اخر الاخبار

في الوقت الذي تلقى سياسات الرئيس الأمريكي الاقتصادية والاجتماعية تأييدا ودعما من النقابات وقوى اليسار الأمريكي بطيفه الواسع من الديمقراطيين الاجتماعيين إلى اليسار الماركسي والشيوعيين، تشدد أوساط يسارية، وخصوصا خارج الولايات المتحدة على أن الأمر لا يتعدى إجراءات آنية وأن الحال على سابق عهده. ومن هنا تأتي أهمية متابعة وتحليل ما يحدث. بالإضافة إلى ترابط ما يدور داخل الولايات المتحدة بالصراع الجيوسياسي في العالم، الذي يمكن أن يكون أحد المحركات الهامة للسياسات التي أقدم عليها الرئيس الأمريكي لحد الآن.

أطلق الرئيس في بداية عهده سلسلة إصلاحات كان يعتقد انها غير ممكنة. أكثر من 60 أمرًا تنفيذيا، وإقرار خطة الإنقاذ الأمريكية بقيمة 1,9 تريليون دولار وخطة البنية التحتية المعلنة بقيمة 2,2 تريليون دولار. وفي 29 نيسان قدم الجزء الثالث: “خطة الأسرة الأمريكية”، بقيمة 1,8 تريليون دولار.

إن ما حدث لا ينفصل عن وجود تيار يساري داخل كتلة الحزب الديمقراطي، جاء نتيجة للنضالات القاعدية، ونضال الحركات الشعبية خارج البرلمان. لقد شكل هذا التيار عامل ضغط استثنائي على الرئيس الجديد.” كتب كارل انجل في جريدة “عالم الشعب” اليسارية وثيقة الصلة بالحزب الشيوعي الأمريكي: “يا له من فرق يمكن أن تحدثه الأزمة - والصراع الطبقي”.

يقول جمال بومان النائب اليساري، وعضو منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين الامريكان: “نحن ندرك أن نظامنا الرأسمالي يضر أكثر مما ينفع ... فهو يسمح بتركز الثروة في أيدي قلة بينما تعاني أغلبية الأمريكيين، وبالأغلبية أعنى 90 في المائة من سكان البلاد، إن نظام تراكم رأس المال هذا يقتلنا حرفيا بأي ثمن ويدمر الجنس البشري”. ويعتقد بومان المنتخب لأول مرة،  هذا هو الكونغرس، وكذلك البيت الابيض الأكثر تقدمًية الذي نشهده على الإطلاق. إن خطة الإنقاذ الأمريكية هي مثال واضح على ذلك، وما يأتي بعد ذلك نعتقد أنه سيكون مثالًا آخر”. وأرجع بومان ما تحقق لجهود النواب التقدميين ومنظمات اليسار والحركات الاجتماعية.

النقابات والمنظمات التقدمية

تدعم قوى اليسار والنقابات الحملة الحكومية لتنشيط العمل النقابي وتشجيع الانتماء للنقابات، انطلاقا من موضوعة شدد عليها بايدن، مفادها أن الطبقة الوسطى والنقابات هي التي بنت البلاد، وليس الوول ستريت.

ومن جانب آخر حثت النقابات والمنظمات التقدمية الرئيس الجديد، في رسالة لها في 28 آذار على عدم ترك الأزمة الحالية أن تمر دون اغتنام الفرصة لتنفيذ إصلاحات اقتصادية واجتماعية تحولية. وخاطبت الرسالة الرئيس بالقول بايدن: “اغتنم هذه الفرصة الحاسمة لإعادة بناء الاقتصاد، وتراجع التفاوت المتزايد، ومكافحة العنصرية المنهجية، وتقليل التلوث، وضمان حقوق العمال، وتسديد المدفوعات اللازمة لمعالجة أزمة المناخ”.

وجاءت خطط بايدن متطابقة للنصيحة، عبر سلسلة من الحزم الاقتصادية والاجتماعية تصل قيمتها 6 آلاف مليار دولار لتحديث الاقتصاد والبرامج الاجتماعية، التي تعد وفق المعايير الأمريكية تطورا استثنائيا، ومن الواضح أن بايدن يريد تعزيز دور الدولة أكثر مما هو معتاد في الولايات المتحدة. وأن التفاصيل المتاحة والتي لا يسع المجال لتناولها، تضمنت الكثير من المطالب الرئيسة لقوى اليسار والتقدم منذ سيادة سياسات الليبرالية الجديدة.

ويرى بايدن في أزمة الوباء هي فرصة القرن: فهو لا يريد الإصلاح فحسب، بل يريد تحديث البلاد وبالتالي جعلها مناسبة للمستقبل، كما قال صراحة لمنافسة الصين، التي لا تغيب تجربتها عن البال فيما يتعلق بدور الدولة في تحقيق النجاح. والصين التي تشق طريقها بلا توقف لتصبح البلد الأكثر هيمنة في العالم، دون أن ينسى بلدانا أخرى مثل روسيا. ويرى بايدن الاستثمار المكثف   في البنية التحتية والبحث العلمي والتعليم، شرطا أساسيا للدفاع عن الدور القيادي العالمي لبلاده.

الحاجة لضغط من اليسار

أكد النواب اليساريون على ضرورة استمرار الضغط من اليسار، كضمانة لاستمرار وتعميق ما هو إيجابي، ويركز هؤلاء النواب على ملف توزيع الثروة، يقول ساندرز: ليس أصحاب المليارات هم من يحتاجون إلى المساعدة اليوم، إنها الطبقة العاملة من تحتاج إلى مساعدة هذا البلد. رؤيتنا أن الحكومة يجب أن تمثل جميع الناس، وليس نسبة 1 في المائة. يجب أن يكون أساس الحكومة هو ركائز العدالة - العدالة الاقتصادية، والعدالة العرقية، والعدالة الاجتماعية، والعدالة البيئية - وهذا ما نعمل من أجله”. وكذلك على ضعف أداء الرئيس في مواجهته للعنصرية، واستمرا ر السياسات العدوانية تجاه المهاجرين الموروثة من عهد ترامب، وقلة التخصيصات المالية لقطاع الإسكان، ويرون أن الولايات المتحدة تحتاج إلى 40 مليار، بدلا من 30 مليار دولار التي خصصتها الحكومة.

السياسة الخارجية

تقول جريدة “عالم الشعب” إن بايدن متمسك بالسياسة الخارجية الامريكية المعروفة، باستثناء انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان. وهناك تركيز على الصين ولمرات عدة ولكن بنبرة أقل صدامية من تلك التي استخدمتها إدارة ترامب. قال بايدن إن الولايات المتحدة “في منافسة ... للفوز بالقرن الحادي والعشرين”، مشيرًا إلى أنه أبلغ الرئيس الصيني شي جين بينغ أن الولايات المتحدة “لا تبحث عن صراع”. وفيما يتعلق بروسيا، ادعى أن الولايات المتحدة ستبحث عن طرق للعمل معًا إذا كان ذلك في المصلحة المشتركة للبلدين، لكنه أشار إلى أن التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات لا يزال يمثل نقطة شائكة. وبصرف النظر عن إعلان استئناف المحادثات بشأن نزع السلاح النووي لإيران، ظل بايدن صامتا بشأن برميل البارود المتفجر في الشرق الأوسط، بما في ذلك استيطان الأراضي الفلسطينية.

عرض مقالات: