ليس مفاجأة ولكنه دليل آخر على "عدل" و"الديمقراطية" الأمريكية. في 18 شباط 2025، أطلق سراح المدافع عن حقوق السكان الاصليين (الهنود الحمر) ليونارد بيلتيير من سجن "كولمان1 "شديد الحراسة في فلوريدا، وهو آخر سجن نُقل اليه في تشرين الثاني 2011، وتعرض فيه لظروف احتجاز قاسية، وخاصة العزل الاجتماعي. ويعد بيلتيير السجين السياسي الأطول إقامة في السجون الأمريكي، إذ قضى 48 عاما متواصلة في السجن.
خارج السجن، كان في استقباله، من بين آخرين، أعضاء منظمة (أن دي أن) المدافعة عن حقوق ومصالح السكان الأصليين، وقالت المحامية جينيفر جونز، "نحن نتطلع بشدة إلى هذه اللحظة. إنه في حالة معنوية جيدة. ويتمتع بروح المناضل".
عودة إلى عام 1975
كان ليونارد بيلتيير ناشطًا، في سبعينيات القرن العشرين، في منظمة مدنية تدافع، بين أمور اخرى، عن الحقوق المدنية للسكان الأصليين في الحفاظ على استقلالية مجتمعاتهم المحلية ومحاربة التمييز ووحشية الشرطة.
في عام 1977، حُكم عليه بالسجن مدى الحياة مرتين بتهمة قتل اثنين من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي في تبادل لإطلاق النار في محمية باين ريدج الهندية في ولاية داكوتا الجنوبية عام 1975.
جاء عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى المحمية لتقديم مذكرة اعتقال. وعند وصولهم إلى المزرعة، انخرطوا في تبادل إطلاق النار مع 30 من أعضاء حركة السكان الأصليين الأمريكيين، كان بينهم بيلتيير.
وعلى إثر ذلك، ألقي القبض على عدد من الأعضاء ووجهت إليهم تهم قتل العميلين. وتمت محاكمة اثنين منهم، ونهاية المطاف تمت تبرئتهما، استنادا إلى مبدأ الدفاع عن النفس. فر بيلتيير إلى كندا، التي سلمته إلى الولايات المتحدة، ليحاكم هناك. اعترف بيلتيير بأطلاق النار دفاعا عن النفس، لكنه نفى إطلاق النار مباشرة على العميلين. لقد زعم المدعي العام أن العملاء تعرضوا لإطلاق نار في الرأس من مسافة قريبة، بالمقابل أكد بيلتيير، عدم وجوده بالقرب منهما لحظة مقتلهما.
وقال انصاره، إن المحاكمة كانت معيبة بشكل خطير، وأشاروا إلى حدوث قمع، وكانت هناك شهادات متناقضة، وإكراه للشهود، وتزوير الإفادات، والأمر الأكثر إثارة للغضب هو إخفاء تقرير أظهر أن الرصاصات التي قتلت العملاء لم تأت من مسدس المتهم. وبالإضافة إلى تراجع امرأة عن أقوالها في إطلاق المتهم النار على العملاء، وقالت لاحقا إنها أُجبرت على الكذب.
حين وقوع الحادثة، كان مكتب التحقيقات الفيدرالي يبذل جهودًا لتجريم وتفكيك منظمات النشطاء الأمريكيين الأصليين بالإضافة إلى جماعات الحقوق المدنية الأخرى في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
رمزا لنضال السكان الأصليين
أصبح بيلتيير رمزًا عالميًا للنضال من أجل حقوق السكان الأصليين. وطالبت شخصيات عالمية مثل البابا فرانسيس، والدالاي لاما، ونيلسون مانديلا، ورئيس الأساقفة ديزموند توتو، والممثل روبرت ريدفورد، ومنظمات حقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية والأمم المتحدة، بالعفو عنه. ووصف رمزي كلارك، المدعي العام الأميركي السابق، محاكمته بـ "وصمة عار في جبين النظام القانوني الأميركي".
وتحدث المدعي العام الأمريكي جيمس رينولدز، الذي تولى مكتبه محاكمة الاستئناف، علناً في عدة مناسبات لصالح إطلاق سراحه. وقال كيفن شارب، القاضي الفيدرالي السابق الذي دافع عنه كمحام لمدة أربع سنوات ونصف: "لقد تقدم المدعي العام الأمريكي الذي تولى القضية، جيمس رينولدز، ودافع عن الإفراج المشروط والإفراج المبكر لأسباب إنسانية. وقال: "لقد أخطأنا".
قرار الساعات الاخيرة
وفي الساعات الأخيرة من عهده، خفف بايدن العقوبة إلى الإقامة الجبرية. لقد رفض الرئيسان السابقان بيل كلينتون وباراك أوباما العفو عن بيليتير. وكتب مدير التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي إلى مجلس الإفراج المشروط الأمريكي، أن مكتب التحقيقات الفيدرالي ضد الإفراج المشروط عنه، لعدم إعلان ندمه. وقالت جمعية عملاء التحقيقات الفيدرالي إنها ممتنة لاستمرار سجنه. وحاولوا منع جو بايدن من العفو عنه. ووصف مدير التحقيقات الفيدرالي السابق كريستوفر راي، الإفراج المحتمل بأنه "إهانة لسيادة القانون". وفي رسالة شخصية إلى بايدن، وصف بيلتيير بـ "قاتل لا يرحم"، والأفراج المشروط غير مناسب اطلاقا".
جاء قرار بايدن، تحويل عقوبتي السجن المؤبد إلى الإقامة الجبرية، بضغط من شخصيات في إدارته، بضمنهم وزيرة الداخلية ديب هالاند، التي تنتمي لقبيلة لاجونا بويبلو. لم يتضمن القرار رد الاعتبار لبيلتيير، ولا يلغي حكم الإدانة والعقوبة. وبالتالي، لم يكن هناك أي اعتذار أو تعويض عن العقود التي قضاها بيلتيير في السجون. علق بيلتيير، الذي أثرت فيه ظروف السجن القاسية، وتقدم العمر والمرض، أن إطلاق سراحه ووضعه قيد الإقامة الجبرية كان "أفضل بمليون مرة من أي شيء كنت فيه من قبل". و" أصبحت أخيرا حراً! ربما احتجزوني ً، لكنهم لم يتمكنوا أبداً من سلب روحي المناضلة".