريق الشعب”، ان “ما وصلنا اليه من سوء في الأوضاع اليوم هو خير دليل على ذلك، والتي اعتبرها نقطة فشل؛ فالدراسات والمسوحات والإحصاءات في واد، والقرارات الحكومية وسياساتها في واد اخر”، مؤكدة انه لا فائدة من هذه المسوحات او الإحصاءات التي تجرى، “إذا ما لم يتم الاخذ بها والتعامل معها بشكل دقيق وواقعي، وترجمتها الى سياسة حقيقية من شأنها ان تعالج وتغير الواقع”.

وزادت سميسم ان “المسوحات والبحوث التي يجريها طلبة البحث العلمي ومنظمات المجتمع المدني ومراكز البحوث، يتم التوصل فيها لنتائج، من شأنها ان تخرج بحلول، بينما صناع القرار لا يعيرونها أية اهمية”.

وأكدت الخبيرة الاقتصادية ان من الضروري “ان نبني قراراتنا على مسوحات وإحصاءات تبين لنا الواقع ومكامن الخلل، وهي أيضاً تسهم بشكل كبير في تغيير الواقع، ومعالجة الكثير من المشكلات”.

وخلصت متسائلة الى ان “هذا التشتت هو نتيجة سوء التنسيق بين الأجهزة التنفيذية، وإلا فالمسوحات تجري عن طريق وزرارة سيادية، ووزيرها هو نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية؛ فلماذا لا يستفيدون من هذه المسوحات في صنع القرار الاقتصادي؟”.

عرض مقالات: