اخر الاخبار

القى الناقد التشكيلي خالد خضير الصالحي محاضرة ضمن المنهاج الثقافي لاتحاد الادباء والكتاب في البصرة، عنوانها (فيصل لعيبي.. التواشج الجيني بين قوانين الرسم الاكاديمي، وقوانين الرسم الاسلامي) قدمه فيها الدكتور عباس الجميلي.

قدم المحاضر في مستهلها تعريفات لمصطلحات المحاضرة، ومنها: التحوير او (التحريف او التغيير) في قوانين التشريح، وقد ادخل ضمن هذا المفهوم وتحوله من النحت الروماني الى برامج الفوتوشوب، وأيضا عرف مفهوم (الوضع الأمثل) الذي اعتبره (قمة التحوير) ونموذجه الأعلى منذ الحضارات الرافدينية والفرعونية وتوصلاتها المشتركة للوضع الأمثل، وانتقل الى مناقشة قوانين المنظور وافتراقها عن الرسم ببعدين.

وأعاد مفهوم (التعبير عن الروح المحلية بشروط المعاصرة) الى خطاب عصر النهضة العربية، كما أوضحه د. محمد عابد الجابري: في كتابه (نحن والتراث)، وهو مفهوم اختلف الفنانون في فهمه وتطبيقه، بين الجماعة البدائية (الرسم الانطباعي) وجماعة بغداد.

واكد الصالحي ان موضوعة التعبير عن الروح المحلية كانت مرتكزا اساسا في التوجهات الأولى في الفن التشكيلي العراقي (والرسم تحديدا) فنشات  جماعة بغداد للفن الحديث كاستجابة لهذا التوجه الفكري، وشرطه قبليا لتحقيق صفة الرسم، وليست نتاجا طبيعيا فرضته المواد المتيسرة في الطبيعة، وطبيعة ثقافة المجتمع العراقي والوضع الاجتماعي، وكان في جزء كبير منه عبر موجهات خارجية كما حدث في خطاب جماعة بغداد للفن الحديث، حيث استعير من خطاب الاشكالية الحضارية لعصر النهضة العربية.

وبعد رحيل جواد سليم، بدأت تخفت قضية (التعبير عن الروح المحلية) وعمد الستينيون الى التخلي شيئا فشيئا عن الفكرة باعتبارها شرطا قبليا لتحقق صفة الرسم، ولم تتبق الا محاولات منفردة من بعض الستينيين حيث شكلت وقتها مقترحات (حداثية) لموضوعة "التعبير عن الطابع المحلي"، مقارنة  بتجربة جواد سليم، وخارج هيمنته بشكل كبير، واهمها تجربة كاظم حيدر الذي بدأ اهم الخطوات في معرض الشهيد (1965)، الذي شكل مقترحا (حداثيا)، وقتها، لموضوعة (التعبير عن الروح المحلية)؛ فأحدث هزة في الموضوعات اكثر مما قدم من اشكال؛ فكان يتجه كثيرا الى تجريد شخوصه، بينما انتهى مقترح فائق حسن والجماعة البدائية الى اسلوب انطباعي لا علاقة له بقضية (التعبير عن الروح المحلية) سوى تصوير (المكان) المحلي في بساتين المناطق المحيطة ببغداد.

المقترح الاكاديمي

ان المقترح الاخر الذي وظف الاسلوب المدرسي الاكاديمي كحاضنة ممكنة لهذه الموضوعة اتبعه فنانون تأثروا بالفن الروسي ومنهم: محمد عارف وماهود احمد وعفيفة لعيبي وفيصل لعيبي وأخيرا وسماء الاغا؛ فقدم كل منهم مقترحاً ضمن اطار الرسم العراقي، حيث اتجهت عفيفة لعيبي لتصوير دواخل شخوصها المتمردة المتوحدة وابتعدت عن الطابع المحلي العراقي في منجزها.

وشكلت قضية التعبير عن الروح المحلية الاستراتيجية الموضوعاتية والشكلية لمنجز واسع من (الرسامين) العراقيين، ومنهم الرسام فيصل لعيبي الذي ترجم تلك الروح المحلية بنماذج من الفولكلور العراقي فشكلت موجها قرائياً للنقد اللاحق مما اعاق النقاد عن تقديم كشوفات في جوهر تجربة فيصل لعيبي.

ان المنجز الاهم الذي ينتمي للاسلوب الاكاديمي، والذي بقي وفيا لموضوعة الروح المحلية، كانت تتمثل في تجربة فيصل لعيبي الذي اتجه الى تحقيق تواشج بين قوانين الفن الاكاديمي ذي الابعاد الثلاثة، وقوانين الرسم الاسلامي ذي البعدين، واجراء تغييرات في قوانين التشريح ليلائم قوانين كلا الفنين.

نحن نتلقى الفن كشكل لذلك نقول بوجود حضور خلقه فيصل لعيبي بين قوانين الرسمين الاسلامي والاكاديمي عبر: الوضع الامثل (تحوير قوانين التشريح)، وبدائل قوانين المنظور، مما يعني ان محاولة فيصل لعيبي كانت في اجراء عدة تغييرات في الرسم الاكاديمي من خلال استخدام منظومة من  الأليات التقنية البديلة عن قوانين المنظور الاكاديمي ويسميها آل سعيد: المنظور التكراري والمنظور البعدي، وايضا استغلال التلاعب بدرجات اللون، وبالاحجام من اجل ابراز العمق. كما اوجد حلولاً اضافية اخرى للمشاكل المعقدة التي وجد نفسه داخلها ومنها: ان يخلق فضاءً غامضاً ومضغوطاً بقصدية، وكان يحاول تركيب اسلوب منظوري وهمي متعدد الزوايا اطلق عليه "اتجاهات النظر" او "زوايا الالتقاط" يحدّه في ابعد نقاطه عن المشاهد جدار احادي اللون يجعل الفضاء مشابهاً لعلب السردين. والبيوت الزجاجية للاسماك.. فبدت الشخوص طافية في الهواء، وعلى ارتفاعات مختلفة تشي ببعدها عن المشاهد، بينما تحولت الارضية الى جزء اسفل من الجدار في فضاء يماثل فضاء المسرح بلا ارضية.

تبرز اهمية الوضع الامثل عندنا باعتباره (نمطا شكليا اعلى) في الرسم، وقد استعار فيصل لعيبي، من الفنون القديمة للعراقيين القدامى والفراعنة والمسلمين، ما يعرف "بالوضع الامثل" وهو وضع تتخذ فيه الموجودات الاوضاع التي تظهر اهم خصائصها الشكلية ويستوجب ذلك درجة من (التحريف) في قوانين التشريح بالنسبة لجسد الانسان، ودرجة من التحريف المنظوري بالنسبة للاشكال الجامدة الاخرى، فاتخذت الاقدام واباريق الشاي وضعا جانبيا، بينما اتخذت الصحون وضع "عين الطائر"، واتخذت الاكتاف وضعا مبتكراً جديداً فيرسم فيصل لعيبي الكتف القريبة من المشاهد بوضع جانبي، ويرسم الكتف الابعد بوضع امامي، فكانت هي الازاحة الاهم لنسق (التعبير عن الروح المحلية) الذي انتجه فيصل لعيبي فاستخدم التصوير (بعين الطفل)، وتصوير ما يشعر به او ما يريد ان يراه، وليس ما يراه فعلا، وكان يحرك زاوية النظر عدة مرات داخل اللوحة، وقد اجرى تحويرات مهمة ومبتكرة في الوضع الامثل، بهدف تطويع الاسلوب الاكاديمي ليتفاعل شكليا مع الرسم الاسلامي والرافديني القديم.."، لدرجة انه ابتكر وضعه الامثل في تشريح الجسد البشري وفي تصوير الموجودات من زاوية النظر المثلى.