اخر الاخبار

وكالات

يُمثل الأمر التنفيذي الذي وقعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للعمل على تصنيف فروع جماعة الإخوان "منظمات إرهابية أجنبية" تحولا كبيرا في سياسة واشنطن التي اقتنعت أخيرا بأن الجماعة "تهديد عابر للحدود والأوطان" ينبغي مواجهته.

القرار، الذي من المتوقع أن يشمل فروعا للجماعة في كل من مصر والأردن ولبنان، يحمل أبعادا سياسية وأمنية وقانونية، ويفتح الباب أمام أسئلة حول دلالات هذه الخطوة في هذا التوقيت، ولماذا استغرق الأمر ما يقرب من قرن قبل أن تتحرك واشنطن بهذا الشكل رغم تاريخ "الإخوان" الحافل بالارتباطات المسلحة والتوترات الإقليمية.

ويلفت الخبراء إلى أن القرار الأمريكي سيعزز العلاقات بين واشنطن ودول في المنطقة عانت لعقود من سياسات الإخوان التي لعبت دورا كبيرا في دعم الاضطرابات والتحريض على العنف، وإثارة الفتن والانقسامات.

 

التصنيف قانونيا

يقول مراقبون، إن التصنيف الأمريكي للجماعة كمنظمة إرهابية لا يعد خطوة رمزية، بل سيترتب عليه إجراءات عملية عدة، بينها "تجريم الانضمام للمنظمة أو دعمها ماديا أو لوجستيا".

كما ستشمل الإجراءات تجميد الأصول المالية للجماعة داخل الولايات المتحدة، وملاحقة الأفراد والشركات والمؤسسات التي تتعامل معها.

ويوضح الخبراء أن الإجراء الأهم هو أن هذا التصنيف سيمنح واشنطن صلاحيات واسعة لتجفيف منابع التمويل "المشبوه"، وإغلاق قنوات الدعم، وملاحقة جهات متبرعة، وبذلك تصبح فروع الإخوان تحت المراقبة الدقيقة، ليس داخل الولايات المتحدة فحسب، بل أيضا عبر النظام المالي الدولي الذي تهيمن عليه واشنطن.

واللافت أن هذه الجهود الأمريكية لمحاصرة الإخوان تتزامن مع جهود أوروبية مماثلة تستهدف آليات التمويل للجماعة، ووضعها تحت المراقبة، خصوصا، وفي ظل وجود شبهات بـ"غسل الأموال"، وتجارة الحلال، التي تعد وسيلة للكسب غير المشروع أكثر من كونها أداة بريئة لتطبيق الشريعة الإسلامية. 

وترجح مصادر خاصة أن التحرك  الأمريكي ضد الإخوان سيشجع دولا أوروبية على اتخاذ خطوات مماثلة بعد تقارير أمنية عن أن "الإخوان" يتخذون من الجمعيات الخيرية والمؤسسات التعليمية غطاء لبسط النفوذ عبر التحريض على العنف والانقسام والكراهية في المجتمعات الأوروبية التي نظمت، في الآونة الأخيرة، احتجاجات تطالب بتصنيف الجماعة منظمة إرهابية.

وستشمل الإجراءات الأمريكية، على المستوى القانوني، كذلك، وضع قيود على السفر والإقامة والتواصل، وهو ما سيعرقل تنقل "المنتمين للجماعة"، بوصفهم "إرهابيين عالميين"، حسب ما ورد في الأمر التنفيذي الأمريكي.

 

البعد السياسي

يكشف التصنيف عن أن واشنطن بدأت تستشعر الخطر من جماعة الإخوان باعتبارها "جزءا من المعادلة المضادة للاستقرار والتنمية في منطقة الشرق الأوسط"، وبالتالي فهي تشكل، بحسب مراقبين، عقبة أمام التصورات الأمريكية الجديدة التي تركز على تطوير الجوانب الاقتصادية كطريق لحل النزاعات السياسية المزمنة.

ومن المعروف أن جماعة الإخوان، بحسب خبراء، تنشط في البيئات الرخوة وتستغل الفراغ الأمني، هنا وهناك، لتأجيج الاضطرابات وتمرير أجنداتها وبرامجها "غير الوطنية".

ودأبت جماعة الإخوان، طوال عقود، على اتباع سياسات لا تأبه لـ"التنمية والتطور"، بل يمكن اختزال أهدافها، وفقا للخبراء، في الوصول إلى السلطة بأي ثمن كان، وهو ما لا يتسق مع سياسة إدارة ترامب التي تسعى إلى إطفاء الحروب وتعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية مع دول المنطقة.

ويذهب الخبراء إلى أبعد من ذلك، إذ يرون أن التصنيف الأمريكي يضع حركات الإسلام السياسي، برمتها، أمام خيارين حاسمين، فإما التحول إلى تيارات سياسية مدنية منفتحة تعمل بصورة علنية وشفافة على الأجندات والمصالح الوطنية، وتقطع مع السرديات التقليدية في "التكفير"، أو مواجهة عزلة دولية متصاعدة.

ومنذ تأسيس "الإخوان" قبل نحو قرن، دأبت الجماعة على إعادة تشكيل المجتمع على أساس "الأمة فوق الدولة" و"الجماعة فوق الوطن"، واستحضار النزعات والعصبيات ما قبل الدولة، الدينية والمذهبية والطائفية، لتقوض بذلك مفهوم المواطنة، وتهدد استقرار الدول بمفهومها الحديث.

 

صحوة أمريكية متأخرة

 ويعزو خبراء تأخر الصحوة الأمريكية ضد الإخوان إلى أن واشنطن استخدمت في النصف الثاني من القرن الفائت وجود الحركات الإسلامية كأداة لمواجهة المدّ القومي واليساري، ما جعلها تتجنب الصدام المباشر معها.

 

الربيع العربي

وفي أعقاب هجوم 11 سبتمبر/ أيلول 2001 ومن ثم نشوب ما سمي بـ"ثورات الربيع العربي"، برزت فصائل إسلامية متشددة مثل القاعدة وداعش، والتي دفعت الإدارة الأمريكية إلى محاربتها بدءا من أفغانستان وصولا إلى سوريا والعراق، الأمر الذي منح الإخوان أريحية في العمل بل ووصلت إلى الحكم في عدد من الدول، لكن سياساتها الإقصائية سرعان ما أسقطتها.

وفي سياق تفسير الصحوة الأمريكية، يشير خبراء إلى أن التقارير الاستخبارية والأمنية الأخيرة كشفت، دون لبس، ارتباط قيادات الإخوان بتنظيمات مسلحة في المنطقة، فضلا عن دور إعلامي تحريضي ساهم في تأجيج النزاعات والاضطرابات داخل دول عربية.

كما كشفت كذلك التقارير الاستخبارية الأخيرة عن "أنشطة مالية غير شفافة للجماعة عبر جمعيات ومؤسسات خيرية في الغرب".

وثمة عامل آخر، وفقا لخبراء، يفسر التحول الأمريكي، وهو أن المزاج العالمي يتجه، حاليا، نحو رفض المشاريع الدينية العابرة للحدود، ولا شك أن "الإخوان" هي إحدى أبرز تجليات هذه المشاريع التي تعيق جهود التنمية الوطنية وتفرض تحديات مباشرة على الأمن الإقليمي والدولي.