تشهد مدينة ميونخ في العادة احتجاجات وسلسلة من مؤتمرات وفعاليات السلام، بالتوازي وردا على "مؤتمر ميونخ للأمن"، الذي يعقد في المدينة في شباط من كل عام. ويشارك في مؤتمر "الأمن" هذا، ممثلون رفيعو المستوى من المجمع العسكري الصناعي في المراكز الرأسمالية العالمية، إلى جانب زعماء العديد، وجمهرة من وسائل الاعلام السائدة، ومن بين الفعاليات المضادة "مؤتمر ميونخ الدولي للسلام".
في العام الفائت، أوقف الائتلاف الحاكم في بلدية ميونخ، والمؤلف من الحزب الديمقراطي الاجتماعي وحزب الخضر، للمرة الأولى تمويل مؤتمر السلام. ورفضت الدائرة الثقافية في إدارة المدينة تقديم الدعم المالي. وقد برر التحالف الحاكم القرار، بالحاجة إلى توفير المال، بالإضافة إلى السبب السياسي: فقد دعا أحد منظمي المؤتمر، بالاشتراك مع مجموعة تضامن مع الشعب الفلسطيني، إلى تظاهرة ضد الحرب في غزة. وإلى اشتراك متحدثين يعتبرهما حزب الخضر جزئيا معاديين للسامية. ولم يتم إلغاء الدعم المالي فقط، بل تم أيضًا رفض استضافة فعاليات المؤتمر مبنى المجلس البلدي القديم، حيث كان مؤتمر السلام يعقد تقليديًا.
الأكاديمية الكاثوليكية ترفض استضافة مؤتمر السلام
كان من المقرر أن يقام جزء كبير من مؤتمر السلام لهذا العام في الأكاديمية الكاثوليكية، لكن الأكاديمية ألغت عقد إيجار القاعة دون ذكر الأسباب.
وتقول مديرة المؤتمر ماريا فيكل إنها تشك في أن الإلغاء يعود لبرنامج المؤتمر، الذي يضم مساهمة لفرانشيسكا ألبانيزي. الباحثة القانونية الإيطالية، المقررة الخاصة للأمم المتحدة، لحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
تعتبر فرانشيسكا ألبانيزي من النقاد اللاذعين لحكومة الاحتلال وسياساتها. وقالت في وقت مبكر من شهر آذار 2024 إنها ترى "أسبابًا معقولة" للاعتقاد بأن العمل العسكري في غزة ردًا على هجوم حماس يشكل إبادة جماعية. وتلخص الأمم المتحدة رأي ألبانيزي على النحو التالي: "لقد تسامح "نسيان الاستعمار الغربي" مع المشروع الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي، والآن يرى العالم "الثمار المريرة للإفلات من العقاب الممنوح لإسرائيل". والوضع الحالي يشكل مأساة متوقعة".
ودعت ألبانيزي الحكومات الغربية إلى التوقف عن توريد الأسلحة إلى إسرائيل لأن القيام بذلك من شأنه أن يجعل هذه البلدان متواطئة مع حرب الإبادة الجماعية.
ورغم إلغاء الأكاديمية الكاثوليكية لعقد الايجار، فإن مؤتمر السلام سيعقد في أيام 14 - 16 شباط، في قاعة بديلة، وستقدم مقررة الأمم المتحدة الخاصة، وناشط السلام الإسرائيلي د. سيكون جيرشون باسكين مساهماتهما يوم السبت 15شباط.
وجامعة ميونخ ايضا
وألغت جامعة ميونخ أيضا، محاضرة بعنوان: "الاستعمار وحقوق الإنسان والقانون الدولي"، كان من المقرر أن تلقيها ألبانيزي في إحدى قاعات الجامعة يوم الأحد 16شباط. وفي رسالتها إلى المنظمين، بررت إدارة الجامعة إلغاء المحاضرة بالمضمون السياسي العام للمحاضرة، فضلاً عن المخاوف الأمنية، ارتباطا "بمعركة الآراء" المتوقعة.
والفعالية الملغاة من تنظيم مجموعة من الأكاديميين الذين يدرسون أو يعملون في الجامعة تحمل اسم "مجموعة الممارسات المناهضة للاستعمار". وتوجهت المجموعة بنداء إلى الرأي العام: "نحن نشعر بقلق عميق إزاء حالة أخرى يتم فيها حرمان ألمانيا من الخطاب الأكاديمي الضروري للغاية بشأن الوضع الخطير في إسرائيل/فلسطين". وأكدت المجموعة في بيان لها أن ألبانيزي هي محامٍية معروفة دولياً وتتحدث بانتظام في جامعات مرموقة. وبإلغاء المحاضرة، فإن الجامعة تتصرف بشكل يتعارض مع مسؤوليتها التاريخية والأخلاقية في تمكين الحوار المفتوح. ويقول المنظمون إنهم يحاولون العثور على مكان بديل.
وقوبل قرار جامعة ميونخ باحتجاج شخصيات اكاديمية داخل وخارج المانيا. واعتبرت رسالة مفتوحة وقعها عدد من الأكاديميين، ما حدث يشكل سابقة خطيرة ذات عواقب بعيدة المدى على المشهد البحثي الألماني وسمعته الدولية. لأنه يشكل هجومًا على الحرية الأكاديمية، ويطعن في شرعية الأمم المتحدة وإسكات الذين يتحدثون ضد الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة. وماذا يقال عن جامعة تلغي محاضرة حول الاستعمار وحقوق الإنسان والقانون الدولي؟ من المذهل أن نرى كيف تتخلى الجامعات الألمانية، على غرار الحكومة الألمانية، عن حقوق الإنسان والقانون الدولي.
وتضمنت الرسالة المفتوحة، ان منع "محاضرة يلقيها أحد أشهر المحامين الدوليين حول القضايا الملحة المتعلقة بالإبادة الجماعية والظلم المعرفي" ووصفوها بأنها "ليست مزعجة للغاية فقط"، بل تمثل "إهانة مباشرة لمبادئ الحرية الأكاديمية والمشاركة الديمقراطية".
واضافت الرسالة: "إن مثل هذا النهج يقوض مصداقية الجامعة كمؤسسة مكرسة لتعزيز العلم الحقيقي والنقاش الفكري والتبادل، بعيداً عن الضغوط السياسية.