شهدت ولايتا تورينغن وساكسونيا الألمانيتان الأحد الفائت انتخابات الولاية، والتي رغم معرفة مسارها العام في الولايتين مسبقا، إلا أن نتائجها التفصيلية، لم تنحصر في استمرار أزمة حزب اليسار، بل أن الحديث يدور الآن عن "دراما" تضرب الحياة السياسية في ألمانيا، وتصيب أحزاب التحالف الحاكم في برلين في الصميم.
بالمقابل يتطلع "حزب البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف (نازيون جدد)، ولأول مرة منذ الانتصار على النازية في عام 1945، إلى حكم ولاية تورينغن.
وسبق لأحزاب اليمين التقليدي أن أبدت مرونة في التعامل المستقبلي مع اليمين المتطرف على صعيد البلديات، فهل ستنتقل هذه المرونة إلى التحالفات الحاكمة في الولايات؟
إن المخاوف الملموسة من قيادة اليمين المتطرف لحكومة تورينغن، كانت وراء التصريحات الأولية الداعية إلى تحالف ديمقراطي واسع لتشكيل الحكومة في الولايتين. لكن الأمر لا ينتهي عند تشكيل الحكومات، فاليمين المتطرف يملك الآن أكثر من 30 في المائة في الولايتين، وبالتالي فهو قوة معيقة حقيقية لمفاصل أساسية في إدارة الولايتين.
وللتعرف على تفاصيل ما جرى فيما يلي عرض لنتائج الانتخابات في الولايتين.
ولاية تورينغن
في الدورتين السابقتين كانت حكومة الولاية تقاد من قبل حزب اليسار. في هذه الانتخابات استطاع حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف الفوز بحصوله على 33,1 في المائة بزيادة قرابة 10 في المائة، وجاء الحزب الديمقراطي المسيحي (يمين محافظ) ثانيا بحصوله على23,8 في المائة، وشغل حزب "تحالف سارا فاكنكنشت" المنشق عن حزب اليسار الموقع الثالث بحصوله على 15,6 في المائة، وجاء حزب اليسار رابعا بحصوله على 12,9 في المائة، وبخسارة اكثر من 18 في المائة، وحصل حزب المستشار الألماني أولاف شولس الديمقراطي الاجتماعي على 6 في المائة فقط، في حين لم يستطع حزبا الخضر والليبراليين الأحرار المشاركان في الحكومة الاتحادية من تجاوز عتبة الـ 5 في المائة، وبالتالي سيكونان خارج البرلمان الجديد.
إن تشكيل الحكومة الجديدة في الولاية سيكون صعبا جدا، لرفض جميع الأحزاب التحالف مع اليمين المتطرف، كما أن الاحتمالات الممكنة حسابيا لتشكيل الحكومة تواجه صعوبات جدية، للتباين في مسارات هذه الأحزاب وبرامجها الانتخابية.
ويبقى الاحتمال الأقرب تشكيل حكومة بقيادة الديمقراطي المسيحي بالتحالف مع الديمقراطيين الاجتماعيين، وحزب سارا فاكنكشت المنشق عن اليسار. لقد أكد زعيم الديمقراطي المسيحي في الولاية توجه حزبه للحوار مع الحزبين المذكورين، إلا أن المهمة سوف لن تكون سهلة، ارتباطا بالتحولات التي مرت بها زعيمة حزب "تحالف سارا فاكنكنشت"، والتي كانت في سنوات نشاطها السياسي الأولى المتحدثة باسم المنبر الشيوعي في إطار حزب اليسار الألماني.
تعليقا على نتائج الانتخابات قال الزعيم المشارك لحزب اليسار الالماني مارتن شيرديوان: "إننا نشهد للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية أن حزبًا فاشيًا بالأساس فاز بأغلبية في ولاية اتحادية". وقال شيرديوان إن حزب اليسار يعيش "أمسية مريرة"
ولاية ساكسونيا
في هذه الولاية استطاع الحزب الديمقراطي المسيحي الفوز بالموقع الأول بحصوله على 31,7 في المائة، يليه حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف بحصوله على 30,5 في المائة، وحل ثالثا حزب "تحالف سارا فاكنكنشت" المنشق من حزب اليسار بحصوله على 11,7 في المائة، وكان الموقع الرابع من نصيب الحزب الديمقراطي الاجتماعي، حزب المستشار الألماني، والذي حصل على 7,4 في المائة فقط، وجاء بعده حزب الخضر بحصوله على 5,3 في المائة، وحصل حزب اليسار على 4,8 في المائة، لكنه سيمثل في برلمان الولاية على الرغم من عدم تجاوزه العتبة الانتخابية، لفوزه بمقعدين مباشرين وفق النظام الانتخابي المعمول به في ألمانيا، فيما لم يحصل حزب الليبراليين الأحرار الشريك في الحكومة الاتحادية، إلا على 0,9 في المائة فقط، وبهذا أصبح خارج برلمان الولاية.
وسيكون تشكيل الحكومة في هذه الولاية أسهل من سابقتها، لأن جميع الأحزاب، أعلنت قبل يوم التصويت أنها غير مستعدة للتحالف مع اليمين المتطرف، وبإمكان الحزب الديمقراطي المسيحي قيادة أكثر من سيناريو للتحالف الحاكم الجديد وهذا ما ستكشفه مفاوضات الأيام المقبلة.
لكن نتائج الانتخابات في الولايتين وضعت قوى اليسار والتقدم فيهما وفي عموم ألمانيا امام تحدي تعبئة القوى ومواجهة صعود اليمين المتطرف، ليس عبر تحالفات حكومية تمنعه مؤقتا من الوصول إلى السلطة فقط، بل عبر تعبئة قوى اليسار والحركات الاجتماعية ومراجعة السياسات السابقة وطرح البدائل والأساليب الكفيلة بتغيير توازن القوى لصالح مشاريع السلام والديمقراطية والتقدم، وعكسه فان غول اليمين المتطرف سيشكل خطرا جديا على حاضر ومستقبل سكان ألمانيا.