بعد أكثر من أربع سنوات، أُعلنت في 16 أيار الجاري الأحكام في “محاكمة كوباني” في أنقرة. وتعد محاكمة كوباني، التي أشرف عليها رجب طيب أردوغان، واحدة من أكبر المحاكمات السياسية الصورية في تاريخ الجمهورية التركية. وكانت الدعوة المرفوعة ضد قيادة حزب الشعوب الديمقراطي ومتهمين آخرين تتعلق بالاحتجاجات في المناطق الكردية في تركيا في تشرين الأول 2014 ضد الهجوم على كوباني من قبل ميليشيا داعش، بدعم سري من الحكومة التركية.
ووجهت الاتهامات إلى 108 شخصية سياسة وناشطي المجتمع المدني، بضمنهم جميع أعضاء قيادة حزب الشعوب الديمقراطي في حينه. وجرى اتهامهم بعشرات عمليات القتل، فضلا عن «التحريض على العصيان» و»تقسيم وحدة البلاد وسلامتها». واستندت لائحة الاتهام إلى تغريدة نشرها حزب الشعوب الديمقراطي على تويتر في 6 تشرين الأول 2014، عبر فيها عن التضامن مع مدينة كوباني، التي تحاصرها قوات داعش الإرهابية، والدعوة إلى احتجاج. مفتوح ضد الحكومة التركية. لقد طالب الادعاء العام بأحكام مشددة بالسجن المؤبد، وحرمان المتهمين من أية فرصة لنيل حريتهم.
أحكام جائرة
لقد صدرت الأحكام القاسية على المتهمين، الذين ظل 18 منهم رهن الاعتقال منذ سنوات، فيما ردد الدفاع «عاشت مقاومة كوباني». وطالت الأحكام الصادرة 36 متهماً؛ حكم على 24 منهم بالسجن وتمت تبرئة الجميع من تهم القتل. وتم فصل الإجراءات المتخذة ضد بقية المتهمين. وتعتبر الأحكام الصادرة ليست نهائية.
وحُكم على الزعيمين السابقين لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش وفيغين يوكسيكداغ، المسجونين منذ تشرين الثاني 2016، بأحكام استثنائية 42 و30 عامًا وثلاثة أشهر على التوالي.
وتلقى الاقتصادي الماركسي ألب ألتينورس والناشطة زينب كرمان من الحركة النسائية الكردية حكماً بالسجن لمدة 22.5 عاماً، كما حكم على رئيس بلدية ماردين أحمد تورك البالغ من العمر 81 عاماً بالسجن لمدة عشر سنوات. وأدين عدد من الناشطات النسويات، وعمدة آماد الأسبق، ولكن تم إطلاق سراحهم، لاحتجازهم لسنوات طويلة. وتمت تبرئة 12 متهما بسبب الشيخوخة والخرف، أو لتركهم العمل في صفوف حزب الشعوب الديمقراطي.
أحكام سياسية
قالت تولاي حاتم أوغلو، الرئيس المشارك لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب، خلف حزب الشعوب الديمقراطي بعد حظره: لقد „كان حكماً سياسياً وليس قضائيا. تماماً مثل لائحة الاتهام التي اقرت في القصر وفي مقر حزب القوميين الفاشيين حليف حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان». لقد صيغ هذا القرار أيضًا من قبل نفس المراكز. ولم يعد هناك نظام قانوني في تركي».
وقارنت الأحكام الصادرة بمحاكمات المجالس العسكرية في العقود الأخيرة، وتابعت: «لقد صدرت الأحكام باسم الانتقام. الانتقام من النصر على داعش في كوباني. وأظهرت الأحكام إلى أي جانب تقف: إلى جانب مجموعة إرهابية». معادية للشعوب والمرأة والإنسانية، جلبت ضررا كبيرا على الشرق الأوسط. لقد قلنا إما أن تصدر الأحكام لصالح الشعوب والديمقراطية أو لصالح داعش والفاشية والإرهابيين، ومن المؤكد، لن يتمكن أحد من كسر مقاومتنا للفاشية».
وأكد الرئيس المشارك للحزب تونغر بكرهان، ما طرحته رفيقته واصفا المحاكمات بوصمة عار في جبين القضاء التركي، وأن الهدف هو طرد حزب الشعوب الديمقراطي والثوريين والديمقراطيين من البلاد.
من جانبه انتقد أوزغور أوزيل، سكرتير حزب الشعب الجمهوري (كماليون) أكبر أحزاب المعارضة التركية الأحكام بشدة. بالمقابل شكرت قيادة حزب «المساواة وديمقراطية الشعوب» أحزاب المعارضة وقوى اليسار، مؤكدة على تعزيز العمل المشترك بين جميع معارضي حكومة أردوغان. وشهدت ديار بكر تظاهرة احتجاجية، شارك فيها المئات ضد القرارات الصادرة على الرغم من حظر التظاهر.
انتقاما لهزيمته الانتخابية
جاءت الأحكام الصادرة، في جانب منها، انتقاما لهزيمة أردوغان في الانتخابات المحلية الاخيرة. وفي النصف الأول من الشهر الحالي فقط، تم اعتقال 372 ناشطا كرديًا ويساريًا في تركيا. وتم وضع 108 منهم في حبس احتياطي دائم.
وكان أردوغان قد مني بهزيمة ساحقة في الانتخابات المحلية في اذار الفائت. وللمرة الأولى منذ تأسيسه في عام 2002، جاء حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم ثانيا بحصوله على 35,5 في المائة من الأصوات، مقابل أكثر من 37 في المائة لحزب الشعب الجمهوري. وفاز حزب المساواة وديمقراطية الشعوب بـ 75 مجلسًا بلديًا، أي أكثر بعشر مرات مما فاز به في الانتخابات المحلية السابقة.
من الجدير بالذكر، أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، أرجعت اعتقال المتهمين حينها لدوافع سياسية وأمرت بالإفراج عنهم عدة مرات. وفي كانون الأول 2022، أقرت المحكمة، في الدعوى التي أقامها صلاح الدين دميرتاش ضد الحكومة التركية بأن التغريدة على التويتر، التي استند اليها الادعاء العام التركي كانت «ضمن حدود الخطاب السياسي»، ولا يمكن تفسير التغريدة على أنها دعوة إلى العنف، وطالب القضاة الاوربيين بالإفراج الفوري عن الرئيس المشارك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي.