لم تعش الولايات المتحدة الامريكية فنره انتقالية بين فوز ترامب بدورة رئاسية ثانية في 5 تشرين الثاني الفائت، واستلام مهام عمله أمس 20 كانون الثاني الحالي. لقد همش ترامب سلفه بايدن، بواسطة ما يشبه الانقلاب، كانت السيطرة على وسائل الإعلام أداته الرئيسية.
منذ فوز ترامب وحزبه الجمهوري بأغلبية مقاعد الكونغرس، التزم بايدن الصمت، وفي الوقت نفسه، بدأ ترامب سلسلة متواصلة من المطالبات الاستثنائية، والتي سيطرت على الرأي العام في الولايات المتحدة وخارجها مثل: اخضاع جزيرة غرينلاند الدنماركية، وفرض السيطرة قناة بنما مرة أخرى، حتى إذا تطلب الأمر استخدام القوة العسكرية، وذهب ترامب بعيدا في سعيه لتصبح كندا الولاية 51 في الولايات المتحدة، وأشار إلى إمكانية توظيف العنف الاقتصادي للوصول إلى هدفه الأخير.
سلطة الأوليغارشية
حتى قبل توليه منصبه، اختبر ترامب إمكانية ذهابه بعيدا، في تشابك غير مسبوق بين سلطة الرئيس مع عدد من عمالقة التكنولوجيا الأكثر سلطة وتأثيرا ماليا، ولعل ألون ماسك المثال الأبرز بينهم. لقد كان بايدن محقا عندما حذر في خطاب الوداع من السلطة الجديدة التي يتمتع بها "المجمع التكنولوجي الصناعي": "اليوم في أمريكا تتشكل أوليغارشية من الثروة الهائلة والسلطة والنفوذ والتي ستدمر ديمقراطيتنا بأكملها، في انتهاك لحقوقنا الأساسية، والذي يهدد الحريات والفرص العادلة في التقدم للجميع ".
الأوليغارشيون هم أشخاص، وخاصة كبار رجال الأعمال، يمارسون، مع قِلة آخرين، ليس فقط السلطة الاقتصادية ولكن أيضًا السلطة السياسية على بلد أو منطقة من خلال الفساد. وهذا ينطبق على الولايات المتحدة الأمريكية اليوم لعدد من الأسباب الجديدة منها: ثروات خرافية وغير مسبوقة حتى بالمعايير الأمريكية لأفراد مثل ماسك وبيزوس وزوكربيرج. توظيف هذه الثروات لنشر كم هائل من المعلومات الخاطئة والكاذبة عبر منصات التواصل الاجتماعي والجيوش الالكترونية التي يمتلكوها. علاقة هؤلاء المباشرة من الرئيس يجعل "الديمقراطية مهلهلة وقابلة للتعطيل.
هجوم على المكتسبات الاجتماعية الشحيحة
في السياسة الداخلية، يعمل ترامب على فرض حزمة ضريبية تؤدي إلى التراجع عن القوانين التي شرعت في عهد بايدن لصالح العمال والصديقة للبيئة، بفضل ضغط اليسار السياسي والمجتمعي قبيل الانتخابات التي جاءت ببايدن للسلطة. وكذلك يريد تقليص الخدمة العامة بشكل جذري واستبدالها بالمنتفعين. ويريد الأوليغارشيون مثل إيلون موسك، الذي تصرف بالفعل مثل رئيس وزراء ترامب خلال مرحلة الانتقال، أن يصمموا الدولة بشكل أكثر لتناسب احتياجاتهم الخاصة. ويريد ترامب ترحيل قرابة أحد عشر مليون مهاجر. وإلغاء حق الحصول على الجنسية للمولدين داخل الولايات المتحدة. وفرض سعر الفائدة الرئيسي على البنك المركزي الفيدرالي. ولمكافحة عصابات المخدرات، يريد ترامب "إطلاق الصواريخ على المكسيك"، وفي حال اندلاع اضطرابات في البلاد، يفكر الرئيس في أمر غير مسبوق، استخدام الجيش ضد المدنيين.
صراع جيو سياسي
في ظل المنافسة الجيوسياسية الجديدة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، هناك حالة من عدم اليقين بشأن الكيفية التي سيتعامل بها ترامب في عهده الثاني. وينطبق هذا أيضًا على الحرب في أوكرانيا. من الممكن التوصل إلى اتفاق مع الكرملين مبني على فكرة توزيع مناطق النفوذ وفق الأولويات الامريكية.
ينتقد ترامب بشدة العديد من حلفائه الأثرياء بسبب إنفاقهم الدفاعي المنخفض باستمرار في وقت عودة الحرب كوسيلة لحسم الصراعات الدولية والتي تأخذ لحد الآن طابع إقليمي. ومن المرجح أن يستمر ترامب بالضغط على حلفائه. وارتباطا بشعار "أميركا أولا" الشعبوي، لم يعد مقبولاً بالنسبة لترامب ان يكون الناتج المحلي الإجمالي لدول حلف الناتو الأوروبية وكندا مجتمعة مرتفعاً ويقترب من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، وأن يبلغ الإنفاق الدفاعي للفرد 669 دولاراً سنوياً. في حين أن الإنفاق الدفاعي السنوي للفرد في الولايات المتحدة أعلى بنسبة 300 في المائة، حيث يبلغ 2239 دولاراً.
إن ضغط ترامب على الحلفاء لا يعني ترك المنافسين وخصوصا الصين وروسيا، او بلدان الجنوب والحركات السياسية والاجتماعية المناهضة للرأسمالية وشأنها، بل أنه يسعى من خلال هذا الضغط إلى تحميل الحلفاء أكثر ما يمكن، لكي تتفرغ الولايات المتحدة لمواجهة الصين في منطقة بحر الصين. وفي هذا كله وستظل الولايات المتحدة زعيمة لحلف الناتو، وستستمر بالعمل على تعزيز القدرات العسكرية اللازمة للدفاع، بما في ذلك الردع النووي.