اخر الاخبار

في كل دورة انتخابية، يتكرر المشهد ذاته، حملات انتخابية تحتفي بوجود النساء على القوائم، وصور لمرشحات يتصدرن الملصقات، وشعارات تتغنى بتمكين المرأة ومشاركتها في العملية السياسية. غير أن هذا المشهد المبهج ظاهريا يخفي واقعا أكثر تعقيدا وأقل عدالة، واقع تستغل فيه قوى سياسية مشاركة النساء كوسيلة لتعزيز حضورها الانتخابي، دون أن تتيح لهن مساحة حقيقية للدفاع عن حقوقهن أو التأثير في القرارات المصيرية التي تمس حياتهن.

الكوتا بين الحلم والواقع

وعلى الرغم من أن نظام الكوتا أسهم في رفع تمثيل المرأة داخل البرلمان، إلا أن هذا التمثيل ظل في كثير من الأحيان شكليا، موجها، ومسيطرا عليه من قبل القوى المتنفذة. فبعض الأحزاب تتعامل مع ترشيح النساء كجزء من "معادلة انتخابية" لا أكثر، ووجود ضروري لتحسين شكل القائمة وضمان الالتزام بالقانون، لكنه لا يترجم بالضرورة إلى تمكين سياسي فعلي.

وتظهر شهادات من داخل الأوساط السياسية أن الكثير من المرشحات يتم اختيارهن بناء على الولاء الحزبي أو العلاقات الاجتماعية لا على أساس الكفاءة أو الرغبة الحقيقية في العمل السياسي. وتكون مهمة بعضهن مقتصرة على جمع الأصوات من محيطهن الاجتماعي، بينما تدار الحملات والقرارات الأساسية من قبل لجان حزبية غالبا ما تضم رجالا يحتكرون مواقع النفوذ.

خيبة أمل

هذا النمط من "التمثيل المشروط" ينعكس بوضوح بعد الانتخابات. فبدلا من أن تكون المرأة صوتا مستقلا داخل البرلمان، تجد الكثير من النائبات أنفسهن مقيدات بقرارات الكتلة السياسية، غير قادرات على تبنّي مواقف تتعلق بقضايا النساء ما لم تتوافق مع الخط الحزبي العام. وهكذا تتحول المشاركة السياسية للمرأة من فرصة للتغيير إلى واجهة تجميلية تخدم أهداف القوى المتنفذة.

ومن أبرز مظاهر التقييد هو الضغط الذي تتعرض له النائبات عند مناقشة مشاريع قوانين تتعلق بالأحوال الشخصية، الحماية من العنف الأسري، أو حقوق الأمهات والزوجات. فهذه الملفات غالبا ما ترتبط بتوازنات دينية واجتماعية حساسة، وتخشى الكثير من الأحزاب الاقتراب منها خشية خسارة قواعدها أو إثارة الجدل. وبذلك، تمنع النائبات من لعب دور طبيعي وضروري في الدفاع عن حقوق النساء، رغم أنهن منتخبات ليمثلن نصف المجتمع.

وخير مثال على ذلك، النقاشات الطويلة التي دارت حول قانون العنف الأسري، والتي أظهرت أن أصوات النساء في البرلمان لم تكن قادرة على دفع التشريع إلى الأمام رغم الحاجة الملحّة إليه، بسبب اعتراضات حزبية. وكثير من النائبات تحدثن في جلسات مغلقة عن تعرضهن لضغوط تمنعهن من تبني مواقف قوية قد تفسر بأنها “خروج عن خط الكتلة".

تشهير بالمعارضات

فضلا عن ذلك، فإن الحملات التشهيرية ضد النائبات اللواتي يجرؤن على الكلام في قضايا حساسة تشكل عاملا آخر يقيّد حضور المرأة. إذ تلجأ بعض الجهات إلى استهداف النساء سياسيا واجتماعيا، ما يجعل الكثير منهن يتجنبن الدخول في مواجهات مع القوى النافذة حفاظا على خصوصيتهن وسلامتهن وسمعتهن.

في المقابل، تظهر بعض القوى السياسية خطابا إصلاحيا يدعو إلى دعم المرأة، لكنه يبقى مجرد خطاب. فحين تصل النائبة إلى البرلمان، تجد أن الأدوات واللجان المؤثرة مسيطر عليها من قبل الرجال، وأن المساحة المتاحة أمامها لاتخاذ قرارات فعلية محدودة للغاية. حتى المراكز القيادية داخل الأحزاب نفسها، من مكاتب سياسية وهيئات قيادية، لا تزال حكرا على الرجال في معظم القوى.

هذه المعادلة دفعت بعض الناشطات والخبراء إلى القول إن المشاركة السياسية للنساء في العراق هي "مشاركة مقيدة" تحقق للأحزاب مكاسب شكلية، لكنها لا تصنع تغييرا جوهريا في واقع النساء. والنتيجة أن البرلمان يضم نساءً، لكن القوانين والسياسات التي تحمي حقوق المرأة لا تتقدم بالسرعة أو بالشكل المطلوب. 

ما العمل؟

إزاء هذا الواقع، يبرز سؤال جوهري: هل يكفي وجود النساء في البرلمان لتحقيق التغيير؟ أم أن المطلوب هو إعادة النظر في بيئة العمل السياسي نفسها، وتفكيك البنى الحزبية التي تحتكر القرار وتقيد الأصوات الحرة؟

إن تمكين المرأة سياسيا لا يتحقق بمجرد رفع عدد النساء في القوائم الانتخابية، بل بتوفير شروط حقيقية للاستقلالية، ورفع الضغط الحزبي، ودعم النائبات في تبني مواقف جريئة تتعلق بحقوق النساء. كما يتطلب الأمر تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية صوت المرأة، ورفض تحويل المرشحة إلى مجرد رقم أو صورة في حملة انتخابية.

لا يمكن أن تستمر الأطراف السياسية في التباهي بمشاركة النساء، وهي في الوقت ذاته تقيد دورهن. فتمثيل المرأة ليس منّة سياسية، بل حق دستوري، ومسؤولية وطنية، وضمان لاستقرار المجتمع وعدالته.