صوت الثلاثاء الفائت 197 عضوا في البرلمان الفرنسي لصالح طلب حجب الثقة عن حكومة الأقلية اليمينية، الذي تقدم به تحالف اليسار الفرنسي. وكان تمرير حجب الثقة يحتاج إلى 289 صوتاً، أي الأغلبية المطلقة من إجمالي 577 مقعداً. ولم يصوت لصالح الطلب سوى الجبهة الشعبية، وهي تحالف الأحزاب اليسارية الذي يضم 193 نائباً، بالإضافة إلى أربعة نواب من كتلة "ليوت" الصغيرة.
كان حجب الثقة عن حكومة الأقلية يحتاج أصوات كتلة "التجمع القومي" اليميني المتطرف، لكنهم لا يريدون فعل ذلك حاليا، وبدلا من ذلك يريدون منح الحكومة فرصة أكبر، كما أوضحت ذلك، منذ أيام، ماري لوبان الشخصية الأهم في "التجمع القومي".
ووفقاً لمراقبي المشهد السياسي الفرنسي، فان تكتيك اليمين المتطرف مبني على توظيف حيادهم "الإيجابي" لقاء ثمن باهض قدر الإمكان. والتأثير على سياسة الحكومة من المقاعد الخلفية. وبهذه الطريقة يستطيع اليمين المتطرف الضغط على حكومة الأقلية، التي تحتاج تحالفات آنية، لعدم تمتعها بالأكثرية، لتحقيق تغيير طفيف في قانون "اصلاح" المعاشات التقاعدية، الذي فرضه الرئيس ماكرون سابقا بمرسوم رئاسي، وفق مادة دستورية مثيرة للجدل. وبهذا يستطيع اليمين المتطرف تعزيز رصيده بين الأوساط الأضعف اجتماعياً من الناخبين.
رؤية تحالف اليسار
وصف زعيم الحزب الاشتراكي أوليفييه فور، الذي عرض أسباب تقديم حجب الثقة في البرلمان نيابة عن الجبهة الشعبية، سلوك الرئيس ماكرون بأنه "عمل من أعمال العنف ضد الديمقراطية" و"تجاهل صارخ لإرادة الناخبين"، وقال: "بدلا من تكليف التحالف الفائز في الانتخابات بتشكيل الحكومة، أسند ماكرون هذه المهمة باستعلاء إلى سياسي من قائمة الجمهوريين، التي شغلت المركز الخامس فقط، بحصولها على 6 في المائة من الأصوات".
وبرر الرئيس ماكرون قراره غير الديمقراطي، باهتمامه بــ "الاستقرار المؤسسي" وأنه يريد منع وصول البلاد سياسيا إلى طريق مسدود. واعتبر نية تحالف اليسار الالتزام بتنفيذ برنامجه الانتخابي تهديدًا، والعمل فقط مع الشركاء الذين سيكونون على استعداد لدعم برنامج اليسار.
الرئيس لا يريد الاعتراف بالهزيمة
نظراً لوجود ثلاث كتل متعارضة ومتقاربة بالقوة التصويتية داخل الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان)، فإن ما تحتاجه فرنسا، هو حكومة قادرة على خلق تحالفات آنية قائمة على المصلحة لتمرير المشاريع المختلفة. لكن الرئيس ماكرون كرر، في الآونة الأخيرة، عدم إمكانية القيام بذلك بمشاركة تحالف اليسار.
بالمقابل فإن تحالف اليسار مقتنع، بان الرئيس لا يريد الاعتراف بهزائمه المتكررة، وعيّن حكومة أقلية تدعم توجه نحو اليمين. وأن "الاستقرار المؤسسي" الذي ابتدعه ماكرون، لا يمثل في نهاية المطاف، أكثر من اعتماد الحكومة على حسن نية حزب "التجمع القومي" اليميني المتطرف.
وأخيرا أكد هذه الرؤية قول وزير الاقتصاد في حكومة الأقلية أنطوان أرماند في مقابلة، بالنسبة له لم يتغير شيء بشأن رفضه لليمين المتطرف، وأنه ما يزال يدعم "جبهة دفاع جمهورية" ضد المتطرفين اليمينيين.
وعلى الفور هددت ماري لوبان، بان كتلتها البرلمانية قد "تعيد النظر" في موقفها من الحكومة في الأيام القليلة المقبلة خلال مناقشة موازنة 2025. مما دفع رئيس الوزراء بارنييه إلى الاتصال بها فورا واعتذر عن "انحراف وزيره عن المسار".
أدت هذه التركيبة إلى توقع فشل اقتراح حجب الثقة الذي قدمته الجبهة الشعبية الجديدة. لكن وفق قناعة المعارضة اليسارية، أصبح واضحا أمام الرأي العام من يؤيد حكومة الأقلية اليمينية ومن يرفضها.
ومن المعروف في الانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت قبل ثلاثة أشهر، بعد أن حل الرئيس الفرنسي البرلمان، إثر هزيمة حزبه في انتخابات البرلمان الأوربي، قد مكنت تحالف اليسار "الجبهة الشعبية الجديدة" من احتلال المركز الأول بحصولها على 182 مقعدا من أصل 577 مقعدا. وجاء ثانيا التحالف الذي يقوده حزب ماكرون، والذي يضم أحزابا صغيرة أخرى، بحصوله على 168 مقعدا، فيما احتل حزب "التجمع القومي" اليمني المتطرف المركز الثالث بحصوله على 143 مقعدا.
لكن ماكرون تجاهل تقليد الجمهورية الفرنسية الخامسة المتمثل في قيام الرئيس بتعيين مرشح التحالف الحائز على أكبر عدد من المقاعد لتشكيل الحكومة. وبدلاً من تعيين مرشحة تحالف اليسار جولي كاستيتس، رئيسة للوزراء، عين ماكرون الوزير السابق ومفوض الاتحاد الأوروبي، اليميني المحافظ ميشيل بارنييه.