اخر الاخبار

منذ نهاية السلطة الاشتراكية في بولونيا، في عام 1989، لم ينجح اليسار البولوني في بلورة بديل مؤثر، رغم محاولاته العديدة، ونضالاته المتنوعة، وهذا الامر حصر التنافس الانتخابي في البلاد بين يمين قومي محافظ، من الصعب وضع حدود فاصلة بينه وبين اليمين المتطرف الصاعد، واليمين الليبرالي، الذي طرح نفسه بديلا عن سلطة الاشتراكية السابقة. ولا تزال هذه المعادلة تحكم توازن القوى السياسية في البلاد صعودا وهبوطا، وهذا ما تؤشره المعطيات قبيل الانتخابات البرلمانية المقبلة.

استقطاب حاد

من المفترض ان تجري الانتخابات البرلمانية العامة في بولونيا في 15 تشرين الأول الجاري. ويأتي ذلك في ظل تزايد دور البلاد في السياسة الخارجية، نتيجة للغزو الروسي لأوكرانيا، واستمرار الحرب الدائرة هناك. ولنتيجة الانتخابات تأثير كبير على انتخابات البرلمان الأوربي التي ستجري في حزيران 2024: إذا احتفظ حزب “العدالة والقانون “ القومي المحافظ بالسلطة، لان ذلك سيتيح له طرح رؤيته على يوميات السباق الانتخابي في جميع انحاء أوربا.

تشير استطلاعات الرأي حتى الان، الى تقارب بين المعسكر الحكومي، ومعسكر المعارضة، مما يزيد مخاوف الحزب الحاكم من فقدان سلطته هذه المرة، ولهذا يعمل على تشديد لهجته واتخاذ تدابير عديدة وبنحو متزايد. وقد ظهر ذلك من خلال إنشاء لجنة برلمانية ذات صلاحيات خاصة.

مهمة هذه اللجنة مراجعة القرارات السياسية الحكومية السابقة، ومدى اتخاذها تحت “التأثير الروسي”. واللجنة تقوم بدور القاضي والادعاء العام، في تعارض صريح مع الفهم الديمقراطي المعروف. ومن الواضح أن الهدف الرئيسي لهذه اللجنة هو تشويه سمعة زعيم أكبر تجمع معارض “المنصة المدنية”، ورئيس الوزراء البولوني الأسبق، دونالد تاسك، الذي كان رئيس للوزراء في سنوات 2007 - 2014 ويقود المعارضة الآن. وتتمتع اللجنة أيضًا بسلطة استبعاد الأشخاص من المناصب العامة. وفي معظم وسائل الإعلام المستقلة.

من جانب آخر، ينظر العديد من الاعلاميين الى نية الحزب الحاكم، إجراء استفتاء بشأن سياسة اللجوء، تزامنا مع اجراء الانتخابات، على أنه محاولة للفوز بالانتخابات، مرة أخرى على حساب الباحثين عن الامن جراء الصعوبات الكارثية التي تمر بها بلدانهم.

التغيير يتطلب نجاحا انتخابيا يساريا

 القوى الليبرالية المعارضة لا تستطيع تحقيق التغيير دون دعم قوى اليسار لها، فان تحقيق نجاح انتخابي يساري ضروري جدا لتحقيق التغيير المرجو. وقوى اليسار التي تمتلك إمكانية النجاح في التأثير في المعادلة الانتخابية تتوزع اليوم بين: تحالف “اليسار الجديد” الديمقراطي الاجتماعي وحزب “معا” الذي يقف على يساره. واستطلاعات الرأي تعطي هذين الحزبين قرابة 10 في المائة. لكن حدة الاستقطاب بين معسكري الحكومة والمعارضة، ستؤدي الى تركز الأصوات على أكبر الأحزاب في كلا المعسكرين، ما يحمل في ثنياه خطر تهميش قوى اليسار.

الربط بين حقوق الإنسان والحقوق الاجتماعية

تدعم المعارضة الليبرالية بقوة حقوق النساء والمهاجرين وخيارات الافراد الشخصية، ولكن يبقى المحك بالنسبة لها، توفير مصداقية بشأن المشاكل الاجتماعية. لأن الأحزاب الليبرالية كانت مسؤولة، وفي سياق عمليات التحول التي عاشتها البلاد، بدرجات متفاوتة عن فرض التخفيضات الاجتماعية. وقد وظف الحزب الحاكم هذه الحقيقة لكسب ناخبي اليسار، من خلال اقرار إعانة الطفل والتراجع عن رفع سن التقاعد. وعليه فإن العامل الحاسم هو نجاح قوى اليسار في طرح المشاكل الاجتماعية في مركز الحملة الانتخابية، كالخصخصة ونقص تمويل الخدمات العامة، والوضع الكارثي في سوق الإسكان والأجور المنخفضة.

تقوية مواقع اليمين الأكثر تطرفا

وفي استطلاعات الرأي الأخيرة، حقق حزب “الكونفدرالية” اليميني المتطرف مكاسب كبيرة، وحصل، حتى 20 تموز الفائت، على 17 في المائة، وهي أفضل نتائجه حتى الآن ويعود ذلك إلى مطالبتهم بتخفيض الضرائب ورفضهم الصريح لـ “الصواب السياسي الغربي”. بالإضافة الى كونهم الحزب الوحيد في البرلمان، الذي تحفظ بشأن الدعم السياسي والعسكري الذي تقدمه بولونيا لأوكرانيا وسياسة “الباب المفتوح” للاجئين الأوكرانيين. ويعتقد الكثيرون أن “الكونفدرالية” قادر على توفير اغلبية برلمانية لاستمرار سلطة الحزب الحاكم، أي ان خطر سيادة سياسة يمينية أكثر تطرفا من سابقتها قائم.. ومع ذلك، فمن الممكن أيضًا أن يرفض حزب “الكونفدرالية” المشاركة في الحكومة، طمعا في توظيف الفوضى المتوقعة في الحصول على وزن سياسي أكبر.

عرض مقالات: