اخر الاخبار

نحتفل مع كوبا في ذكرى ثورتها الوطنية الديمقراطية الثانية والسبعين، واذا كان الاحتفال يكتسب للشعب الكوبي دوما أهمية إنسانية ووطنية واجتماعية، فانه ينطوي بالنسبة لأنصار الثورة الكوبية في بلدان منطقتنا، على أهمية معنى النضال وتجدد اشكاله وأساليبه، ومناسبة تؤكد فيها قوى السلام والديمقراطية في الشرق الأوسط، رفضها لمنطق الاستسلام والتراخي والخضوع للمشاريع الامريكية الإسرائيلية المبنية على الاخضاع عبر هيمنة امبريالية أحادية،  تلعب فيها إسرائيل دور أداة تنفيذ بشعة، فيما يظل المشروع إمبرياليا بكل تفاصيله. وبالنسبة ليسار بلداننا، فإن الاحتفال بالثورة الكوبية يشكل أيضا مناسبة، لتأكيد جوهر مشروع اليسار في بناء الغد الأفضل الذي يحقق العدالة الاجتماعية وديمقراطية الأكثرية، بعيدا عن أوهام الليبرالية، والوسطية المفتعلة، التي تطرح بديلا للتحليل العلمي الموضوعي الذي يضمن لمشروع اليسار تطوره واستمراره بروح عصرية، بعيدا عن الانغلاق والتعصب والتمسك بالكثير من الموضوعات والآليات والهياكل التي أصبحت في أحسن الأحوال جزء من الماضي. إن الاحتفال بالثورة الكوبية وبرموزها التاريخية، لا يعني غض النظر عن المصاعب والاخطاء، بل يعني عدم تنازل الشعوب ومضطهدي العالم عن حقهم بحياة إنسانية. ويعني كذلك الاستفادة نهاية التجارب الاشتراكية السابقة، بكل مالها وما عليها، وأنه بعد مرور 35 عاما او أكثر، ليس هناك بديل تم بناؤه يتجاوز أخطاء التجربة السابقة ويرسي أسسا لتجربة جديدة لصالح الأكثرية. الرأسماليون والليبراليون والأوليغارشية، وشبكات الفساد، وحدها تعتبر تفكك التجربة الاشتراكية السابقة، نصرا طبقيا، لأنه فتح أبواب العالم لتحقيق مصالحها والعودة إلى عالم حروب الإبادة الجماعية وعصر بلطجة ترامب وعودة الفاشيين والنازيين الجدد بحلة اخرى.

كوبا تحتفل

رغم أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود،، تحتفل كوبا بيوم الثورة الوطنية. يُحيي يوم 26 يوليو ذكرى هجوم الثوار الشباب على ثكنات مونكادا في سانتياغو دي كوبا وثكنات كارلوس مانويل دي سيسبيديس في بايامو عام 1953 - والذي كان في البداية فشلاً عسكرياً، لكنه أثبت في النهاية أنه شرارة الثورة الكوبية الأولى.

من المتوقع أن يحضر أكثر من 10، آلاف مواطن إلى موقع الاحتفال المركزي في ساعات الصباح الباكر، مع وصول وفود من أكثر من 20 دولة للتعبير عن التضامن.

قبل 72 عامًا، قررت مجموعة من الشباب، بقيادة محامٍ يبلغ من العمر 26 عامًا يُدعى فيدل كاسترو، تحدي نظام الديكتاتور فولغينسيو باتيستا الموالي للولايات المتحدة. أراد الثوار الاستيلاء على الثكنات العسكرية في شرق الجزيرة، وبالتالي إطلاق شرارة انتفاضة شعبية تُنهي الفقر والأمية والقمع. فشلت الخطة؛ قُتل واعتقل وعُذّب الكثيرون. لكن خطاب الدفاع الشهير لكاسترو، "التاريخ سيُبرئني"، حوّل الهزيمة إلى لائحة اتهام سياسية - وأعاد الأمل. بعد خمس سنوات وخمسة أشهر وخمسة أيام، عاد الثوار، الذين سجنهم نظام باتيستا ثم عُفي عنهم لاحقًا إثر تظاهرات تضامنية من العمال والفلاحين والطلاب: ملتحين، يرتدون شارات حمراء وسوداء، مدعومين شعبيا، لكن هذه المرة منتصرين. لقد انتصرت الثورة.

بعد اثنين وسبعين عامًا، تواجه البلاد مجددًا معركةً ضد التضخم، ونقص الإمدادات، والحصار الأمريكي المستمر منذ أكثر من ستين عامًا. قارنت صحيفة "تراباخادوريس" النقابية الوضع قائلةً: "إن إعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح هو التحدي الأكبر. وعلينا خوض هذه المعركة بنفس العزيمة التي امتلكناها في ثكنات مونكادا". ويبدو أن الكثيرين يدعمون هذه الرؤية.

منذ أيام، علقت أعلام حركة 26 يوليو على المباني العامة والنوافذ والشرفات. يتجمع الناس في الساحات، احتفالاً بثورتهم، ليس كبادرة حنين إلى الماضي، بل كالتزام حي بالكرامة والسيادة والعدالة الاجتماعية. تقول أغنية للمغني الثوري كارلوس بويبلا: "بالنسبة لنا، إنه دائمًا يوم 26". ونشرت صحيفة منظمة الشباب الشيوعي، "جوفينتود ريبيلدي"، تقارير عن لقاءات مؤثرة بين ناشطين شباب وآخر المتبقيين من مجموعة الهجوم على بايامو، أغوستين دياز كارتايا، الذي كتب نشيد 26 يوليو. يقول الثوري المخضرم اليوم: "الجيل الجديد هو أملنا - سيُبقي الحلم حيًا".

حتى في الأوقات الصعبة، وربما بشكل خاص، تظل كوبا ملتزمة بتاريخها ومستقبلها. وقد عبّر الرئيس الكوبي والسكرتير العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوبي، ميغيل دياز كانيل، عن رؤيته بهذه المناسبة في البرلمان قبل أيام قليلة من العيد الوطني. وقال إن النموذج الاشتراكي الكوبي ليس في أزمة، بل هو جزء من الحل، مضيفًا: "الاشتراكية هي طريقنا نحو السيادة والعدالة والتقدم. لا أرى بديلًا لكوبا".

عرض مقالات: