اخر الاخبار

إن ما لم يكن من الممكن تصوره قبل بضعة أسابيع وتم رفضه في البداية باعتباره خيالًا لعدد قليل من المتعصبين الفاشيين والعنصريين في ائتلاف نتنياهو اليميني المتطرف الحاكم، أصبح الآن مؤكدًا باعتباره الخيار السياسي المفضل لوزارة الاستخبارات الإسرائيلية: التطهير العرقي والترحيل الأبدي للفلسطينيين من قطاع غزة، أي تعريض الشعب الفلسطيني إلى نكبة ثانية، بعد مرور 75 عاماً على نكبته التاريخية التي افضت إلى قيام الكيان الصهيوني.

وفقا للوثيقة الرسمية، التي نشر موقع “شيوعيون الألماني” ترجمة إنكليزية لنصها نشرته مجلة 972 اليسارية الصادرة في إسرائيل، أوصت وزارة المخابرات الإسرائيلية بترحيل القسري والدائم لـ 2,2 مليون فلسطيني من قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية.

وتحمل الوثيقة المكونة من 10 صفحات، بتاريخ 13 تشرين الثاني 2023، شعار وزارة المخابرات، برئاسة عضو الليكود غيلا غمليئيل، التي تعد مشاريع سياسية وتقترحها على الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية.

وتتضمن الوثيقة ثلاثة خيارات لمستقبل الفلسطينيين في قطاع غزة، ولكن في استنتاجاته توصي بالسيناريو المفضل، الترحيل القسري لسكان غزة اثناء الحرب المستمرة إلى سيناء، وبناء مخيمات سكنية مؤقتة، على أن يتم بناء مدن سكنية في شمال سيناء لاحقا. ومن ثم إنشاء منطقة أمنية معزولة داخل مصر. وفي الوقت نفسه، يتعين على الحكومات في مختلف أنحاء العالم، وخاصة الولايات المتحدة، حشد جهودها لدعم هذا المشروع الصهيوني الاستيطاني غير المسبوق.

وقد تبنت حكومة اليمين الصهيوني المتطرف، سيناريو الترحيل الأبدي لسكان غزة، باعتباره الخيار الوحيد. انطلاقا من قناعة هؤلاء بان ترك حماس في السلطة أمر مستحيل سياسياً بعد السابع من تشرين الأول، وليس هناك مجموعة بديلة، وفق رؤيتهم لتولي القيادة على الأرض.

إن النموذج المشابه للضفة الغربية، والذي يتصور الاحتلال الإسرائيلي المباشر بينما يستمر الفلسطينيون في العيش في المنطقة، لا يُنظر إليه على أنه مستدام على المدى الطويل حيث أن المعارضة السياسية والمقاومة في الداخل والخارج ستتصاعد حتماً.

وينظر استراتيجيو وزارة الاستخبارات الإسرائيلية إلى امتداد السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية إلى قطاع غزة، على أنه أسوأ نتيجة ممكنة.

إن استمرار تقسيم الأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع سياسيا وإداريا، بالنسبة للسياسة الإسرائيلية، أمر لا بد منه، لان هذا التقسيم يمكن أن يمنع تشكيل دولة فلسطينية. ولهذا السبب عملت إسرائيل بشتى الوسائل، ومنذ منتصف الثمانينيات، على تقويض تمثيل منظمة التحرير للشعب الفلسطيني.

واستنتجت وزارة المخابرات: أنه “من غير المقبول أن يؤدي هجوم 7 تشرين الأول إلى انتصار حركة التحرر الوطني الفلسطينية أو ان يمهد الطريق لإقامة دولة فلسطينية”.

ولجعل فكرة قيام دولة وطنية فلسطينية ذات سيادة كاملة مستحيلة، يريدون ترحيل الشعب الفلسطيني من قطاع غزة. وعلى الرغم من الادعاءات التي تقول عكس ذلك، يبدو أن حكومة نتنياهو تتابع هذه الاستراتيجية حتى نهايتها الدموية، لتحقيق نقلة نوعية في عمليات الاستيطان وقضم الأراضي الفلسطينية وتحويلها إلى مجمعات سكانية حديثة جاذبة لمستوطنين جدد.

 أهمية تسريب الوثيقة

إن وجود الوثيقة لا يعني بالضرورة أن الحكومة الإسرائيلية ستنجح بتنفيذها. لكن حقيقة أن وزارة إسرائيلية توصلت إلى مثل هذا الاقتراح التفصيلي في خضم هجوم عسكري واسع النطاق على قطاع غزة، يؤكد من جديد، أن فكرة التقسيم، والتطهير العرقي والترحيل القسري لملايين الفلسطينيين، قد أصبحت تناقش على انها سياسة رسمية للمؤسسات الصهيونية.  وأن ما جرى ويجري ليس سلوكا ينحصر بالمستوطنين الإسرائيليين المتطرفين، بل أصبح توجه لأوساط صهيونية رسمية وشعبية واسعة، تريد ترحيل الشعب الفلسطيني، وإعادة بناء المستوطنات، التي هدمت بعد انسحاب المحتلين في 2005.

وفي الأسابيع الأخيرة، تزايدت المخاوف من مثل هذه الخطط، التي تمثل جريمة حرب خطيرة بموجب القانون الدولي. ويخشى أن يكون الدعم الهستيري لإسرائيل من قبل الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي بمثابة تمهيد الطريق أمام التطهير العرقي في قطاع غزة. ولقد حذرت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، من أن “إسرائيل تحاول مرة أخرى تبرير ما يرقى إلى مستوى التطهير العرقي باسم الدفاع عن النفس”. وقالت ألبانيز: “هناك خطر كبير من تكرار نكبة 1948 ونكسة 1967، ولكن على نطاق أوسع”.

وبعد تسريب الوثيقة إلى وسائل الإعلام، سعى المسؤولون في حكومة نتنياهو على الفور إلى التقليل من أهميتها، دون نفيها. وقال مكتب رئيس الوزراء لصحيفة هآرتس الإسرائيلية إن هذه مجرد “أفكار أولية” وليست سياسة نهائية. وأنها “ورقة مفاهيم”. لكن الجيش الإسرائيلي ما زال يعمل بوحشية بروحية الوثيقة.

وقد حظي هذا المشروع أيضًا بموافقة دولية. لقد دعا السكرتير العام للحزب الديمقراطي الاجتماعي الحاكم في المانيا، كيفين كونرت، الحكومة المصرية إلى قبول اللاجئين الفلسطينيين من قطاع غزة. وقال كيفن كونرت، إنه يتعين على الشركاء المصريين القيام بكل ما “يجعل من الممكن فتح المعبر الحدودي وإدخال المدنيين إلى الأراضي المصرية”.

ودفعت إدارة بايدن أيضًا باتجاه نكبة فلسطينية جديدة، حيث ناقشت إقامة مدينة خيام عملاقة في سيناء مع مصر لعدة أيام. ثم تراجعت بعد ان اصطدمت بمعارضة عربية قوية. ولكن الفكرة في إسرائيل، لا تزال حية.

 

عرض مقالات: